السير والقصص بين الحقيقة والاختلاق

مشاركة
* عادل نعمان 05:43 م، 17 مارس 2023

وإذا قرأنا عن السير الذاتية أو النصوص التاريخية أو القصص الدينية أو حتى سيرة الصحابة مهما بلغ قربهم من صاحب الرسالة ، فلا يمنعنا أحد من التدقيق والتمحيص والفرز ، على أن ما نقرأ عنهم ليس كله حقيقة وكما يحتمل الصواب فإن الخطأ وارد وناهض وموجود ، ولا حرج أو مصانعة أو مجاملة فى النقد الواضح الصريح ، واستقبال الرد بحياد كامل ، فلا قداسة ولا عصمة لأحدهم ، فهو سرد تاريخي لبشر منقول عن رواة وقصاصيين ، وربما يفتقد في الكثير من التواصل المباشر بين الرواة بعضهم بعضًا ،والأهم أن كل هذه الروايات قد نقلت على المعنى وليس على الحرف " اللفظ " زمن من وقوعها أو إختلاقها، هؤلاء جميعا الراوي والمروى عنه وصاحب الرواية وناقلها لهم نوازعهم وطموحاتهم ونقاط ضعفهم البشرية ، فتستجيب وتلبى إذا ساءت وانحرفت ، وترفض إذا عفت واستحت ، وهذا قدر الجميع وإرادة الإنسان فى التعفف والترفع او الإنحراف والإعوجاج ، ولا نستثنى احد مهما علا شأنه أن يكون تحت هذه المظلة وتحت نفس السماء ، صحابيا كان او خليفة أو إماما للدعاة او للرأى او مفسرا وشارحا.

وإذا كان احد مشايخنا العظام المحدثين يذكر ان سيدنا الولى عبد الرحمن بن جابر كان يجامع زوجته من مسافة الف وثمانمائة كيلو وكانت تحمل منه وتنجب ، ويصدقه البعض ، فلا مانع أن يصدق الناس عن الإمام الشافعي ان امرأة محمد بن عجلان كان تحمل جنينها فى بطنها ثلاث سنوت ، وتصدق ايضا ما فعلته جيوش سعد بن ابى وقاص فى غزو العراق وعبورهم نهر دجلة ، حين اقتحموه بالخيول فإذا تعبت الخيول ترتفع الارض من تحت حوافرها فتستريح وتستكين وتهدأ ، وكان الفرسان يتسامرون ويتضاحكون وكأنهم على الارض سائرون حتى تحسبهم يتنزهون فى الخلاء ، ومن قال ان ماء نهر دجلة قد شح وجف من دعاء " سعد " له ، وعبر الجنود في سلام ويسر ، وزادنا احدهم برواية " القدح " أو الوعاء ، فقد أحدهم قدحا للماء اثناء عبور النهر ، وكان عزيزا عليه ، وحزن حزنا شديدا ، فأبت أمواج النهر ان يصاب الصحابي بكدر فدفعت القدح اليه من قاع النهر فى حجره وهو جالس يستريح ، ولن ننسى ما تناقله المحاربون فى حرب افغانستان الاخيرة وكيف كانت " نعوش " الشهداء تطير فى السماء ، ويتسابقون في الارتقاء ، و كانت توزع روائح المسك على المودعين .

اقرأ ايضا: الحقيقة الكبرى في المشهد الفلسطيني...!

ولنهر دجلة كرامات ونعمات حسان كما زعموا، فكانت أمواجه تحارب مع الغزاة، وشاطئه حافظ للجنود وأمين، فهذا ابو مسلم الخولاني حين عبر النهر إياه كانت الواح الخشب تفرش امامه ليمشي عليها ويتبعه جنوده وخيوله فى سلام، ولما قطع المسافة وعبر النهر، سأل الصحابة " هل فقد احدكم متاعا فنرده له ؟

أما قصة الحمار "يعفور " فقد وردت في البداية والنهاية لإبن كثير ، وإبن الاثير فى أسد الغابة ، والذهبي فى ميزان الاعتدال ، والحافظ بن حجر في لسان الميزان ،والسيوطي فى اللآلئ المصنوعة ،وفى صحيح البخاري ،ومسلم " ..عن معاذ بن جبل : لما فتح الرسول خيبر أصاب حمارا اسود " كان من نصيبه " فكلمه رسول الله فقال له : ما إسمك ؟اجاب الحمار : يزيد بن شهاب ،اخرج الله من نسلى ستين حمارا لا يركبها إلا نبي ، وقد كنت اتوقعك لتركبني ، ولم يبق من نسل جدى غيرى ولا من الأنبياء غيرك ،وقد كنت قبلك عند رجل يهودي وكنت اعثر به عمدا ، فقال له الرسول تعالى فانت" يعفور "وكان الرسول يركبه في حاجته ،وكان يبعثه خلف من شاء من اصحابه فيأتي الباب فيقرعه برأسه ،فإذا خرج صاحب الدار اومأ له الحمار برأسه ،فيعلم ان الرسول طلب فى استدعائه ، ولما قبض الرسول ذهب " يعفور" الى بئر كانت لأبى الهيثم فتردى فيها حزنا على رسول الله ومات ، وهى حكاية لا أتصور ان مقام النبوة الغالي في حاجة الى إثبات من هذا اليعفور " ولو كان الامر كذلك لملأت كتب الفقهاء بحكايات على شكل الف ليلة وليلة من الغربان والعصافير والنسور تتحاكى وتتباهى بنسلها الشريف ، إلا هذا الحمار الذى اخطأ فى الحساب إذا كان رقمه فى ترتيب الحمير الاحفاد ستين حفيدا ، وهى حسبة لا تتعدى الف عام فكيف تسنى للجد الاعظم ان يلحق بالأنبياء الاوائل !!

اساطير الاديان لا تنتهى وقد كانت في زمن تأكيد وتوكيد وبرهان على وجودها ، يستعين بها اصحابها حين كانت الظواهر الطبيعية والإنسانية جميعها لا تفسير لها سوى هذا الشطط وكان مقبولا ومستساغا ، وقد كانت الاساطير قاسما مشتركا فى حياة الناس ، يعيشون ويتنفسون هواءها برضا حين عجز العقل عن التفسير والتعليل ، الى عهد اصبح العلم هو السائد والمفسر والشارح الوحيد ، والحكاية او الرواية تحتاج الى دليل وإثبات وبرهان وإلا رفضها الصغير قبل الكبير ، دون الراوي او الحكاء وقد كان هو مصدر الثقة والقبول والإقرار سابقا حتى فى رواية الاحاديث ،والحكاوي والسير كثيرة ومفرطة فى مخالفة العقل والعلم ، لكن السؤال الاهم هل يسرى هذا على النصوص نفسها والاحاديث ؟ نعم.. هكذا كان المعتزلة أئمة العقل.. والحديث هنا شاق بل ومحظور " الدولة المدنية هى الحل ".

 

** كاتب مصري

** جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "حياة واشنطن "