أوضاع اقتصادية صعبة تمر بها مصر، مع ارتفاع أسعار العملات الأجنبية أمام الجنيه، الذي خسر نحو 104 % من قيمته، إذ كسر الدولار الأمريكي، حاجز الـ 32 جنيهًا مصريًا.
يأتي ذلك بعدما سماح البنك المركزي المصري للعملة بالتحرك مجددًا مقابل الدولار، وفقًا للاتفاق مع صندوق النقد الدولي الذي يترك السعر مرنًا وفقًا للعرض والطلب.
وأشارت وكالة "رويترز" إلى أن عقود الجنيه المصري الآجلة غير القابلة للتسليم قفزت بين 6.4% و8.3% إلى ما بين 31.6 و34.8 جنيه للدولار بعد أحدث تراجع لقيمة العملة.
ويسجل الجنيه تراجعًا منذ أيام، ليقلّص الهوة بين سعر الصرف الرسمي والسوق الموازية، وحتى بعد خفض قيمة العملة للمرة الثالثة منذ مارس، لا يزال النقد الأجنبي شحيحًا، في وقت يصارع الاقتصاد المصري تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا.
وأفاد محللون في مجموعة "جولدمان ساكس" بأن هذا التراجع "يشير إلى أنه لا يزال هناك حجم كبير من الطلب على العملات الأجنبية لم يُلبَّ محليًا".
ورأى منصف مرسي، الرئيس المشارك لقسم البحوث في "سي آي كابيتال"، أن التحرك الحالي للعملة المحلية "طبيعي ومتوقع".
وقال: "لا يوجد سعر محدد يستطيع أحد توقعه لأننا نسير وفق سعر صرف مرن الآن. لديك طلبات وبضائع بالموانئ، مع الإصلاحات الجارية والاستقرار وعودة الأجانب للاستثمار في أدوات الدخل الحكومية.. سترى تراجعًا بالسعر".
بموازاة ذلك، قالت كارلا سليم، الخبيرة الاقتصادية في "ستاندرد تشارترد"، إن الجنيه المصري سيظل تحت الضغط حتى يتحقق المزيد من التدفقات الدولارية، مما يوازن الطلب والعرض بالنقد الأجنبي، مرجحة أن "يدفع سد الفجوة مع السوق الموازية الجنيه إلى الهبوط بعنف قبل أن يستقر".
وأشار فاروق سوسة، الخبير الاقتصادي في "جولدمان ساكس" إلى أن هدف الحكومة يجب أن يكون التخلص من أزمة الصرف الأجنبي والتأكد من تلبية الطلب على العملات الأجنبية في السوق الرسمية، وبالتالي "توحيد سعر الصرف والقضاء على السوق الموازية".
ويرى مراقبون أن مصر تحتاج إلى الحصول على المزيد من التمويل من الخارج، فيما تحاول التخلص من مأزق تكدس الواردات في موانئها، ما يضيف إلى تراكم الطلب على الدولار.
وحصلت البلاد على قرض بقيمة 3 مليارات دولار من "صندوق النقد الدولي"، وتعهدت في أكتوبر بتبني سعر صرف مرن، وهو ما يفضله المقرض الذي يقع مقره في واشنطن.
ويتضمن برنامج القرض الذي وافق عليه الصندوق لمصر تنفيذ حزمة من السياسات للحفاظ على الاستقرار الاقتصادي الكلي، ومنها التحوّل الدائم إلى نظام سعر الصرف المرن لتعزيز الصلابة في مواجهة الصدمات الخارجية وإعادة بناء الاحتياطيات الوقائية الخارجية.
ويقدر صندوق النقد الدولي أن مصر ستعاني من فجوة تمويل خارجي قيمتها 16 مليار دولار خلال 46 شهرًا هي مدة البرنامج الحالي.
وفي الأيام الماضية، أصدرت مصر شهادات ادخارية بعائدات تصل إلى 25% سنويًا، في وقت أشارت "بلومبيرغ" إلى أن هدفها يتمثل في "سحب السيولة من الأسواق لمواجهة التضخم"، الذي وصل الثلاثاء الماضي إلى 21.3% خلال ديسمبر.
ورأى خبراء أن الهدف من الشهادات ذات العائد المرتفع هو "امتصاص السيولة الموجودة بالأسواق لمواجهة التضخم، وقد يكون خطوة أولية قبل تحريك جديد للعملة".
وأقرت مصر قواعد جديدة تهدف إلى الحد من الإنفاق الحكومي، بما في ذلك وقف المشاريع الجديدة المكلفة.
ومن بين الإجراءات التي تم نشرها في الجريدة الرسمية وقف الإنفاق على المشاريع الجديدة التي تحتاج إلى سيولة دولارية، واشتراط حصول كيانات الدولة على موافقة وزارة المالية والبنك المركزي قبل تخصيص السيولة الأجنبية.
ولم يقدم القرار الحكومي مزيدًا من التفاصيل حول المشاريع التي قد تتأثر، إلا أن السلطات المصرية أنفقت في السنوات الأخيرة مبالغ كبيرة على الطرق الجديدة والجسور والمدن وغيرها من البنى التحتية التي تقول إنها محركات رئيسية للنمو الاقتصادي.
كما يقيد القرار السفر غير الضروري للمسؤولين في الحكومة ووكالات الدولة، من دون موافقة مسبقة من رئيس الوزراء، ويعفي القرار المسؤولين في قطاع الصحة ووكالات الدولة التي تشتري السلع الحيوية ووزارتي الدفاع والداخلية.
وكان استطلاع أجرته "رويترز"، قد توقع استمرار ارتفاع معدل التضخم الرئيسي في مصر بعد أن سجل بالفعل أعلى مستوى في خمس سنوات في نوفمبر، بينما لا يزال خفض قيمة العملة المحلية الجنيه في أكتوبر يلقي بظلاله على الاقتصاد.
وأظهر متوسط توقعات 15 محللًا أن التضخم السنوي بلغ 20.50 بالمئة في ديسمبر، ارتفاعًا من 18.7 بالمئة في نوفمبر، الذي كان أعلى مستوى منذ ديسمبر 2017.
وقال بنك "غولدمان ساكس" - في تقرير - "يعود هذا بصورة أساسية إلى الآثار الناجمة عن خفض قيمة الجنيه في نهاية أكتوبر، فضلًا عن استمرار انخفاض قيمة العملة في السوق الموازية حتى ديسمبر".
وخفض البنك المركزي سعر الجنيه المصري 14.5 بالمئة تقريبًا في 27 أكتوبر، وسمح له بالاستمرار في الانخفاض تدريجيًا وببطء في نوفمبر وديسمبر.
وتوقع محللون أن يقفز معدل التضخم الأساسي إلى 23.6 بالمئة ارتفاعًا من 21.5 بالمئة في نوفمبر.
من جانب آخر، قال صندوق النقد الدولي - في تقرير - إن بيع مصر المزمع لحصص مملوكة للدولة في بعض الشركات الكبرى والاستثمارات الخليجية الموعودة "يجب أن تتحقق بالكامل وفي إطار الجدول الزمني المتوقع"؛ لضمان التمويل الكامل للبرنامج ومدته 46 شهرًا، وفقا لما ذكر موقع وكالة "بلومبيرغ".
ومن خلال تقييم إجمالي استثمارات خليجية بقيمة 6.7 مليار دولار في السنوات المالية الثلاث المقبلة، أشار التقرير إلى أن مثل هذه "الضمانات من التمويل لفترة البرنامج تنطوي على مخاطر".
في الوقت الذي عانت فيه الدولة الأكثر سكانًا في الشرق الأوسط من التأثير الاقتصادي للغزو الروسي لأوكرانيا العام الماضي، تعهدت دول مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر بتقديم أكثر من 20 مليار دولار في شكل ودائع واستثمارات.
ويشكل التركيز على الاستثمارات تحولًا عن الدعم السابق الذي قدمته دول الخليج لمصر، والذي كان بشكل أساسي يتم على شكل ودائع.
وقال الصندوق إن دول الخليج مستعدة لتجديد ودائع سابقة قدمتها في البنك المركزي المصري حتى نهاية برنامج صندوق النقد الدولي.
ويعد بيع الأصول المملوكة للدولة للمستثمرين هو جزءًا من جهد أوسع للحد من دور القطاع العام في الاقتصاد المصري، تماشيًا مع نصائح صندوق النقد الدولي.
وتعهدت مصر بسعر صرف مرن للعملة ودور أكبر للقطاع الخاص ومجموعة من الإصلاحات النقدية والمالية، عندما اتفقت على حزمة دعم مالي بثلاثة مليارات دولار مع صندوق النقد الدولي، وهو ما كشف عنه تقرير صدر عن الصندوق يوم الثلاثاء.
وكانت البلاد تئن بالفعل تحت وطأة ضغوط مالية قبل أن تعصف الحرب في أوكرانيا بعائدات السياحة وترفع تكلفة استيراد السلع الأولية وتدفع المستثمرين الأجانب إلى سحب أكثر من 20 مليار دولار من الاقتصاد.
وأظهرت بيانات صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء يوم الثلاثاء أن التضخم السنوي لأسعار المستهلكين في المدن المصرية ارتفع في ديسمبر كانون الأول إلى 21.3 بالمئة، وهو أعلى مستوى منذ أواخر 2017، متجاوزًا توقعات المحللين.