كشف تقرير حديث لمجلة "ناشونال إنترست" الأمريكية عن "حالة من الارتباك" داخل المشهد الإعلامي المصري، حيث تستمر وسائل الإعلام في تبني خطاب مناهض لإسرائيل، حتى في خضم حربها مع إيران، بينما تسعى الحكومة جاهدة لكبح جماح هذه الروايات الشعبوية.
ويهدد هذا التناقض المتزايد بين المصالح الجيوسياسية لمصر والرسائل الإعلامية التي تسمح بها أو تديرها، بتقويض مصداقيتها الدبلوماسية في ظل منطقة تموج بالتوترات.
ويُبرز التقرير هذا التناقض من خلال حادثة رمزية أثارت جدلاً واسعًا: قيام سلسلة مطاعم مصرية شهيرة بنشر صورة ترويجية لطبق الكشري، الطبق الوطني المصري، وقد تم ترتيبه ليشكل صاروخًا، وذلك في اليوم السادس لعملية "الأسد الصاعد" الإسرائيلية ضد إيران في يونيو 2025.
فُسّرت هذه الصورة، التي بدت مولدة بتقنيات الذكاء الاصطناعي، على نطاق واسع كدعم لإيران، حتى أن وسائل إعلام إيرانية احتفت بها، زاعمة كذبًا أن إسرائيل هددت المطعم.
ويُحذر التقرير من أن هذا النوع من الخطاب الإعلامي، الذي يبدو شعبويًا في ظاهره، يتعارض بشكل مباشر مع المصالح الاستراتيجية لمصر.
ووفقا للتقرير فإيران، تُشكّل تهديدًا اقتصاديًا وأمنيًا للقاهرة، وتسعى لتحقيق أهداف إقليمية تتعارض مع الرؤية المصرية.
هذا التناقض ليس وليد اللحظة؛ بل هو انعكاس لاستراتيجية قديمة تهدف إلى الموازنة بين الخطاب الشعبي والسياسة الرسمية. إلا أن "ناشونال إنترست" تشير إلى أن هذه الاستراتيجية أصبحت "غير مستدامة" في ظل التحديات الراهنة.
فالاستمرار في هذا الارتباك الإعلامي قد يؤثر سلبًا على السياسة الخارجية المصرية، لا سيما في علاقاتها مع الشركاء الإقليميين والدوليين، وقد يضعف دورها المحوري كوسيط في الصراعات الإقليمية، مثل مفاوضات غزة.
يأتي هذا التقرير في سياق تصاعد التوترات الإقليمية بشكل غير مسبوق، عقب هجمات 7 أكتوبر 2023 التي نفذتها حماس، وما تبعها من حرب إسرائيلية مدمرة على غزة، أسفرت عن استشهاد أكثر من 56 ألف فلسطيني وإصابة 132 ألفًا، وفقًا لوزارة الصحة في غزة. وقد شهد يونيو الجاري تنفيذ إسرائيل لعملية "الأسد الصاعد" ضد منشآت نووية إيرانية، مما أثار ردود فعل متباينة وغير متوقعة في المنطقة.
اقرأ ايضا: ترامب يكشف تفاصيل تهديد مصر بـ"تفجير سد النهضة" قبل تدخله
وتُعد مصر لاعبًا دبلوماسيًا بارزًا ووسيطًا رئيسيًا في قضايا المنطقة. القاهرة استضافت محادثات مهمة لوقف إطلاق النار في غزة، وشاركت بفاعلية مع قطر في جهود الوساطة بين إسرائيل وحماس. ومع ذلك، تواجه مصر تحديات داخلية معقدة في إدارة الرأي العام، حيث يُعبر قطاع واسع من المصريين عن تعاطفهم العميق مع الفلسطينيين ومعارضتهم لإسرائيل، بينما تلتزم الحكومة بالحفاظ على علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل بموجب اتفاقية السلام.
