حوَّل متجره الصغير إلى "عيادة طبية" لاستقبال جرحى الحرب
خاص - حياة واشنطن
اقرأ ايضا: صحفيات من غزة واجهن الرعب.. روايات لا تُصدق من قلب الحرب
لم يخطر بباله أبدًا أن متجره الصغير سيصبح أهم نقطة طبية لمداواة المرضى والجرحى جراء حرب غاشمة سيشنها جيش الاحتلال على القطاع الهادئ، آن ذاك، الذي كان يعيش فيه.
العم زكي شاهين قدر، مواطن فلسطيني، بدرجة "ملاك الرحمة"، عاش ويلات الحرب في غزة، حيث ترك العدوان جراحًا عميقة في الأجساد والقلوب، فمد يده لتداوي بعضًا من هذا الوجع، وأعاد الحياة لمن ظن أن الخطى توقفت.
وبمشاعرٍ تختلط فيها الإنسانية بالعطاء، فكر مليًا في كيفية مساعدة المرضى والجرحى من النازحين جراء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، فقام بتحويل متجره الصغير بمدينة رفح على حدود القطاع إلى نقطة طبية يقدم فيها العلاج ويداوي الجرحى مجانًا، ليمنحهم - بفضل الله - بداية جديدة، وخطوة أولى نحو حياة أكثر كرامة واستقلالًا.
الشيخ السبعيني، كان حاصلًا على درجة الماجستير في التمريض وعمل سابقًا أستاذًا بجامعة فلسطين وبعد تقاعده افتتح متجرًا تجاريًا لبيع المنتجات الغذائية ليكون مصدر دخل له ولأسرته.
وبعد اندلاع الحرب في السابع من أكتوبر 2023، واضطرار مئات الآلاف إلى النزوح ونفاد معظم المواد الغذائية نتيجة الحصار الخانق، عاد العم زكي إلى مهنته السابقة في التمريض.
في عيادته الصغيرة، استقبل العم زكي، الكثير والكثير من حالات الحروق والجروح والكسور ودأب على مداواتهم في العيادة بأدوات بسيطة، وكان يرسل الحالات الصعبة إلى المستشفيات التي كانت تعمل قبل أن يخربها جنود الاحتلال.
ومع نزوح قرابة مليون فلسطيني إلى مدينة رفح، صارت النقطة الطبية، إحدى المراكز المهمة، التي تحوي مستلزمات أساسية من بينها اليود والحقن والضمادات وأجهزة قياس الضغط والسكر.
(طيب الجروح ونسى جرحه)
رغم تأثره بمضاعفات مرض السرطان، كان يعتبر مداواته للجرحى والمرضى جزءًا من واجبها الأخلاقي والوطني، وبقى اليد الحانية لكل من فقد شيئًا من جسده، أو كسرته الحرب.
وبكلمات مؤثرة وعيون يملؤها الحزن، تحدثت زوجة العم زكي - لـ "حياة واشنطن" - عن دماثة خلقه وكيف كان يعاني آلام المرض ولكن لم يتقاعس أبدًا عن مداواة المرضى والجرحى قبل أن يترك القطاع متجهًا إلى مصر لتلقي العلاج في أحد المستشفيات قبل أن يفارق الحياة.
وروت الجدة، أن بيت العم شاهين كان مفتوحًا دائمًا للنازحين وكان يمدهم بالمأكل والملبس وقدم كل ما هو غالي ونفيس من أجل إعانتهم وسط الحرب.
وقبل وفاته، تلقى العم شاهين، أثناء خضوعه للعلاج، نبأ قصف منزله في غارة إسرائيلية، وكان همه هو نجاة أبنائه وبناته الذين لازالوا متواجدين في القطاع حتى اللحظة، ليرحل بعدها تاركًا سيرته الطيبة وعمله الذي يتغنى به أهله القطاع.
اقرأ ايضا: "حرب غزة" في عيون "الذكاء الاصطناعي".. بماذا يصفها؟ وكيف يتوقع نهايتها؟
العم شاهين كان الجسر بين الجرح والدعم، بين الألم والأمل، وظل كذلك حتى أن فارق الحياة بأحد مستشفيات مصر، متأثرًا بمضاعفات مرض السرطان، لكنه ترك إرثًا يتحاكى عنه أهله وذويه وحتى من كان سبب في شفاءه ومداواة لجرحه، وبعد انتهاء هذه الغمة، سيخلده تاريخ القطاع على أنه "دواء" لغزة وأهلها من آلام آلة الحرب.