كشف استطلاع نشره "معهد بروكينغز للأبحاث" في العاصمة الأمريكية واشنطن ، أن هناك انقسام واضح بين الأميركيين تجاه حركة مقاطعة إسرائيل (BDS) وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات عليها ، إذ أظهرت النتائج أنَّ "49 % من المستطلعين أفادوا بأنهم يعارضون BDS بغض النظر عن الكيفية التي تُعرّف بها الحركة نفسها .
وأظهرت نتائج الاستطلاع المفصل الذي نظمه الباحث الأكبر في "معهد بروكينغز للأبحاث" الأستاذ بجامعة ميريلاند البرفسورشبلي تلحمي (الفلسطيني الأصل) إلى أنَّ غالبية كبيرة من الديمقراطيين (80%) والجمهوريين (62%) والمستقلين (76%) يعارضون سن قوانين تقيد حق المقاطعة، كون ذلك ينتهك الحق الدستوري في حرية التعبير والاحتجاج السلمي.
ويقول تلحمي في استطلاعه الذي نشر يوم الجمعة الماضي / 10 يناير كانون الثاني الجاري : بالرغم من إنشغال الأميركيين بقضية عزل الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وبمجموعة كبيرة من التطورات الإخبارية الحامية الأخرى مثل إيران والعراق، إلا أن مسألة السياسة الأميركية تجاه إسرائيل ظلت طافية على السطح " لم تتفادى الجدل الوطني الأميركي في الآونة الأخيرة".
الأمريكيون والأسئلة الصعبة.. ماذا تغيَّر؟
ويشير تلحمي إلى أن القرار التنفيذي الذي وقعه ترامب يوم 11 كانون الأول 2019 الماضي بشأن محاربة معاداة السامية، والذي اعتبره البعض محاولة لتقييد حرية التعبير التي تنتقد إسرائيل وسياسة الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، والذي جاء بعد قرار أصدره مجلس النواب في يوليو تموز الماضي، والذي تناول مباشرة حركة مقاطعة إسرائيل BDS، الأمر الذي جعل من موضوع المقاطعة مسألة اهتمام لدى الأميركيين وقضية بحث بينهم ، أكثرمما كان متوقعا.
وأظهر الاستطلاع أن التغيير الأكثر أهمية هو ما حدث عبر السنوات العشر الماضية (ويحدث حاليا) في المواقف الأميركية العامة تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وهو زيادة الاستقطاب (والانشقاق) الحزبي بين الديمقراطيين والجمهوريين في مسألة التأييد غير المشروط لإسرائيل.
ويقول تلحمي : خلال السنوات الثلاثين الماضية التي قضيتها في إجراء استطلاعات للرأي العام حول هذه المسألة، كانت النتيجة دائمًا هي أن غالبية الأميركيين، أي حوالي ثلثيهم ، أرادوا ألا تتخذ الولايات المتحدة أي جانب من النزاع الإسرائيلي الفلسطيني ، لافتا إلى أن هذا الأمر لم يتغير كثيرا. موضحا أن ما تغير على مدار العقد الماضي هو أن الجمهوريين (واليمين المحافظ) ازدادوا تأييدا لإسرائيل ويعبرون بدرجات أعلى عن ضرورة أن تأخذ الولايات المتحدة الجانب الإسرائيلي بدلاً من الحياد .
ويتابع : على النقيض من ذلك، تزايد عدد الداعمين من الديمقراطيين (أكثر من 80% مؤخرًا) الذين يطالبون بضرورة أن تتخذ الولايات المتحدة موقف الحياد من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فيما عبرت شرائح متساوية في الحزب ضرورة عدم دعم طرف على حساب الآخر".
ويزيد تلحمي : عندما بدأت في مراقبة هذه الاتجاهات خلال إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، لاحظت أيضًا أن الفجوة بين الديمقراطيين المنتخبين ودوائرهم الانتخابية حول هذه القضية آخذة في الازدياد، مع تزايد انتقاد الناخبين لإسرائيل أكثر من السياسيين الذين يمثلونهم".
الأمريكيون وحركة BDS
ويشير الباحث (تلحمي) إلى المجالات التي شهد فيها زيادة الاستقطاب واتساع الفجوة (بين الناخبين الديمقراطيين والذين يمثلونهم) الاستعداد لدى القواعد الانتخابية للعمل ضد سياسة الاستيطان الإسرائيلية في الضفة الغربية، خاصة أنه ومنذ بضع سنوات وحتى الآن، أظهرت استطلاعات الرأي أن غالبية الديمقراطيين يريدون اتخاذ إجراءات ضد المستوطنات الإسرائيلية، بما في ذلك فرض العقوبات، في حين أن الجمهوريين والمستقلين على النقيض تماما ، لايريدون ذلك ، لافتا إلى أنه لم يستخدم حركة مقاطعة إسرائيل BDS كمسألة للاستفسار بشأنها، كونها لم تكن موجودة أو لم تكن تحظى بعد باهتمام الاميركيين، ولكن اليوم الأمر اختلف تماما بعد أن اتخذ عدد من أعضاء الكونغرس بشقيه النواب والشيوخ (خاصة من الحزب الجمهوري) و بدفع من منظمات اللوبي الإسرائيلي إلى سن قوانين تحرم مقاطعة إسرائيل أو حتى تجرمها ، لافتا إلى أن قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التنفيذي والذي اتخذه بهذا الخصوص - في الثاني عشر من شهر تشرين الثاني نوفمبر الماضي- جعل قضية المقاطعة في صلب الجدل الدائر حول الصراع الفلسطيني الإسرائيلي .
وقال تلحمي : أضفنا في شهر تشرين أول نوفمبر الماضي، لاستطلاع القضايا الحرجة في جامعة ميريلاند أسئلة حول حركة BDS ، بدءاً من سؤال اختبار لتحديد مدى سماع المستجيبين للحركة على شاكلة " هل سمعت عن BDS، أو المقاطعة، وسحب الاستثمارات، وعقوبات تستهدف إسرائيل؟" حيث أجاب ما يقرب من نصف المجيبين (49%) بأنهم سمعوا عن BDS بينما قال غالبية المشاركين، بما في ذلك غالبية كبيرة من الجمهوريين، بأنهم يعارضون الحركة (..) لكن الأمر كان مختلف بين الديمقراطيين، حيث قال بعضهم بأنهم سمعوا "قليلاً" عن الحركة ولديهم فكرة عنها، فيما أظهر عدد كبير منهم 48% بأنهم يؤيدون الحركة، ولكن 15% (من الديمقراطيين) فقط يعارضونها.
يشار إلى أن الذين قالوا بأنهم سمعوا "قليلاً" حول BDS وهم على الأرجح أقل إطلاعًا على الحركة من أولئك الذين قالوا إنهم سمعوا "بقدر جيد" أو "كثيرًا" ، حيث وجد الاستطلاع أن غالبية المستجيبين المطلعين بشكل أفضل من الديمقراطيين الذين قالوا إنهم سمعوا "جيدا" أو "كثيرا" عن BDS أيدوها بنسبة عالية (66%) مقارنة بـ 37% من المؤيدين الذين قالوا إنهم سمعوا "قليلاً" عنها.
وطرح على الذين تم استطلاعهم "حجتين نموذجيتين" من الخطاب العام لصالح وضد حركة BDS للتحقق حول مدى موافقتهم أو عدم موافقتهم حيث وبشكل عام ، قال تلحمي : 36% من المستطلعين يتفقون مع الحُجة القائلة بأن BDS هي وسيلة شرعية وسلمية لمعارضة الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وانها مستوحاة من حركة مناهضة الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، وأن حركة المقاطعة تحث على اتخاذ إجراءات للضغط على إسرائيل للامتثال للقانون الدولي. وأن معارضة السياسة الإسرائيلية لا تساوي معاداة السامية فيما عارضها 43% بين الجمهوريين.
ويوضح تلحمي الى أن"49 % من المستطلعين أفادوا بأنهم يعارضون BDS بغض النظر عن الكيفية التي تُعرّف بها الحركة نفسها، فهي منظمة معادية لإسرائيل تحاول إضعاف إسرائيل وتقويض شرعيتها، وبعض مؤيديها معارضون لوجود إسرائيل ذاته وقد يكونوا معادين للسامية.
ويشير إلى أنه بعد إعطاء المستطلعين الفرصة لتقييم كل حجة بشكل مستقل ، سُئلوا بعد ذلك أي حجة يؤيدون، حيث اتضح تماما الانفصام الحزبي، حيث قال 77% من الديمقراطيين بأن حجة دعم BDS أقرب إلى وجهة نظرهم فيما عارضها 85% من الجمهوريين.
ويقول تلحمي: "بصرف النظر عن الأسئلة الخاصة بحركة BDS ، فقد تم تقديم سؤال لجميع المستطلعين بشأن سن قوانين وتشريعات تحد من حق الناس في مقاطعة إسرائيل، ويبدو أن المشاركين يتجاوزون الفجوة العامة فيما بينهم ، بغض النظر عن وجهات نظرهم بشأن BDS أو مقاطعتهم لإسرائيل على نطاق واسع ، لافتا إلى أن غالبية الديمقراطيين (80%) والجمهوريين (62%) والمستقلين (76%) يعارضون سن قوانين تقيد حق المقاطعة، كون ذلك ينتهك الحق الدستوري في حرية التعبير والاحتجاج السلمي .
الجمهوريون والديمقراطيون.. و"إسرائيل"
وعلى صعيد الانتخابات ومدى إنعكاس ذلك الأمر عليها ، يوضح تلحمي إلى أن الغالبية العظمى للجمهوريين يؤيدون إسرائيل بغض النظر عما تمارسه من انتهاكات للقانون الدولي أو لحقوق الإنسان الفلسطيني، مشيرا إلى الأسئلة الحرجة التي وجهت للمرشحين الديمقراطيين لانتخابات الرئاسة ، مثل ربط المساعدات لإسرائيل بسياستها تجاه الفلسطينيين، مما أقحم هذه المسألة (BDS) في صلب النقاش، دفع مرشحين بارزين على الأقل مثل" بيرني ساندرز وإليزابث وورن" للقول بأنه في حال انتخابهما فإنهما سيستخدمان المساعدات الأميركية لإسرائيل كوسيلة لضمان التزام إسرائيل بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان.