"زواج المصلحة".. أردوغان يتطلع لمليارات الخليج لحل أزمة تركيا الاقتصادية

مشاركة
أردوغان ومحمد بن سلمان أردوغان ومحمد بن سلمان
حياة واشنطن-تقرير 02:39 م، 17 يوليو 2023

في ظل أزمات اقتصادية تثقل اقتصاد تركيا، أجرى الرئيس رجب طيب أردوغان جولة إلى الخليج في الفترة من 17 إلى 20 يوليو الجاري، تشمل الإمارات والسعودية وقطر، والتي تعد بداية لمرحلة جديدة في العلاقات التركية-الخليجية بعد أزمات وحملات مقاطعة. 

ومن المتوقع أن تشهد الزيارة توقيع صفقات بمليارات الدولارات في مجالات عدة بداية خصخصة أصول مملوكة للدولة وجذب استثمارات مباشرة وإبرام اتفاقيات استحواذ وحتى صفقات دفاعية.

وفي لقاء مع صحف تركية، قال أردوغان الأسبوع الماضي: "خلال زيارتنا، ستتاح لنا فرصة المتابعة الشخصية للدعم الذي ستقدمه هذه الدول لتركيا. لقد أعربوا بالفعل عن استعدادهم لضخ استثمارات جادة في تركيا خلال اتصالاتي معهم السابقة. آمل أن يُحسم ذلك خلال هذه الزيارة".

ونقلت وكالة رويترز عن مسؤولين أتراك قولهم إنهم يأملون في جذب استثمارات خليجية مباشرة بقيمة عشرة مليارات دولار (8.9 مليار يورو) خلال جولة أردوغان بما يشمل استثمارات تتراوح ما بين 25 مليار دولار و 30 مليار دولار إجمالا على المدى البعيد.

ويشير ذلك إلى الأهمية الاقتصادية التي يوليها أردوغان إلى جولته الخليجية خاصة في ظل الضغوط التي يتعرض لها اقتصاد بلاده بفضل ما يعتبره اقتصاديون من سياسات أردوغان غير التقليدية حاول من خلالها معالجة المشاكل الاقتصادية.

وتتزامن الجولة مع تسجيل معدلات التضخم مستويات قياسية مع انخفضت قيمة الليرة إلى مستويات قياسية فيما باتت السيطرة على عجز ميزانية الحكومة أمرًا صعب التحقيق.

وعلى وقع ذلك، يرى أردوغان في زيارته الخليجية بعد إعادة انتخابه في مايو، ضرورية لدعم الاقتصاد التركي وتعزيز قيادته داخل البلاد في ضوء أن دول الخليج الغنية بالنفط قد ساعدت أنقرة في حل أزمة العملات الأجنبية على الأقل على المدى القصير من خلال اتفاقيات مبادلة العملات المباشرة وإيداع أموال مباشرة في حسابات الدولة التركية.

فعلى سبيل المثال، قدمت قطر والإمارات لتركيا حوالي 20 مليار دولار في اتفاقيات مبادلة العملات فيما أودعت السعودية، في مارس الماضي، 5 مليارات دولار في البنك المركزي التركي للمساعدة في دعم اقتصاد البلاد.

ومن بين دول الخليج، كانت العلاقة بين تركيا وقطر الأفضل، إذ كانت أنقرة حليفة الدوحة لأكثر من عشر سنوات، حيث اصطفت تركيا إلى جانب قطر عام 2014 إبان أزمتها مع دول عربية.

وكرد للجميل، وقفت الدوحة إلى جانب أنقرة في المسرح الدولي، وضخت استثمارات مالية كبيرة في تركيا، حيث ارتفع الاستثمار القطري في تركيا بنسبة 500 بالمائة بين عامي 2016 و2019.

ورغم ذلك، يرى باحثون بمعهد كلينجينديل في لاهاي عام 2021 أن العلاقة القوية بين تركيا وقطر والتحالف الدبلوماسي بينهما ليس سوى "زواج مصلحة"، إذ يوفر الدعم العسكري التركي لقطر الحماية التي تحتاجها للحفاظ على سياسة خارجية مستقلة يمكن أن تصمد أمام الضغوط السعودية والإماراتية. أما بالنسبة لتركيا، فإن الشراكة مع قطر تعد وسيلة لأنقرة للترويج لمحاولتها لقيادة ناعمة للعالم السني.

وفيما يتعلق بالإمارات، فقد تبنت أبو ظبي نهجًا معتدلًا وغير مغالٍ مع أنقرة، فرغم توتر العلاقات خلال الأزمة الخليجية، إلا أن تركيا عمدت إلى تعزيز علاقة إيجابية بشكل متزايد مع خصومها السابقين في الخليج خاصة السعودية والإمارات منذ عودة قطر إلى الحظيرة الدبلوماسية الخليجية أواخر عام 2021.

وبعد ثلاثة أيام من فوز أردوغان بالسباق الرئاسي، وقعت تركيا والإمارات اتفاقية تجارية بقيمة 40 مليار دولار على مدى خمس سنوات الخمس المقبلة وسط احتمالات بإبرام صفقات دفاعية.

وأفادت تقارير أواخر العام الماضي بأن الإمارات تجري مفاوضات لعقد صفقة لشراء طائرات مسيرة عسكرية من طراز "بيرقدار بي بي 2" تركية الصنع فيما جرى تسليم عشرين طائرة مسيرة إلى الإمارات في نوفمبر الماضي.

وعندما يتطرق الحديث إلى علاقات التركية-الخليجية، فإن السعودية تقف على طرف النقيض من قطر، وفي هذا السياق تقول الباحثة التركية سينم جنكيز - في تحليل لـ "منتدى الخليج الدولي" صدر مايو الماضي - : "انخرطت تركيا والسعودية في تنافس إقليمي قوي على مر التاريخ حيث تتنافسان على النفوذ والقيادة".

وأضافت جنكيز، الباحثة في جامعة قطر، أنه منذ مطلع القرن الحالي، يمكن وصف العلاقات بين البلدين بأنها متقلبة. فبعد "الربيع العربي" عام 2011، وقفت تركيا إلى جانب قطر في دعم المتظاهرين المناهضين للحكومات في دول عربية لا سيما سوريا.

ففي عام 2018، أدت واقعة مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية في إسطنبول إلى قطيعة دبلوماسية شبه كاملة فيما طالب رجال أعمال سعوديون في عام 2020 بمقاطعة السلع التركية الصنع وحظر إعلامي، فيما بدت السعودية في اتخاذ مواقف ضد تركيا في النزاعات الدولية خاصة في سياق النزاع بين تركيا واليونان والخلاف بين أنقرة والقاهرة.

كذلك، فإن الدور التركي الصاعد في العالم الإسلامي أثار غضب السعودية، حيث كان هذا الدور تمتلكه الرياض بفضل مكانتها في قلوب المسلمين إذ تحتضن على أراضيها الحرمين الشريفين، المسجد الحرام في مكة والمسجد النبوي في المدينة المنورة.

ورغم التنافس طويل الأمد، إلا أن أسوأ مراحل العداء بين البلدين قد تبددت إلى حد ما العام الماضي حيث حظت الرياض بعلاقة اقتصادية مع تركيا وباتت التجارة السعودية مع تركيا الأسرع نموا مقارنة بباقي دول الخليج.

وقد تجاوزت التجارية الثنائية عتبة الـ 6.5 مليار دولار العام الماضي فيما وصلت خلال الأشهر الستة الأولى من العام الجاري إلى 3.4 مليار دولار، حسبما ذكرت صحيفة "ديلي صباح" التركية الأسبوع الماضي.

وأشارت وكالة "بلومبرغ" في يونيو إلى أن مسؤولين من عملاق النفط السعودي "أرامكو" اجتمعوا مع حوالي 80 مقاولًا تركيا في أنقرة لمناقشة مشاريع محتملة بقيمة 50 مليار دولار على مدى السنوات الخمس المقبلة.

ويعتقد مراقبون أن قطاع التسليح والدفاع التركي قد يجذب اهتمام السعودية إذ قد تشهد المرحلة المقبلة شراء الرياض طائرات مسيرة عسكرية تركية من طراز (بيرقدار بي بي 2) على غرار الإمارات وربما تسيير دوريات في طرق شحن النفط.

وبحسب وكالة "الأناضول" التركية فإن "الرئيس أردوغان يقوم بزيارة رسمية إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر، بالإضافة إلى جمهورية شمال قبرص (غير المعترف بها دوليًا سوى من جانب تركيا)".

وأشارت الوكالة إلى أنه "سيتم خلال اللقاءات التي سيعقدها في السعودية وقطر والإمارات استعراض العلاقات الثنائية بأبعادها كافة، بالإضافة إلى مناقشة الأعمال المزمع إجراؤها لتعزيز التعاون القائم في القطاعات المختلفة، لا سيما المشاريع الاقتصادية والاستثمارية".

وعقب لقاءاته في الدول الثلاث سيزور أردوغان في 20 يوليو/ تموز الجاري، جمهورية شمال قبرص، بمناسبة "عيد السلام والحرية"، وسيشارك هناك في حفل رسمي سيقام بهذه المناسبة، حسب الوكالة التركية.

وتسعى تركيا لتقارب أكبر مع الدول العربية وفي مقدمتها الدول الخليجية ومصر، حسب التصريحات الأخيرة للجانب التركي، فيما تظل "أزمة الثقة" بين الأطراف العربية وتركيا قائمة، بالنظر للتوترات السابقة التي لم يتم تجاوزها بشكل نهائي حتى الآن، وفق خبراء.