من وسط الركام حاولوا رفع كتلة أسمنتية كبيرة أمام مسعفين سحبوا من المكان جثة هامدة، فيما يصرخ شاب باكيًا: "لماذا؟ لم نفعل شيئًا يا الله".
هكذا بدأ سكان القطاع يومهم، بل هكذا يستمرون في حياة لم يقطعها النوم منذ أيام، يتابعون بأسماعهم أصوات القصف الإسرائيلي، ومع كل صاروخ يعتقدون أنها النهاية، تماما كما حصل لصاحب الجثة.
صاح الشاب باكيًا متسائلًا، احتضنه أحدهم وأخذه بعيدًا من المكان الذي عثر فيه على أحد أفراد عائلته.
تابعه المسعفون بنظرات حزينة قبل أن يلفوا الجثمان ببطانية ويرفعونها على حمالة، لكن شخصًا آخر صرخ بالجهة المقابلة في حي الشاطئ في غرب مدينة غزة، مناديا المسعفين.
ويقول الشاب لوكالة فرانس برس، ممسكًا بيد تحت الركام: "تعالوا، ما زال حيًا"، وينجح عدد من الأشخاص الذين هرعوا للمساعدة في إزالة الحجارة والركام عن الجريح، قبل أن يحمله المسعفون والدماء تغطي رأسه.
ووقفت 8 سيارات إسعاف قرب المكان الذي تجمع فيه عدد من السكان محاولين مساعدة الطواقم الطبية في إجلاء عشرات الضحايا وإزالة الجثث من تحت أنقاض كتل أسمنتية وأسلاك حديدية.
وشاهد مراسلو وكالة فرانس برس عن بعد عشرات الغارات الجوية صباح الخميس تستهدف على مدى 30 دقيقة مخيم الشاطئ وشمال القطاع المحاصر.
وبحسب أحدث بيانات وزارة الصحة في غزة، قتل 1417 فلسطينيًا، بينهم 447 طفلًا و248 امرأة، فيما أصيب 6268 في الهجمات الإسرائيلية منذ السبت.
طفل لم يتجاوز الرابعة من عمره كان يبكي، بينما حمله والده بعد إخراجه من تحت الأنقاض، وقد غطاه الغبار وسالت الدماء من أجزاء مختلفة من جسمه، وصرخ الطفل "بابا، أين أمي وأخوتي؟".
وبدا جمال المصري مصدومًا وهو يروي: "كنا نائمين. فجأة، أصبح الحي بأكمله تحت القصف، لقد دمر منزلي ومنزل أخي وأهلي وعدد من الجيران، تدمّرت بالكامل".
وتابع وهو ينظر حوله بذهول "خرجت من بيتي، الجميع أصيب. هناك أشلاء، وجثث أبنائي وأطفالهم"، وتقاطعه ابنته صارخة: "ماذا حدث؟ هل هذا حقيقي؟"، ويردّد الرجل المكلوم "الجميع مات".
ثم يرد على ابنته "اهدئي"، ويضيف: "سنبقى صامدين ولن نخرج من غزة.. هذا قدرنا".
ووصف سكان في مدينة غزة ليلة عنيفة لم تتوقف خلالها الغارات الجوية الإسرائيلية، والقصف من زوارق بحرية إسرائيلية، وكانت مناطق واسعة من القطاع غارقة في الظلام بعد توقف محطة توليد الكهرباء الوحيدة بسبب نفاد الوقود، الأربعاء.
كما تعطلت خدمات الإنترنت والاتصالات والمياه على نطاق واسع.
وتعمل الطواقم الطبية والدفاع المدني على نقل الجثث والجرحى من تحت الركام في عدد من مناطق قطاع غزة، وقال الدفاع المدني في بيان إن طواقمه "تعمل بكل إمكاناتها للاستجابة للعدد الكبير من الأحداث ويتم التعامل في الأولوية على إنقاذ الأرواح".
بموازاة ذلك، اكتظت أروقة مستشفى الشفاء الرئيسي في مدينة غزة بالجرحى ومئات من الفلسطينيين برفقة أقاربهم أو من جاؤوا لتفقد أقارب وأحباء.
وأمام قسم الطوارئ، تصل سيارات إسعاف وسيارات مدنية بشكل متواصل مع عشرات الجرحى، وينقل متطوعون الإصابات، بينما يحاول آخرون فتح الطريق أمام سيارات أخرى تطلق أبواقها ليفتح لها مجال المرور.
ويرقد عشرات الجرحى داخل المستشفى على فرشات اسفنجية، وبعضهم على الأرض، لأن أسرة المستشفى مليئة بآخرين.
وجلس طفلان مصدومان على الأرض قرب رجل لُفّ رأسه وساقاه بضمادات، بينما حمل ممرض طفلا آخر، لينادي إن كان هناك من يتعرّف عليه.
وأمام بوابة ثلاجة الموتى، كان العشرات يبكون، وآخرون يحاولون مواساتهم، وداخل غرفة الثلاجة لُفّت عشرات الجثث بأكفان ووضعت على الأرض بعد أن امتلأت الثلاجة بالجثث.
وفجأة يخرج شاب عشريني مسرعا من الغرفة ويتجه نحو أقاربه وهو بالكاد قادر على التقاط أنفاسه "ربما لم يستشهد، لم أجد جثته.. قد نجده في قسم الجراحة".