تكافح الصيادة مادلين كُلاب، بكل قوتها ومنذُ سنوات عدة من اجل كسب قوت أسرتها الصغيرة، وبين قمع الاحتلال وشقاء الحصار من جهة، وواقع اقتصادي ومعيشي صعب ومرير من جهة أخرى، تزاول صاحبة الـ 28 عامًا، مهنة صيد الأسماك في بحر قطاع غزة.
توارثت مادلين مهارة صيد الأسماك، من والدها الذي عمل صيادًا طيلة سنوات حياته، لكن ظروفه الصحية الخطيرة أجبرته على التوقف عن العمل وبات قعيدًا في منزله، مما دفعها للخروج بدلاً عنه والانخراط في مهنة الصيد، مصدر رزقهم الوحيد، من أجل مساندة أسرتها، والتغلب على المصاعب الاقتصادية التي تواجهها.
اقرأ ايضا: من "ريفيرا الشرق" إلى "منطقة الحرية".. عيون ترامب مازالت ترمق "غزة الجريحة"
وتقول مادلين كُلاب - في حديثها لـ"حياة واشنطن" - : إن مشوارها في مهنة الصيد بدأ منذ طفولتها عندما كانت في السادسة من عمرها وكان والدها يصطحبها معه، مضيفة: "كنت أصطاد الأسماك في بحر السودانية - شمال قطاع غزة - على قارب بسيط يجره مجداف، ثم انتقلت عائلتي إلى السكن في مدينة غزة، وبتُ الآن أعمل في الميناء البحري".
وبابتسامة يملؤها الرضا ممزوجة بالشقاء، واصلت الصيادة مادلين، حديثها بأنها زوجة وأم لطفلين، وزوجها يعمل في الصيد أيضًا، وهي تساعده، في جميع أعمال الصيد، سواء داخل البحر، أو في البر، حيث تعرض ما تصطاده من أسماك من اجل بيعها للمارة في المنطقة المخُصصة للصيد قرب الميناء.
مادلين تعمل يوميًا في البحر لعدة ساعات على قارب قدمته لها مؤسسة خيرية، ولفتت إلى أن "أخويها كانا يساعداها في العمل، لكن أحداهما استشهد وهو كريم، برصاص جيش الاحتلال الإسرائيلي، أثناء مشاركته في مسيرات العودة شرقي مدينة غزة عام 2018".
وتابعت: "مهنة الصيد تحتاج إلى بنية جسدية قوية من أجل الصمود في العمل، واعتبرها هواية، وأنا أكافح في هوايتي، لأنها مصدر الرزق الوحيد"، قائلة: "ليس لدينا خيار آخر، ولا حد يساعدنا".
وتعتبر مادلين أن الاحتلال الإسرائيلي هو التحدي الأكبر والأخطر الذي يواجهها على الإطلاق، مشيرة إلى أن قواته، صادرت قاربها في عام 2016.
وبنبرة ساخطة قالت مادلين: "الاحتلال يحاربنا في لقمة عيشنا (..) وحياتنا أيضًا مهددة (..) زوارقهم تستهدف الصيادين وتطلق نيرانها بشكل عشوائي، بالرغم من حرصنا على عدم الصيد في مسافات بعيدة".
وأوضحت أن زوارق قوات الاحتلال صادرت قاربها، مصدر رزقها الوحيد، فاضطرت إلى اللجوء للبنوك من اجل الحصول على قرض ميسر، الأمر الذي كان يشكل تحديًا كبيرًا لها.
وبعد جهد وعناء تمكنت مادلين من الحصول على قرض مسترد بقيمة 15 ألف دولار، لشراء قارب وماكينة جديدتين، بدلاً من القارب الذي صادرته قوات الاحتلال.
وتوضح الصيادة الشابة: أن عملها، يتطلب منها جهدًا عضليًا ونفسيًا كبيرين، غير أنها واجهت صعوبات جمة في بداياتها، ولكنها تغلبت عليها وتجاوزتها بالإصرار والإرادة.
"لم يعتاد المجتمع الفلسطيني وبالتحديد في غزة على عمل فتيات في مهنة الصيد"، هكذا لفتت مادلين إلى معاناة أخرى تواجهها، قائلة: "على سبيل المثال، ينظر المجتمع باستغراب للمرأة التي تمتهن هذه المهنة (..) ففي باديء الأمر، عندما نزلت إلى العمل في البحر كنت أشعر بنظرات استنكار من المجتمع المحيط بي، الذي أبدى دهشته من رؤية صيادة تعمل وسط البحر".
وتتابع: "واجهت نظرات غريبة ممن حولي، وبالأخص عند رؤيتهم لي أثناء عملي في البحر، ولكنها تلاشت ، وبات الأمر الآن عندهم عاديًا".
وترى الصيادة مادلين، أنه بالرغم من كم هذه التحديات التي واجهتها سواء بسبب المجتمع أو مخاطر المهنة جراء تقلبات الطقس، إلا أن تهديدات قوات الاحتلال وملاحقاتهم للصيادين تظل هي الخطر الأكبر الذي تواجهه هي وكافة الصيادين في غزة.
وأوضحت أن سلطات الاحتلال لا تسمح بالصيد لمسافات بعيدة ورغم التزام الصيادين بالمسافة التي حددها الاحتلال، إلا أن الصيد في بحر غزة غير آمن، لافتة إلى أن إسرائيل لاتسمح بإدخال المواد التي يحتاجها الصيادون إلى قطاع غزة وكذلك المعدات التي تستخدم في صناعة مراكب الصيد وأيضا والأدوات التي تُمكن الصيادين من العمل بأريحيه
كذلك تمنع إدخال مواد لازمة على القطاع، تستخدم في إنشاء مراكب الصيد، وأيضًا معدات أخرى، تساعد الصيادين في العمل بأريحية، قائلة: "بالرغم من ذلك، الأرزاق على الله ونحن نؤمن بأنه لن يصيبنا إلا ما كتبه الله لنا".
الجدير ذكره، أن مركز الميزان لحقوق الإنسان أعلن، في تقرير له أصدره العام الماضي، أنه وثَّق أشكال مختلفة من الانتهاكات الإسرائيلية تجاه الصيد في قطاع غزة، الذي يعد أحد مصادر الاقتصاد الفلسطيني، بواقع (474) انتهاكًا بحق الصيادين العاملين، توزعت على عمليات إطلاق نار واعتقالات ومصادرة مركبات وإغراقها.
وبحسب إحصائيات سابقة للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فقد بلغ عدد الصيادين والعاملين في الحرف المرتبطة بالصيد للعام 2022 بغزة (5606) عاملاً، من بينهم (3606) صيادًا.