ليست ببعيد عن الحلبة السياسية، والجدل القائم حول "التطبيع مع إسرائيل"، تجري خطوات تطبيعية ناعمة يقودها صحافيون عرب ومثقفون شاركوا في ندوة عبر الانترنت، يغازلون فيها صحافيين ومسؤولين إسرائيليين لمناقشة دور وسائل الإعلام لإحلال السلام في المنطقة.
هذه الندوة، نظمها ما عرف بـ"المجلس العربي للتكامل الإقليمي"، وهو مبادرة أطلقت العام الماضي باسم عربي يهدف بشكل أو بآخر إلى تحريم كل ما يمنع التعامل مع إسرائيل.
اقرأ ايضا: "تضم قادة عرب".. لوحات إعلانية ضخمة في شوارع تل أبيب تدعو لـ"شرق أوسط جديد"
لم يكن الأمر مُفاجئاً على وقع التطبيع السياسي الذي أعلن بشكل رسمي وعلني باتفاق صفق له بعضُ العربِ والمطبعون، إلا أن الجديد وغير المسبوق هو حجم وطبيعة مشاركة الشخصيات، حيث شارك صحفيون من بلدان عربية مثل الجزائر واليمن والسعودية والسودان، والتي كانت تجرم في وقت من الأوقات الاتصال بإسرائيل.
رفض مطلق
وقد لاقت هذه المشاركة سخطا وغضبا كبيرين من قبل الأطر والمؤسسات الصحفية الفلسطينية، التي أكدت رفضها المطلق لأشكال التطبيع مع الكيان "الإسرائيلي"، وفي مقدمتها التطبيع الإعلامي والثقافي، واصفةً إياه بالخروج عن الإجماع الشعبي والإعلامي العربي الرافض للتطبيع والتواصل مع كيان العدو.
وقد عبرت الأطر في بيان صحفي تلقت "دار الحياة" نسخة منه، عن صدمتها لعقد لقاء إعلامي تطبيعي عبر برنامج (زووم) بين مجموعة صحفيين مصريين، وسعوديين، وسودانيين، وجزائريين، وبحرينيين، ومسؤولين إسرائيليين بينهم ما يسمى وزير التعاون الإقليمي في كيان الاحتلال أوفير أكونيس ومسؤولين إسرائيليين آخرين.
واعتبرت أن اللقاء يأتي تزامناً مع تصاعد حدة الهجمة "الصهيو- أمريكية" التي تستهدف القضية الفلسطينية، وما يواكبها من انحدار قيمي وسقوط سياسي ووطني وأخلاقي من بعض الأنظمة العربية التي ارتضت على نفسها أن تكون في الخندق المعادي لشعبنا وأمتنا، خدمةً وارتهاناً لإرادة الكيان "الإسرائيلي" ومن خلفه الإدارة الأمريكية المتصهينة.
ووصفت ما جرى بأنه انحدار قيمي وأخلاقي ووطني من قبل "حفنة" من الخارجين عن الإجماع الشعبي العربي والإسلامي الرافض لكل أشكال التطبيع مع كيان الاحتلال.
وأكدت الأطر أن إقامة أي علاقات تطبيعية مع الكيان "الإسرائيلي"، تمثّل إساءة بالغة لشعبنا ومقاومته وتضحياته، وللمواقف الشعبية والنقابية العربية والإسلامية الأصيلة تجاه القضية الفلسطينية، كما تمثّل انحيازا للاحتلال وانتصارا لمزاعمه على حساب حقوق شعبنا وثوابته.
كما أكدت، أن مثل تلك اللقاءات التطبيعية، لا تعبّر عن الضمير والموقف الشعبي الأصيل، لأبناء وشعوب أمتنا العربية والإسلامية التي نفاخر بها دوما.
وشددت على أن اللقاءات التطبيعية مع قادة وممثلي الكيان "الإسرائيلي"، لن تغيّر من حقيقة أن هذا الكيان، الذي سيظل كياناً طارئاً وخارجاً عن نواميس الجغرافيا والتاريخ، وأنه حتماً إلى زوال مهما طال الزمن أم قصر.
وطالبت الأطر، المؤسسات والنقابات الصحفية في بلدان أولئك المطبّعين، وفي مقدمتها اتحاد الصحفيين العرب، بمحاسبة ومعاقبة أولئك الذين شاركوا في ذلك اللقاء التطبيعي، وعزلهم إعلاميا، ووضعهم في كشوفات "العار" السوداء، ليكونوا عبرة لكل من تسوّل له نفسه التطبيع مع العدو المركزي للأمة.
كما دعت، كتاب ومثقفي أمتنا الأحرار، والمؤسسات الإعلامية التي تنبض بضمير أمتنا الحي، إلى تسليط الضوء على المخاطر الناجمة عن التطبيع مع كيان الاحتلال "الإسرائيلي"، وفي مقدمته التطبيع الإعلامي، الذي يستهدف وعي الأمة ويحاول تدجينها وترويضها للقبول بهذا الكيان في قلب الأمة.
وثمنت الأطر، عالياً مواقف كل النقابات والاتحادات العربية والإسلامية، التي أعلنت انحيازها لضمير الحق والعدل والإنسانية الذي يمثله شعبنا في مواجهة الباطل والعدوان، برفضها كل أشكال التطبيع "الحرام" مع كيان الاحتلال "الإسرائيلي".
مشاركة إسرائيلية
صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية وصفت هذه الندوة التي استمرت ما يقرب الساعتين بـ"غير المسبوقة".
بحسب الصحيفة، فإن "المجلس العربي للتكامل الإقليمي هو مبادرة عربية مكرسة لمحاربة المحرمات التي غُرست في جميع أنحاء المنطقة ضد التعامل مع إسرائيل"، والمنسق العام والمؤسس لهذه المبادرة هو الناشط جوزيف براود الذي أدار الندوة وترجم كلمات المشاركين العرب إلى العربية والإنكليزية.
وتُظهر السيرة الذاتية لبراود الذي يقيم في نيويورك أنه يعمل باحثاً في مراكز أبحاث ممولة من دولة الإمارات منها مركز "اتصالات السلام".
وفي الندوة الإفتراضية، وجّه الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين كلمة تلاها نيابة عنه أوفير جندلمان، والأخير هو المتحدث باسم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لوسائل الإعلام العربية باللغتين العبرية والعربية.
وقال ريفلين إنه "لشرف عظيم" أن يجتمع عدد من الصحافيين من جميع أنحاء المنطقة عبر الإنترنت لإجراء "محادثة مهمة" حول السلام، مذكّراً بوالده يوسف يوئيل ريفلين الذي قال إنه كان عالماً في اللغة والثقافة العربية وكان قد ترجم القرآن الكريم إلى العبرية.
وفي رسالته، قال ريفلين: "أتذكر بيت طفولتي كمكان يلتقي فيه علماء اليهود والمسلمين والمسيحيين، وأرفف الكتب مليئة بالنصوص اليهودية والإسلامية، بالعبرية والعربية".
وتابع: "كان والدي معجباً بالروح السامية، وكان يؤمن بصدق بالمستقبل الواعد للشرق الأوسط، على أساس الشراكة والعلاقة الوطيدة بين شعوب المنطقة وثقافاتها".
بماذا يطالب "الإسرائيليون"؟
صحافيون من الجزائر واليمن والسودان والسعودية شاركوا في ندوة ألقى فيها الرئيس الإسرائيلي ووزيران من الحكومة كلمة طالبوا فيها الإعلاميين العرب بتحسين صورة إسرائيل في بلدانهم، وفق ما نقلت صحف إسرائيلية
وقال الرئيس الإسرائيلي إنه يرى روح التعايش والصداقة في اتفاقيات السلام التي وقعتها إسرائيل الأسبوع الماضي مع الإمارات والبحرين، مضيفاً أن "دور وسائل الإعلام هو نقل هذه الروح وبدقة إلى جمهوركم… أنا متأكد من أن القراء والمشاهدين لديهم فضول شديد ويريدون بشكل عاجل معرفة المجتمع الإسرائيلي بشكل أفضل".
وأنهى ريفلين كلمته بالقول: "كل واحد منكم مدعو للحضور إلى إسرائيل للتعرف علينا بشكل أفضل".
وقال وزير التعاون الإقليمي الإسرائيلي أوفير أكونيس خلال مشاركته في الندوة إن "هذه المحادثة تاريخية ومناسبة عظيمة ومبهجة".
وحث المنظمين على ترتيب زيارة لوفد من الإعلاميين من جميع أنحاء المنطقة إلى إسرائيل، قائلاً: "ستكون أفضل طريقة لتغطية أخبار دولة إسرائيل عن كثب، ورؤية جمالها وكرم ضيافتها، وفرصة لتعزيز التعاون الثنائي".
وتحدث وزير الاتصالات الإسرائيلي يوعاز هندل بإيجاز في الندوة، إذ سلط الضوء على دور الصحافة بصفتها رقيباً على السياسيين، وحذر من الإمكانات الضارة لوسائل التواصل الاجتماعي".
وأشاد رئيس تحرير صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" دافيد هوروفيتس الذي كان بين الصحافيين الإسرائيليين المشاركين في الندوة بـ"المناسبة التي أتاحت له التحدث إلى أشخاص من أكثر من دولة في مكالمة واحدة".
ودعا هوروفيتس الصحافيين الإسرائيليين والعرب إلى "السفر قدر المستطاع في اتجاه بعضنا البعض، لأن الصحافيين يجب أن يكونوا في طليعة الإعلام، ويجب أن نتعلّم بأنفسنا وأن نبلغ قراءنا ومشاهدينا".
المشاركة العربية
كان أول إعلامي عربي تحدث في الندوة هو محمد الحمادي، رئيس تحرير صحيفة "الرؤية" الإماراتية، قائلاً: "كان من الصعب أن تتخيل عقد مثل هذا الاجتماع قبل سنوات قليلة".
وأضاف الحمادي: "نحن العرب لا نعرف الإسرائيليين جيداً، ليس كما ينبغي لنا وربما لا يعرفنا الإسرائيليون كما ينبغي أيضاً"، لافتاً إلى أن "الكثير من العرب يؤمنون بصور نمطية سلبية عن اليهود"، كما أعرب عن أسفه لأنه مع زملائه الذين يكتبون بإيجابية عن التطبيع مع إسرائيل يتعرضون للكثير من الإساءات.
وأشار الحمادي في الوقت نفسه إلى أن الشارع العربي لا يزال يهتم بشدة بالشعب الفلسطيني، وأنه لا ينبغي تهميش حقه في دولة مستقلة في تغطية التقارب الإسرائيلي مع الدول العربية.
في ندوة نظمها "المجلس العربي للتكامل الإقليمي" بين مسؤولين إسرائيليين وصحافيين عرب، اشتكى صحافيون من الإمارات والبحرين من الإساءة لهم بسبب تشجيعهم على السلام مع تل أبيب، وخبيرة سعودية طالبت بـ"استخدام ما يمس القلب لدفع الشعوب العربية نحو التطبيع"
ومن البحرين شاركت عهدية أحمد السيد، وهي رئيسة جمعية الصحافيين، مؤكدة أنها سعيدة بوجود العديد من مقالات الرأي في الصحافة المحلية ترحب بعزم المنامة تطبيع العلاقات مع إسرائيل.
واشتكت هي أيضاً من الأصوات التي لا تعارض السلام مع إسرائيل فحسب، بل تهاجم أيضاً الصحافيين الذين يدعمون التطبيع.
وقالت الصحافية البحرينية: "التحريض ضدنا ليس أقل ضرراً من الحروب بين الدول العربية وإسرائيل نفسها".
ومن السعودية، ألقت نجاة السعيد، وهي خبيرة في علوم الاتصال والإعلام، كلمة أكدت فيها أن "دور الصحافيين حالياً في خلق جو من السلام أكبر من أي وقت مضى".
وقالت السعيد: "يجب استخدام الدراما والكوميديا والأفلام الوثائقية وكل الأشياء التي تمس القلب، بالإضافة إلى الصحافة التقليدية ووسائل التواصل الاجتماعي، للتأثير على شعوبهم" للتطبيع مع إسرائيل.
ومن السودان كان هناك مشارك واحد هو نور عبد الله جادين الذي أكد على دور الإعلام في "إعداد المجتمع للسلام"، ولم يكمل كلمته بسبب سوء خدمة الإنترنت كما قال.
وكانت لافتة كذلك مشاركة الصحافي والناشط الجزائري سامي باعزيز، والذي قالت "جيروزالم بوست" إنه خاطر بتعرضه لملاحقة جنائية لأن التعامل مع الإسرائيليين لا يزال محظوراً في بلاده.
وشارك الصحافي المصري مصطفى الدسوقي الذي أشاد بمشاركة وشجاعة زملائه من الجزائر والسودان في "تحدي قوانين بلادهم ليُظهروا للعالم بأسره أن العالم العربي ليس مكوناً من أناس عنيفين فحسب، بل يوجد أيضاً شبان سودانيون وجزائريون يريدون السلام".
اتحاد الاذاعات يجرم لقاءات التطبيع الاعلامية
في ذات السياق استنكر اتحاد الإذاعات والتلفزيونات الإسلامية وأدان بشدة لقاء التطبيع الإعلامي الذي جرى عبر برنامج زووم وشارك فيه صحفيين عرب من مصر والسعودية والسودان والجزائر والبحرين مع مسؤولين إسرائيليين ومنهم وزير التعاون الإقليمي الإسرائيلي "أوفير أكونيس" و مسؤولين إسرائيليين أخرين.
وأكد اتحاد الاذاعات في بيان صحفي تلقت "دار الحياة" نسخة عنه أن هذا السقوط الأخلاقي والوطني والمهني من قبلة حفنة من الصحفيين لا يمثل غالبية الصحفيين العرب الذين يرفضون التطبيع ويعتبرونه جريمة وخيانة للقضية الفلسطينية التي تتعرض للتهويد والاستيطان والمجازر المستمرة من قبل الاحتلال الذي يغتصب الأرض الفلسطينية منذ اثنين وسبعين عاماً.
واعتبر اتحاد الإذاعات والتلفزيونات الإسلامية اللقاء التطبيعي طعنة جديدة في خاصرة القضية الفلسطينية ويؤكد رفضه لكل أشكال التطبيع.
وأشاد الاتحاد بالمواقف الصحفية العربية الرافضة للتطبيع مع "إسرائيل" كما يشيد بمواقف النقابات العربية التي أكدت رفضها لكل أشكال التطبيع مع الاحتلال الغاصب معتبرا أن الانحطاط الأخلاقي من قبل بعض الصحفيين العرب بالإصرار على لقاءات التطبيع لا يعبر عن مواقف الشعوب العربية التي ترفض الكيان الغاصب للأرض الفلسطينية والعربية.
ودعا اتحاد الاذاعات إلى وضع قوائم سوداء "قوائم العار" لمن يقومون بالتطبيع الثقافي والإعلامي من الصحفيين لاسيما وهم يخالفون موقف اتحاد الصحفيين العرب الذي يؤكد في كل مرة رفضه وإدانته لكل أشكال التطبيع مع الاحتلال .
وختم بيانه بالقول :" إن لقاءات التطبيع لن تجعل مع الاحتلال كيانا طبيعيا في المنطقة وسيظل الاحتلال كيان طارئ مغتصب للأرض الفلسطينية وحتما إلى زوال" .