في جميع بقاع الأرض يستقبل المسلمون أول أيام شهر رمضان غدًا الاثنين، فيما يحل الشهر الكريم على دول أخرى بعد غد الثلاثاء، إلا أنه يبدو أن الفلسطينيين في قطاع غزة سيستقبلون شهر الصيام هذا العام وسط أجواء مغايرة عن باقية العالم الإسلامي.
ووسط غياب مظاهر استقبال الشهر الفضيل في القطاع المحاصر بآلة جيش الاحتلال الإسرائيلي القاتلة منذ أكثر من خمسة أشهر، سيعيش الفلسطينيون في غزة على ما يبدو جوعًا طويلًا وصيامًا بلا إفطار، في ظل غياب أدنى مقومات الحياة.
وفي ضوء ما يشهده القطاع المنكوب، حذرت الأمم المتحدة من مجاعة "شبه حتمية" تهدد 2.2 مليون من أصل 2.4 مليون شخص، عدد سكان قطاع غزة، الذي تصل إليه مساعدات شحيحة جدًا مقارنة بالاحتياجات الهائلة، الأمر الذي دفع بعض الدول إلى إلقاء مساعدات إنسانية من الجو في ظل الحصار الإسرائيلي ومنع دخول المساعدات إلى السكان.
ويواجه 90% من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و23 شهرًا والنساء الحوامل والمرضعات، في ربوع غزة، فقرًا غذائيًا حادًا، وفقًا لتقرير صدر قبل أسبوعين عن مجموعة التغذية العالمية، وهي شبكة من المنظمات غير الحكومية المعنية بالتغذية وتقودها "يونيسف".
إذ قالت المجموعة إن ما لا يقل عن 90 بالمئة من الأطفال دون سن الخامسة مصابون بواحد أو أكثر من الأمراض المعدية.
من جانبها، أعلنت لجنة الإغاثة الدولية - في بيان، الأسبوع الماضي - أن "الاستخدام المتعمد لتجويع المدنيين كوسيلة من وسائل الحرب من خلال حرمانهم من الأشياء التي لا غنى عنها لبقائهم على قيد الحياة، بما في ذلك تعمد إعاقة إمدادات الإغاثة على النحو المنصوص عليه في اتفاقيات جنيف، يعد جريمة حرب".
في المقابل، دعا مسؤولون إسرائيليون، مثل وزير الدفاع يوآف غالانت، علنًا منذ بداية الحرب إلى فرض "حصار كامل" لحرمان الفلسطينيين من الغذاء والوقود والماء.
وفي ظل المعاناة الغذائية، فإن الفلسطينيين في غزة يستقبلون رمضان هذا العام بصوم بلا إفطار.
(الصبار والحشائش ملاذ الغزيين)
وفي ظل الحصار المفروض، أفادت صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية، بأن نحو 300 ألف شخص في شمال قطاع غزة، يواجهون أخطار المجاعة بشكل متزايد.
ولفتت الصحيفة البريطانية، في تقرير لها، إلى أن معظم العائلات هناك باتوا يعتمدون على علف الحيوانات والحشائش والصبار لسد القليل من رمق أطفالها.
ووفقًا للتقرير، قال المحامي إبراهيم الخرابيشي الذي يقطن في مدينة جباليا، إنه مع نفاد البضائع من المتاجر، وندرة وصول المساعدات الإنسانية إلى شمالي القطاع، فإن العلف، وهو عبارة عن مزيج من حبوب رديئة من القمح والشعير والذرة، منح بعض الطعام المقبول لأطفال تلك العائلة.
ويعتبر الخرابيشي نفسه محظوظًا بسبب تمكنه من إعداد بعض الخبز لعائلته الجائعة باستخدام علف طيور الحمام، وذلك في الأسابيع الأولى من الحرب.
إلا أن الحصول حتى على العلف أضحى حلم صعب التحقيق، مع تواصل المعارك والقصف منذ أكثر من 5 أشهر، إذ يواضح الخرابيشي أن "علف الحمام اختفى من السوق منذ أسابيع، وبالتالي لم يعد أمامه سوى صنع الخبر من قشور فول الصويا المطحون، الذي يستخدم عادةً كعلف للماشية".
وأضاف: "لكن النتيجة كانت خبزًا يابسًا يكسر الأسنان، رفض الأطفال تناوله.. من الصعب على الأب أن يسمع بكاء صغاره وهم يطلبون بعض الطعام".
وتابع الرجل أنه يدرب أطفاله على تناول كميات أقل "حتى تنكمش بطونهم"، لافتًا إلى أن أبناءه جنى (10 سنوات) وقصي (7 سنوات) وعدي (4 سنوات) فقدوا جميعهم بعض الوزن.
ونوه كذلك بأن زوجته الحامل "لم تحصل سوى على القليل من الطعام، لدرجة أنها ليس لديها طاقة وبالكاد تستطيع المشي".
وبحسب الخرابيشي، كانت الأسرة تعيش على نظام غذائي يتكون من القهوة سريعة التحضير في وجبة الإفطار، لأنها "تشبع الأطفال".
وفي وقت لاحق من اليوم، يتناولون أعشابًا مسلوقة "إن وجدت"، أو الحساء المصنوع من مكعبات المرقة.
وأردف قائلًا: "لم يكن هناك سكر وطعام معلب منذ 3 أشهر.. وبدلاً من الملح، نستخدم صودا الخبز لتتبيل الطعام. ولا يزال بإمكانك العثور على معجون الطماطم وبعض الناس يأكلونه مع مكعبات المرقة".
وقصف جيش الاحتلال الإسرائيلي بشكل منهجي شمالي القطاع قبل أن يتوجه جنوبًا، تاركًا وراءه أرضًا مدمرة، معزولة عن بقية القطاع بواسطة نقاط التفتيش، مما أدى إلى قلة وصول المساعدات إلى الشمال.
وفي السياق، أكدت الأمم المتحدة، أن الجيش الإسرائيلي "يمنع في أغلب الأحيان" شاحنات المساعدات التابعة لها من الوصول.
فيما أشارت "فاينانشال تايمز" إلى أن "الشرطة الفلسطينية ترفض تأمين القوافل من اللصوص، لأن الغارات الجوية الإسرائيلية استهدفت زملاءهم باعتبارهم من بقايا سلطة حركة حماس".
ووفقًا للأمم المتحدة، لم تتمكن سوى 6 قوافل مساعدات من إيصال المساعدات إلى شمالي غزة خلال فبراير بأكمله، حيث تم تداول صور لأطفال هزيلين على أسرة المستشفيات، عبر منصات التواصل الاجتماعي، في الأيام الأخيرة.
من جانبها، أعلنت وزارة الصحة في غزة، أن 18 شخصًا توفوا حتى الآن بسبب الجوع في أنحاء القطاع.
فيما أفادت التقارير، بأنه في مستشفى كمال عدوان في الشمال، "ما لا يقل عن 10 أطفال ماتوا جوعًا"، إذ قال الطبيب، حسام أبو صفية، لصحيفة "فاينانشال تايمز": "أعمار الأطفال تراوحت بين 25 يومًا و8 سنوات".
وتابع: "لم يكن لدى عائلاتهم ما يكفي من الطعام أو الحليب.. لقد وصلوا وهم في حالة متقدمة من الجفاف وسوء التغذية، لذا فقدناهم بكل أسف".
غير أن برنامج الغذاء العالمي حاول الوصول إلى الشمال دون نجاح يذكر، فقد أعاد الجيش الإسرائيلي قافلة مكونة من 14 شاحنة الأسبوع الماضي، بعد انتظار دام 3 ساعات عند حاجز وادي غزة.
وأعلن برنامج الأغذية العالمي، أن الشاحنات التي تم تغيير مسارها، أوقفت في وقت لاحق من قبل "حشد من الأشخاص اليائسين الذين نهبوا الطعام وأخذوا حوالي 200 طن".
ويواصل جيش الاحتلال عدوانه على قطاع غزة برًا وجوًا وبحرًا، ما أسفر عن استشهاد أكثر من 30 ألف فلسطيني 70 % منهم من الأطفال والنساء، وفقًا لآخر حصيلة أعلنتها وزارة الصحة في غزة.
وتفرض إسرائيل حصارًا شاملاً على القطاع ومنعت إمدادات الغذاء والماء والوقود وغيرها من الاحتياجات الإنسانية عن أكثر من 2.3 مليون شخص هم إجمالي سكان القطاع.
وبفعل حربها البربرية على القطاع، تواجه إسرائيل ضغوطًا متزايدة من حلفائها الغربيين لوقف الهجوم العسكري في غزة الذي أدى إلى تدمير جزء كبير من القطاع الساحلي المكتظ بالسكان.