وقع الجيش السوداني والمعارضة المدنية السياسية الرئيسية اتفاقا إطاريا اليوم، لإنهاء الأزمة السياسية المستمرة في البلاد منذ اكتوبر من العام 2021، عقب إطاحة القوات المسلحة بالحكومة المدنية بقيادة رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك.
لكن الاتفاق بدا أنه سيواجه عثرات منذ اللحظة الأولى لتوقيعه، ففيما كان قادة الجيش والمعارضة يوقعون الاتفاق في القصر الجمهوري في وسط الخرطوم، كانت قوات الأمن تفض تظاهرات دعت إليها "لجان المقاومة"، وهى المحرك الرئيسي للشارع في السودان، للاعتراض على الاتفاق، الذي تقول إنه "صفقة" بين العسكريين والمدنيين على حساب الثورة.
ووقع الاتفاق الإطاري، الذي يُمهد الطريق لتشكيل حكومة مدنية، رئيس مجلس السيادة قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، ونائبه قائد "قوات الدعم السريع" محمد حمدان دقلو، وعدد من قادة التيارات السياسية في قوى إعلان "الحرية والتغيير – المجلس المركزي"، وهي الفصيل المدني الرئيسي في المعارضة.
وحضر مراسم التوقيع "الآلية الثلاثية" الدولية التي تضم الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي ومنظمة "الإيقاد"، بجانب "الآلية الرباعية"، التي تضم السعودية والولايات المتحدة ودولة الإمارات وبريطانيا، بالإضافة إلى ممثلين عن دول الاتحاد الأوروبي والبعثات الدبلوماسية المعتمدة لدى الخرطوم.
ويتضمن الاتفاق 27 بندا أبرزها تسليم السلطة الانتقالية إلى سلطة مدنية كاملة تتكون من ثلاث مستويات دون مشاركة القوات النظامية التي منحت تمثيلا في مجلس للأمن والدفاع يرأسه رئيس الوزراء المدني.
وحدد الاتفاق الفترة الانتقالية بعامين منذ لحظة تعيين رئيس وزراء، بالإضافة إلى أن تعيين مدير جهاز المخابرات عبر رئيس الوزراء المدني، وتنظيم انتخابات في نهاية الفترة الانتقالية، على أن يكون اختيار رئيس الوزراء الانتقالي من قبل قوى الثورة الموقعة على الاتفاق الإطاري.
وأكد الاتفاق ضرورة تكوين جيش وطني موحد مهني والالتزام بمبدأ تجريم الانقلابات العسكرية، مع إطلاق عملية شاملة لكشف الجرائم ومحاسبة مرتكبيها.
كما نص على النأي بالجيش عن السياسة وعن ممارسة الانشطة الاقتصادية والتجارية الاستثماربة؛ ودمج قوات الدعم السريع وقوات الحركات المسلحة في الجيش، وفقا للترتيبات التي يتم الاتفاق عليها لاحقا في مفوضية الدمج والتسريح ضمن خطة إصلاح أمني وعسكري يقود الى جيش مهني وقومي واحد، إضافة إلى إصلاح جهازي الشرطة والمخابرات ووضعهما تحت رئاسة رئيس مجلس الوزراء، وحصر مهام جهاز المخابرات على جمع المعلومات وتحليلها وتقديمها للجهات المختصة وتجريده من سلطة الاعتقال أو الاحتجاز.
وقال البرهان، في كلمة خلال مراسم التوقيع، إنه يجب على السلطة المدنية في السودان احترام المهنية العسكرية، مشددا على أن القوات المسلحة ستبقى إلى جانب الشعب السوداني، فيما دعا نائبه قائد "قوات الدعم السريع"، القوى السياسية إلى الكف عن السعي للوصول للسلطة عبر المؤسسة العسكرية.
من جهته، أكد الواثق البريرالأمين العام لحزب "الأمة القومي" ممثل قوى المعارضة، الموقعة على الاتفاق، أن الاتفاق غايته توحيد الشعب السوداني واستعادة وبناء دولة الحكم المدني الراشد واستكمال مهام الانتقال.
ويلقى هذا الاتفاق معارضة قوية من مجموعة الموالاة، التي طالما دعمت قرار الجيش إطاحة حمدوك عن السلطة، وتتمثل هذه القوى بالأساس في "الحرية والتغيير – التيار الديمقراطي"، التي تعهدت بالعمل على إسقاط تلك "التسوية الثنائية"، فضلا عن جانب كبير في التيار الإسلامي، المؤيد للجيش المسمى "التيار الإسلامي العريض"، وعدد كبير من تنسيقيات "لجان المقاومة" التي تقود الحراك الشعبي.
وفي ردود الفعل، رحبت جمهورية مصر العربية في بيان صادر عن وزارة الخارجية، بالتوقيع على الاتفاق السياسي الإطاري، مؤكدة أن هذا الاتفاق يعد خطوة هامة ومحورية لإرساء المبادئ المتعلقة بهياكل الحكم في السودان.
من جانبها، أعربت السعودية عن ترحيبها بالتوقيع على الاتفاق السياسي الإطاري، مشيرة إلى أن هذه الخطوة ستسهم في تحقيق تطلعات الشعب السوداني. وأكدت وزارة الخارجية السعودية ثبات واستمرار موقف المملكة الداعم لكل ما من شأنه تحقيق السلام وصون الأمن والاستقرار والنماء في السودان.
كما رحبت البحرين بالاتفاق، مؤكدة دعمها له.
ورحب الاتحاد الافريقي بتوقيع الاتفاق السياسي الإطاري، وقال السفير محمد بلعيش سفير الاتحاد الأفريقي بالخرطوم، إن الاتفاق يصب في صميم متطلبات السودانيين في التحول الديمقراطي وإنشاء مؤسسات السودان الجديد لتجسيد شعار "حرية سلام وعدالة"، معربا عن أمله في أن تتوج العملية السياسية بحل نهائي ومستدام وتشكيل حكومة كفاءات وطنية قادرة على بسط العدالة وتحسين معاش الناس ونزع السلاح والتحضير المحكم للاستحقاق الديمقراطي.