خطابات إيجابية تتردد باللقاءات الرسمية، لكن فيما يبدو أن العلاقة بين مصر وسوريا ماتزال محكومة بالقلق والترقب.
العلاقات بين الجانبين لها تاريخ طويل، إلا أنه لم يشفع في تجاوز الحذر المتبادل، خاصة بعد الرئيس السوري أحمد الشرع مقاليد السلطة في مرحلة انتقالية توصف بالحساسة.
وزيرا خارجية البلدين، تواصلا هاتفيًا، مطلع الشهر الجاري، وناقشا مستجدات المشهد السوري، في ضوء التطورات السياسية والاقتصادية، لا سيما بعد الإعلان عن تخفيف العقوبات الأمريكية.
وتطرق بدر عبد العاطي ونظيره السوري أسعد الشيباني إلى ملف الانتهاكات الإسرائيلية المتكررة في الأراضي السورية، ما أعاد إلى الواجهة أهمية التفاهم الأمني الإقليمي المشترك.
ويؤكد الجانب المصري مرارًا وتكرارًا دعمه لـ"عملية سياسية شاملة بملكية وطنية سورية خالصة"، إلا أن التصريحات الرسمية المصرية لا تخفي وجود مخاوف أمنية وسياسية، يتصدرها ملف المقاتلين الأجانب والجماعات المسلحة ذات الخلفيات الإسلامية، التي ترى فيها القاهرة تهديدًا مباشرًا لاستقرار المنطقة، وليس فقط لسوريا وحدها.
وتشير التقديرات إلى أن العلاقات بين دمشق والقاهرة تقف عند نقطة وسطية: لا هي مقطوعة بالكامل، ولا هي منفتحة على شراكة استراتيجية.
فبينما تواصل القاهرة التنسيق الحد الأدنى مع دمشق، تختار الأخيرة إعادة ترتيب أولوياتها الداخلية وصياغة علاقاتها الإقليمية من منطلق الحاجة لا التبعية، إذ تحتفظ مصر بموقف واضح تجاه الحالة السورية، قوامه الترقب والتريث.
فالعاصمة المصرية، على ما يبدو، تفضل تقييم مآلات التغيير في سوريا قبل الانخراط في أي مسار تعاون موسع. ويأتي ذلك انطلاقًا من رؤية مصرية تعتبر الأمن الإقليمي، لا الشعارات، أساس أي انفتاح سياسي.
وفي تصريحات رسمية، أشار وزير الخارجية المصري إلى أن تحقيق الاستقرار في سوريا يتطلب مسارين متلازمين: "عملية سياسية شاملة لا تقصي أحدًا، ومحاربة حقيقية للإرهاب".
ولم تخف القاهرة، في الوقت نفسه، قلقًا من وجود مقاتلين أجانب داخل تشكيلات عسكرية سورية، معتبرًا ذلك تقويضًا لمفهوم الدولة الوطنية.
هذا القلق ليس جديدًا، فمصر تتبنى منذ سنوات رؤية صارمة تجاه الجماعات الإسلامية، خاصة تلك العابرة للحدود، وتنظر بعين الريبة إلى أي سلطة، حتى وإن كانت رسمية، تنخرط في شراكات مع قوى تحمل أيديولوجيات متشددة أو جذورًا غير وطنية.
وفي الوقت الذي تسارعت فيه خطوات بعض العواصم الخليجية نحو دمشق، لا تزال القاهرة متمهلة.
فالدول الخليجية، وعلى رأسها السعودية وقطر، لعبت دورًا رئيسيًا في دعم الحكومة السورية الجديدة سياسيًا واقتصاديًا، وصولًا إلى التوسط لدى واشنطن لرفع العقوبات جزئيًا.
بل إن بعض هذه الدول أبرمت اتفاقيات مالية ضخمة مع الحكومة السورية، بهدف إعادة الإعمار وتحقيق الاستقرار الاقتصادي.
لكن القاهرة، رغم اطلاعها على هذا المسار، لم تلتحق به، ويعود ذلك، بحسب مراقبين، إلى أن مقاربة مصر للملف السوري لا تحكمها الضرورات الاقتصادية أو التوافقات الدولية فقط، بل تنبع من رؤية أعمق ترتبط بالأمن القومي.