في الآونة الأخيرة، أُثير في مصر جدل واسع وموجة غضب، على خلفية قرار محافظة القاهرة بمخاطبة أسرة المقرئ الشهير الشيخ الراحل محمد رفعت وإبلاغها بنية السلطات إزالة المقبرة، تمهيدًا لإقامة محور صلاح سالم المروري.
وأرسلت المحافظة خطابًا لعائلة المقرئ الشهير تبلغهم فيه بأنه ووفقًا لقرارات الازالات التي تتم لصالح المنفعة العامة في جميع مناطق المقابر الواقعة ضمن نطاق أعمال محور صلاح سالم والتي تشتمل على مناطق مقابر السيدة نفيسة القديمة والجديدة والإمام الشافعي والطحاوية وسيدي جلال وباب الوزير والمجاورين وسيدي عمر، فإنه يجب تقديم أوراق رسمية مطلوبة لتوفير مدفن بديل والسماح للأسرة بنقل الرفات.
الخطاب أثار غضب المصريين إلى جانب عائلة الشيخ محمد رفعت، التي طالبت بتدخل الدولة لوقف القرار والحفاظ على رفات جدهم الراحل.
(استغاثة بالرئيس السيسي)
من جانبها، كشفت هناء حسين، حفيدة الشيخ محمد رفعت، تفاصيل قرار هدم المقبرة وتسليم رفاته لأسرته.
وعقبت هناء - خلال مداخلة هاتفية مع إحدى الفضائيات المصرية - قائلة إنها فوجئت بجواب وصل لابن عمها من محافظة القاهرة حول إزالة مقبرة الشيخ محمد رفعت ونقل الرفات على حسابهم الشخصي، موضحة: "أنها في حالة انهيار منذ ذلك الوقت".
وتساءلت: "هل رموز مصر يتعمل فيها كده؟"، مضيفة: "مدفن الشيخ رفعت يعد مزارًا".
وناشدت حفيدة الشيخ محمد رفعت، الرئيس عبد الفتاح السيسي، قائلة وهي تبكي: "بناشد الريس أنا عارفة أنت قد إيه إنسان مؤمن وقريب من ربنا وأكيد بتحب الشيخ رفعت.. وصلوا صوتي للريس.. يارب يستجيب لي وميوجعش قلبي على مدفن الشيخ رفعت".
(من هو محمد رفعت؟)
يذكر أن المقرئ الشهير والراحل محمد رفعت من مواليد القاهرة في 9 مايو 1882 حيث ولد في حي المغربلين غرب العاصمة، ويلقبه محبوه بـ "قيثارة السماء"، وكان أول من افتتح بث الإذاعة المصرية في العام 1934، أدخله والده بكُتّاب في منطقة السيدة زينب، وبدأ وهو في الرابعة عشرة من عمره يحيي بعض الليالي في القاهرة بترتيل القرآن الكريم، وبعدها صار يدعى لترتيل القرآن في المحافظات المصرية.
وتولى قراءة القرآن بمسجد فاضل باشا بحي السيدة زينب في العام 1918، وحرص الملك فاروق ملك مصر في ذلك الوقت ومصطفى النحاس رئيس الوزراء وكبار المسؤولين على سماعه دائمًا.
وارتبط صوت الشيخ محمد رفعت لدى المستمعين في العالم العربي بشهر رمضان الكريم، خاصة قبل وقت الإفطار ووقت السحور، حيث تحرص الإذاعة المصرية على بث تلاوته في تلك الأوقات وصار صوته مرتبطًا بها وتوفي في 9 مايو من العام 1950.
(الإمام ورش)
ومن الشيخ محمد رفعت، إلى صاحب الرواية الشهيرة في قراءة القرآن، عثمان بن سعيد بن عبد الله بن عمرو بن سليمان، ولقبه الإمام ورش، إذ تنوي السلطات المصرية كذلك إزالة قبور تراثية بينها مقبرة الإمام.
وتأتي تلك القرارات على خلفية بدء تنفيذ "المشاريع القومية" التي تنفذها الدولة في منطقة الإمام الشافعي، ويتضمنها إزالة المقبرة وإقامة طريق جديد.
وقال شهود عيان إنه تم وضع علامة على ضريح الإمام صاحب رواية "ورش عن نافع" الشهيرة، في مقابر الإمام الشافعي بالعاصمة القاهرة، مشيرين إلى احتمالية نقل ضريح الإمام الذي يعتبر من نوابغ مصر.
ونشر رواد مواقع التواصل الاجتماعي، صورًا للقبر، وعليه علامات تشير إلى التصريح بإزالته قريبًا، بعد أعمال هدم مماثلة تشمل قبورًا لشخصيات تاريخية في القاهرة.
وتصدرت موجة استهجان عبر مواقع التواصل في مصر، استنكارًا لإزالة القبر التاريخي، وكتب الباحث عبد الله الطحاوي تعقيبًا على قرار الإزالة: "لا استطيع أن أشرح للسلطة الحالية من هو الإمام ورش ولا قدْره ولا منزلته، ولا أعرف كيفية استنقاذه من قدَره السيئ الذي جعله يتخذ من تراب مصر عنوانًا له".
وأضاف: "لكني أقول لمدمني الكلام عن الهوية المصرية واللسان المصري العربي وطرائق التلاوة، إن هذا كله يلخصه الإمام ورش رحمه الله سيرة ومنهجًا".
وعارض آخرون قرار الهدم وقالوا إن السلطات تزيل التاريخ، بدلًا من أن يتحول هذا المكان إلي مزار للاعتبار وقراءة الفاتحة لروح الإمام صاحب القراءة وشيخ المحققين.
وولد الإمام أبو سعيد "ورش" في مصر سنة 110 هـ، وتلقى القرآن عن شيخه الإمام نافع بن عبد الرحمن الكناني، تلميذ الإمام مالك بن أنس في المدينة المنورة، وختم عليه قراءة القرآن عدة مرات، وهو من سماه "ورش".
يشار إلى أن محور صلاح سالم الذي تعمل الحكومة المصرية على تنفيذه وفق خطة تطوير الحركة المرورية في القاهرة الكبرى يهدف لتخفيف الزحام والتكدس المروري ويربط شرق وغرب القاهرة، كما يسهل حركة المواطنين في الوصول إلى القاهرة الجديدة بداية من كوبرى السيدة عائشة، وبشكل مواز لطريق صلاح سالم الذي يقع شرق القاهرة .