لا حديث في مصر يعلو على مشاهد هدم وإزالة القبور والجبانات التاريخية في وسط القاهرة، بعدما قررت الحكومة تطوير محور مروري يمر عبر منطقة تضم مقابر تاريخية.
وارتبطت أنباء هدم المقابر الأثرية بعدد من الرموز، مثل الشيخ محمد رفعت، وشاعر النيل حافظ إبراهيم، ومحمود سامي البارودي، وإسماعيل باشا سليم ناظر الجهادية، والفنان يوسف وهبي وأسرته، وصلاح ومحمود ذوالفقار وأسرته بالإضافة إلى الفنان إيهاب نافع إلى جانب العديد من الشخصيات التاريخية.
اقرأ ايضا: بعد قرار "الجنائية الدولية".. نتنياهو وجالانت على رادار 123 دولة
(الحكومة تنفي)
وعلى الرغم من توثيق عمليات الإزالة والهدم إلا أن الحكومة نفت ما تداولته بعض مواقع التواصل الاجتماعي من منشورات تزعم تنفيذ حملة شاملة لهدم مقابر أثرية.
وقام المركز الإعلامي لمجلس الوزراء بالتواصل مع وزارة السياحة والآثار، والتي نفت تلك الأنباء، مؤكدة أنه لا صحة لتنفيذ الحكومة حملة شاملة لهدم مقابر أثرية، مُشددةً على أن كافة المقابر الأثرية قائمة كما هي، ولا يمكن المساس بها، فهي تخضع لقانون حماية الآثار رقم ١١٧ لسنة ١٩٨٣، والذي يجرم أي عمل يتلف أو يهدم أثراً.
وأكدت وزارة الآثار حرص الدولة على الحفاظ على الآثار بكافة أنواعها وأشكالها، ليس فقط للأجيال القادمة ولكن للإنسانية جمعاء.
(بداية الأزمة)
بدأت الأزمة في أكتوبر من العام الماضي، حينما وصل الأهالي إخطار من الحكومة، حيث سيتم إزالة مجموعة من المقابر في نطاق مشروع تطوير محور "صلاح سالم" المروري الهادف إلى تقليل الكثافة المرورية والزحام الشديد في المنطقة.
وطلبت الحكومة من أسر أصحاب المقابر مجموعة من الإجراءات من أجل نقل رفات الموتى، وأكدت لهم أن "نقل الموتى يكون بمعرفة صاحب الشأن وعلى نفقته الخاصة".
وأعلنت الحكومة آنذاك أنها لن تقترب من المقابر المسجلة كآثار، وأن ما سيتم هدمه "مقابر ومباني حديثه"، وأنه "لم يتم هدم أي آثر تاريخي"، مؤكدة حرص الدولة "على الحفاظ على التراث التاريخي من الآثار الإسلامية والقبطية لما يمثله من قيمة تاريخية".
(هدم المقابر)
على الرغم من ذلك تتواصل عمليات الهدم والإزالة على قدم وساق، في مقابر الإمام الشافعي والسيدة نفيسة في القاهرة التاريخية.
وظهرت في الآونة الأخيرة على مواقع التواصل الاجتماعي، صور تشير إلى عمليات هدم وعبارات على الجدران المقابر تنوه بقرارات إزالتها، من بينها مقابر شخصيات تاريخية مثل الشاعر حافظ إبراهيم الملقب بشاعر النيل، وكذلك قبر رئيس وزراء مصر والشاعر والزعيم محمود سامى البارودي، إلى جانب صاحب الرواية الشهيرة في قراءة القرآن، عثمان بن سعيد بن عبد الله بن عمرو بن سليمان، ولقبه الإمام ورش.
(سخط المصريين)
وأثارت الصور ومقاطع الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي لعمليات الإزالة، خلال الأيام الماضية، سخط المصريين، ما دفع الكثيرين إلى وصف ما جرى على أرض الواقع بـ"المأساة".
وشارك رواد مواقع التواصل صورًا لقبور أسرهم وهي ركام، لافتين إلى أن هناك أسرًا تمكنت من نقل رفات ذويها، بينما هناك من لا أهل لهم أو من انقطع عنهم أقاربهم، فانتهى الحال بالهدم فقط.
وتشمل مقابر الإمام الشافعي شواهد تاريخية، وهي التي تم تسجيل عليها اسم المتوفى وتاريخ الوفاة، وتكون في العادة مستوحاة من الطراز المعماري المنتشر في العصر الذي عاش فيه الشخص، وبالتالي لها قيمة تاريخية ومعمارية فريدة.
إذ أن جبانات الإمام الشافعي والسيدة نفيسة، بها أحواش يعود تاريخها إلى أكثر من مئتي عام، وبعضها يعود إلى نهاية عصر محمد علي، الذي حكم مصر في الفترة من 1805 إلى 1848.
ويشار أيضًا إلى أن هناك مقابر تعود لعائلة العظم السورية البارزة التي حكمت سوريا لفترة في الثلاثينيات، ومدفون فيها أفراد منها، بجانب قبر الشاعر البارودي والإمام ورش، وغيرهم من المقابر التاريخية.
(محور مروري)
ومع بدء عملية تطوير محور صلاح سلام المروري، وجّه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بتدقيق كافة الدراسات والبيانات ذات الصلة بعملية التطوير "نظرًا لمروره وسط مناطق القاهرة التاريخية والإسلامية وذلك على نحو يحافظ على قيمة تلك المواقع، ويحقق الهدف المرجو من التخطيط المنظم الحديث والسيولة المرورية وتخفيف الأعباء على المواطنين".
لكن تواصلت عمليات الهدم واستمرت الشكاوى، وآخرها كانت عريضة على موقع " Change.com"، ناشدت السيسي "بحماية رفات المصريين وكل من اختار مصر وكانت أرضها مثواهم الأخير".
اقرأ ايضا: "المستوطنون يختبئون في الملاجئ".. "حزب الله" ينفذ "أعنف قصف" على إسرائيل
إذ أن المقابر المصرية ذكرها المؤرخون والرحالة وهي قبلة للسائحين والدارسين للعمارة والفنون من الخط العربي والتذهيب والنقش على الحجر.