تجدد الجدل الواسع مرة أخرى في مصر حول مصير جبانة القاهرة التاريخية، وذلك في أعقاب بدء السلطات هدم عدد من المقابر بمنطقة "باب النصر"؛ تمهيداً لبناء "جراج متعدد الطوابق" قالت محافظة القاهرة إنه "سيخدم زوار المنطقة".
وفي هذا الصدد، تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي والمهتمون بالتراث والحضارة المصرية صوراً رصدوا خلالها أعمال الهدم الجارية بمنطقة "باب النصر".
اقرأ ايضا: تفاقم أزمة الدواء في مصر.. تحرك الدولار ينذر بارتفاعات خيالية
فيما قال عدد منهم إن المنطقة تضم رفات رموز تاريخيّة بينهم ابن خلدون، ولم يستطع آخرون تأكيد تلك المعلومة، لكنهم انتقدوا استمرار هدم جبانة القاهرة التاريخية.
وتشهد منطقة القاهرة التاريخية، عمليات هدم عنيفة للجبانات الإسلامية في الإمام الشافعي، وكذلك في باب النصر.
وفي السياق، حذر الباحث في شؤون التراث المصري ميشيل حنا، من معاودة السلطات هجماتها لإزالة مقابر القاهرة التاريخية من أجل إنشاء محور مروري بديل لطريق صلاح سالم، وموقف سيارات متعدد الطوابق لخدمة زوار المنطقة السياحية المواجهة لمقابر باب النصر.
بموازاة ذلك، نشرت صفحة "إنقاذ جبانات القاهرة التاريخية" عبر "فيسبوك" مجموعة من الصور التي توثق عمليات هدم المقابر الجارية، ومنها إزالة القبة الأثرية لقبر العالم محمود باشا الفلكي (1815-1885)، أحد أهم رواد علم الفلك الحديث في مصر، وقبة نام شاز قادن والدة الأمير محمد عبد الحليم ابن محمد علي باشا، ومئذنة خانقاه قوصون التي تعود إلى عصر المماليك.
ووفقًا لتقارير إخبارية، فقد أزالت أجهزة محافظة القاهرة مجموعة من الأحواش والمقابر المتفرقة في مقبرة الإمام الشافعي، وفي مقبرة سيدي جلال بمنطقة السيدة عائشة، والتي يعود أغلبها إلى القرن التاسع عشر الميلادي، وبعضها يرجع إلى فترة الحكم العثماني.
وتستهدف الحكومة المصرية إنشاء محور مروري جديد على أنقاض مئات المقابر في المسافة من طريق صلاح سالم إلى محور الحضارات، وإزالة جسر السيدة عائشة خلال ثلاثة أشهر من الآن، وذلك بذريعة تسهيل حركة المرور في مناطق القاهرة التاريخية.
وهدم مقابر القاهرة التاريخية يناقض تصنيفها تراثاً عالمياً من منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو)، وتسجيلها مناطق حماية وفقاً لقانون البناء المصري رقم 119 لعام 2008، فضلاً عن تميزها بكونها ذات طراز معماري تراثي حسب قانون تنظيم هدم المباني والمنشآت غير الآيلة للسقوط والحفاظ على التراث المعماري رقم 144 لعام 2006.
وكخطوة استباقية، أوقفت محافظة القاهرة عمليات دفن الموتى في اثنتين من أشهر مقابرها التاريخية، وهما الإمام الشافعي والسيدة نفيسة، إثر مطالبة الأهالي بنقل رفات المتوفين فيهما إلى مدافن بديلة في مدينة العاشر من رمضان بمحافظة الشرقية.
وكانت جرافات المحافظة قد أزالت حوش عتقاء الأمير إبراهيم حلمي الأثري الخاضع لإشراف وزارة الأوقاف، ومقبرة شاعر النيل حافظ إبراهيم، وغيرها من المقابر ذات الطابع التراثي والمعماري المتميز.
وتنص المادة الأولى من قانون حماية الآثار رقم 117 لسنة 1983 بأنه "يعتبر أثراً كل عقار أو منقول أنتجته الحضارات المختلفة، أو أحدثته الفنون والعلوم والآداب والأديان من عصر ما قبل التاريخ، وخلال العصور التاريخية المتعاقبة حتى ما قبل مئة عام، باعتباره مظهراً من مظاهر الحضارات التي قامت على أرض مصر، أو كانت لها صلة تاريخية بها. وكذلك رفات السلالات البشرية والكائنات المعاصرة لها".
وفي أكتوبر الماضي، أعربت نقابة المهندسين المصريين عن "بالغ أسفها لما تتعرض له بعض جبانات ومعالم مصر التاريخية والتراثية من هدم، ومنها قبة مستولدة محمد علي باشا في قرافة الإمام الشافعي"، داعيةً أجهزة الدولة المعنية إلى "وقف أعمال الهدم بشكل فوري، والإنصات لآراء أهل الخبرة والاختصاص، وإعادة النظر في تنفيذ أي مشروعات في هذه المنطقة التاريخية التراثية، المحمية بموجب القوانين المصرية والمواثيق الدولية".
اقرأ ايضا: مدينة رفح الجديدة.. هل تجهز القاهرة مكانا بديلاً للفلسطينيين؟
وفي بيانها، شددت النقابة على أن هدم مقابر القاهرة التاريخية "لا يعكس عبثاً فقط بالمعالم التراثية، وإنما هو عبث بالنسيج العمراني والتاريخي الفريد الذي يمثل قيمة كبيرة على مستوى العالم، كونها تعتبر إرثاً للحضارة المصرية المتراكمة عبر آلاف السنين، وينبغي الحفاظ عليه".