حديث الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن "صحراء النقب" بوصفها وجهة بديلة لنقل فلسطينيي غزة إليها حتى تنهي إسرائيل عملياتها في غزة، أعاد تسليط الأضواء على تلك المنطقة التي طالما كانت بندًا حاضرًا في مشروعات "تهجير الفلسطينيين من الضفة الغربية وقطاع غزة"، أو ضمن صياغات متباينة لمشروعات ما يُعرف بـ"تبادل الأراضي".
ومع اشتعال الصراع وتدهور الأوضاع في قطاع غزة، جرى طرح فكرة "صحراء النقب" بوصفها وجهة بديلة لتهجير الفلسطينيين منذ خمسينات القرن الماضي، من دون أن تحقّق نتائج تُذكر، نتيجة الرفض المتكرر لها إقليميًا ودوليًا.
اقرأ ايضا: صحفيات من غزة واجهن الرعب.. روايات لا تُصدق من قلب الحرب
وخلال مؤتمر صحفي، مع المستشار الألماني، أولاف شولتس، حذر الرئيس المصري، أمس، من استمرار العمليات العسكرية في قطاع غزة، وأنها ستكون لها تداعيات أمنية وعسكرية يمكن أن تخرج عن السيطرة، مشيرًا إلى أن تهجير الفلسطينيين إلى سيناء "يعني نقل القتال إليها وستكون قاعدة لضرب إسرائيل".
وأوضح السيسي أن الأمر لن يقتصر على تهجير الفلسطينيين من غزة، بل سيمتد إلى تهجيرهم أيضًا من الضفة الغربية إلى الأردن، لافتًا إلى أنه "من الممكن نقل الفلسطينيين إلى صحراء النقب حتى تنهي إسرائيل عمليتها في غزة".
(صحراء النقب)
وتمتد صحراء النقب في المناطق الجنوبية للأراضي الفلسطينية المحتلة بمساحة تتجاوز 14 ألف كيلومتر مربع، وتشترك حدودها مع الأردن شرقًا وصحراء سيناء غربًا، ويفصلها عن البحر الأحمر مدينة "إيلات" من جهة الجنوب، أما من الجهة الشمالية فتعد مدينة الخليل (جنوب الضفة الغربية) من أقرب المدن الفلسطينية إليها.
ورغم هذه المساحة الشاسعة؛ فإن عدد السكان بها محدود، ولا يتجاوز وفق تقديرات فلسطينية "100 ألف مواطن، يعيشون في نحو 46 قرية"، منها 36 لا تعترف بها سلطات الاحتلال، ويتراوح تعداد سكان الواحدة منها بين 400 حدًا أدنى و5000 حدًا أقصى.
وبحسب تقارير إعلامية فلسطينية، فإن التجمعات العربية في صحراء النقب "تعاني إهمالاً واضحًا من جانب سلطات الاحتلال الإسرائيلي"، رغم إقامة مشروعات استيطانية وعسكرية في مناطق محدودة من تلك المنطقة، أبرزها مفاعل "ديمونا" النووي.
خبراء في الشؤون الإسرائيلية، لفتوا إلى أن منطقة صحراء النقب تعد منطقة فقيرة من حيث الموارد، وما تتمتع به من إمكانات يحتاج إلى تكلفة كبيرة لاستغلاله، عادّا ذلك أحد أسباب الرغبة الإسرائيلية المتكررة "في التخلص منها لصالح الحصول على أراضٍ أكثر فائدة لمشروعات الاستيطان الإسرائيلية، أو فيما يخدم مشروعات تهجير الفلسطينيين إلى دول الجوار".
اقتراح صحراء النقب ضمن أفكار تبادل الأراضي مع دول الجوار أو مع السلطة الفلسطينية "مطروح منذ خمسينات القرن الماضي"، وجرى طرحه للمرة الأولى على الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر، وقوبل حينها بالرفض.
غير أن تبادل الأراضي جرى طرحه مجددًا عام 2000 على الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في مقابل التنازل عن 600 كم مربع من أراضي الضفة الغربية لتوسيع المستوطنات الإسرائيلية، لكن عرفات رفض أيضا.
(هدف إسرائيل)
ولعل هدف إسرائيل الدائم هو إزاحة العبء السكاني للفلسطينيين إلى دول الجوار، من خلال تهجير سكان غزة إلى مصر، والضفة إلى الأردن، إذ أن الرؤية الأمنية الإسرائيلية تخشى إعادة نشر تجمعات فلسطينية جديدة على حدودها، فضلاً عن أن فكرة الحفاظ على سلامة السكان الفلسطينيين "آخر ما يمكن أن تفكر به إسرائيل".
(سيناريوهات متجددة)
يُشار إلى أنه في مطلع عام 2010 نشر مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق، جيورا إيلاند، دراسة أشار فيها إلى أن "مملكة الأردن الجديدة هي وطن الفلسطينيين، وينبغي أن تتكون من ثلاثة أقاليم تضم الضفتين الغربية والشرقية وغزة الكبرى التي تأخذ جزءاً من مصر".
بينما تناول أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، ووزير خارجية مصر خلال الفترة من 2004 وحتى نهاية حكم الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك عام 2011، في مذكراته التي حملت عنوان "شهادتي"، وصدرت عام 2012، واقعة طرح إسرائيل لمشروع تبادل الأراضي، الذي تضمن تخصيص مصر مساحات من الأراضي في سيناء للفلسطينيين، في مقابل تسليم إسرائيل أراضي لمصر في صحراء النقب.
اقرأ ايضا: "أفخاخ الموت في غزة".. رصاص إسرائيل يشق طوابير الجوعى
وأشار حينها إلى أن تلك المقترحات سبق طرحها على الرئيس المصري الأسبق أنور السادات، وأعيد طرحها على الرئيس الأسبق حسني مبارك الذي قابل المقترح برفض شديد، موصيًا مسؤوليه قائلًا: إياكم والوقوع في هذا الفخ، بحسب مذكرات أبو الغيط.