يبدأ المؤرخ والمفكر البارز محمد هاشم غوشة، زيارة إلى الولايات المتحدة بعد غد الاربعاء، حيث سيُلقي عددا من المحاضرات العلمية والاكاديمية في العديد من الجامعات والاكاديميات الأمريكية، سيُخصصها للتعريف بمشروعه الاكاديمي القادم عن فلسطين، والذي اعتبره، على أهمية وتميز ما كتب على مدى سنوات، أهم عمل في حياته من أجل التوثيق الاكاديمي لفلسطين.
"حياة واشنطن" حاورت غوشة للحديث عن زيارته للولايات المتحدة، ومشروعاته المستقبلية، وكتاباته الموسوعية عن القدس.
ومحمد هاشم غوشة مؤرخ ومفكر، انضم إلى موسوعة "غينيس" للأرقام القياسية، كأصغر مؤرخ في العالم عن كتابه "القدس الشامخة عبر التاريخ"، الذي كتبه في الخامسة عشرة من عمره، وهو صاحب موسوعة "بلستينكا"، وهي أول موسوعة تصدر باللغة الإنجليزية عن تاريخ فلسطين.
محمد هاشم غوشة بين أبرز الحاصلين على جائزة الملك فيصل
واهتم غوشة بالكتابة عن القدس وتراثها، وألف أكثر من 150 بحثا ودراسة عن المدينة المقدسة، إضافة إلى ٨٠ مجلدا عن فلسطين والقدس وثّق فيها المواضيع التاريخية والمعمارية والفكرية والتراثية للقدس.
من مؤلفات محمد هاشم غوشة
ووثق غوشة في كتابه "قبة الصخرة المشرفة" بشكل دقيق للقبة من الناحية المعمارية والزخرفية والهندسية، وصُنف الكتاب على أنه الأهم الذي يوثق لـ "قبة الصخرة"، وهو أيضا صاحب كتاب "المسجد الأقصى المبارك" الذي صدر في العام 2014، والذي يوثق المسجد ميدانيا ومعماريا وفوتوغرافيا.
أما موسوعة "بلستينكا"، التي تتضمن 24 مجلدا، وتحوي على حوالي 7000 صفحة، تعتبر أكبر عمل توثيقي مصور عن القدس وفلسطين، واستغرق غوشة 12 عاما من البحث والتوثيق، في كتابة هذه الموسوعة.
من موسوعة بلستينكا
وحصل محمد غوشة على جوائز عدة، منها "جائزة عبد المجيد شومان العالمية للقدس" و "جائزة البحث التراثي" في الكويت، ووسام جامعة السوربون الفرنسية، كما حصل على "جائزة الملك فيصل العالمية للدراسات الإسلامية" عام ٢٠٢٠، وجائزة منظمة العواصم والمدن الإسلامي.
وقال غوشة لـ "حياة واشنطن"، إنه سيبدأ جولته في الولايات المتحدة من واشنطن، وسيُلقي أولى محاضراته يوم الخميس في جامعة "جورجتاون" العريقة، وسيتبعها بسلسلة محاضرات في جامعات عدة، لافتا إلى أنه سيزور مكتبة الكونغرس الأمريكية والمتاحف، بغية الاطلاع على ما تحتضنه من "كنوز تاريخية وأثرية" لاستكمال بحوثه ودراساته الميدانية حول العالم.
وأوضح أن واشنطن تعتبر محطة مهمة جدا لأنها عاصمة الولايات المتحدة التي تحتضن كبرى المكتبات ودور الوثائق ومراكز الدراسات حول العالم، معربا عن تطلعه لاكتشاف كل ما تحتضنه هذه المؤسسات من "كنوز ونفائس".
وأضاف أنه بعد واشنطن سينطلق باتجاه "هيوستن" في تكساس، ليُلقي محاضرة هناك عن مشروعه المستقبلي، ومنها إلى نيويورك في منتصف مايو الجاري، إذ سيحضر إحياء ذكرى النكبة من مقر الأمم المتحدة، التي تقيم هذا العام للمرة الأولى، فعالية خاصة لإحياء تلك الذكرى الأليمة، ومن بعدها سينتقل غوشة إلى شيكاغو، لإلقاء محاضرة أمام تجمع عربي كبير في البيت الفلسطيني، قبل التوجه إلى ولاية "نورث كارولينا" لإلقاء محاضرة فيها، ومن بعدها إلى مدينة سانتياغو في كاليفورنيا، ليجوب بمشروعه شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، للتعريف به في الولايات المتحدة الأمريكية.
وأكد غوشة أنه "باحث ومفكر أكاديمي" في الأساس، ولا يتعاطى بالسياسة، لافتا إلى أن رحلته المقررة إلى الولايات المتحدة، لا علاقة لها بأي بعد سياسي، ولكنها رحلة اكاديمية ثقافية علمية بهدف البحث العلمي فقط والاطلاع على الارشيفات المتاحة الموجودة في الولايات المتحدة، والمواد المتاحة في المكتبات الأمريكية، وأيضا إلقاء بعض المحاضرات الاكاديمية المتعلقة بالتاريخ والثقافة.
وقال غوشة: "اعتقد أنه لا يكاد يوجد أرشيف مهم أو مكتبة مهمة في العالم لم أتمكن من زيارتها أو على الأقل لم اتواصل معها، وفي هذا السياق تأتي زيارتي إلى الولايات المتحدة الأمريكية لاستكمال رحلة البحث العلمي من أجل مزيد من المعرفة وللاطلاع على ما تحتضنه من كنوز"، مضيفا أنه على تواصل عن بعد مع عدد كبير من الاكاديميين الموجودين في الولايات المتحدة ومع عدد من المؤسسات الجامعية والمكتبات الجامعية والارشيفات، لافتا إلى أن زيارته إلى الولايات المتحدة تُمثل فرصة ثمينة لكي يقف عن قرب على ما يمكن أن يستفيد منه من هذه الأرشيفات.
وأوضح غوشة أن تواصله مع المؤسسات دائما ما يكون من أجل الحصول على وثيقة، أو صورة طبق الأصل من وثيقة ما، إذ بدأ حياته مبكرا مع التوثيق عن مدينة القدس، لذا حصل على لقب أصغر مؤرخ في العالم، في عمر الخامسة عشر عاما، في مشوار متفرد في هذا المجال.
وقال غوشة: "أحاول دائما أن أعمل منفردا، واعتقد أن العمل المنفرد يتيح لي مجال أوسع للتحرك والتفكير والإبداع، وسبب نجاحي في الأعمال التوثيقية، هو عدم وجود شروط مسبقة تُمليها المؤسسات أو حتى تقاسمها معي الأفكار أو الجهد"، لافتا إلى أن "العمل الاكاديمي المنفرد يسمح للباحث أن يُبدع، لأن القرار يكون قرارا نابعا عن فكر متعمق ودراسة مستفيضة لمنهجية البحث"، لذا يُفضل غوشة أن يعمل منفردا وأن يتعاون مع المؤسسات الاكاديمية الأخرى ليس في إطار انتاج البحث، إنما في إطار تبادل المعرفة والمعلومات.
واعتبر غوشة أن "فلسطين قضية انسانية بامتياز"، قائلا: "واجب علي كمؤرخ وموثق أن أنقل للأجيال القادمة صورة القدس وصورة فلسطين بذاكرتها التي أسعى لأن أبقيها موجودة، لأنه للأسف لم يبق من فلسطين تاريخيا سوى هذه الذاكرة، التي نحتاج إلى تعزيزها وأن ننفض الغبار عنها، وننقلها إلى الأجيال القادمة كي تعيش في ضميرنا"، مضيفا: "اليوم الذي سيعود فيه شعب فلسطين إليها يجب أن يعود ومعه ذاكرة متجذرة في الأرض، لأن فلسطين بذاكرتها هي واحدة من أهم البلدان في العالم التي احتفظت برصيد كبير جدا من المعرفة ومن التوثيق ومن الذاكرة العالمية".
وأوضح أن فلسطين حاضرة على الساحة العالمية بشكل كبير جدا، وتكاد تكون من أكثر دول العالم التي استقطبت الباحثين والدارسين والمؤرخين والمفكرين والجغرافيين والرحالة الذين زاروها على مدار قرون وسنوات، ولذلك يجب علينا أن نُبقى على هذا التواصل مع الأجيال القادمة وأن نقدم لهم فلسطين بتاريخها وتراثها وإرثها الحضاري والفكري والمعماري والديني وغيره.
ولفت غوشة إلى أن هناك عددا كبيرا من الصعوبات واجهته وما زالت تؤرقه، إذ يحمل على عاتقه مشروع أكبر من امكانياته الخاصة، مؤكدا أن موسوعة "بلستينيكا" التي خرجت الى النور، في 24 مجلدا تضم 7000 صفحة، هي بمثابة مشروع دولي وليس فرديا، وأوضح أن الموسوعة استغرقت حوالي 10 سنوات من الجمع والبحث والسفر والتفكير، لتخرج إلى النور كعمل هائل وكبير جدا يحتاج الباحث أن يتصفحه لشهرين أو ثلاثة أشهر حتى يتمعن في كل صفحة أمامه.
موسوعة "بلستينكا"
وقال غوشة إنه بدأ مشوارا جديدا مع فلسطين ومدينة القدس، وفي العام 2011 نشر موسوعة بعنوان "ذاكرة القدس" في خمسة مجلدات كانت بمثابة التاريخ المصور للقدس، وتضمنت مجموعة مذهلة وبديعة جدا من الارشيفات التاريخية التي سبقت العام 1967 وتتحدث عن القدس بشكل خاص، معربا عن اعتقاده بأن هذه الموسوعة ضمت على الأقل 9000 صورة غير مسبوقة وغير منشورة في حينه عن مدينة القدس، وهذا كان بحد ذاته إبداعا.
وأشار إلى أنه في العام 2012 انتهى من نشر كتاب كبير جدا عن "قبة الصخرة المشرفة"، وقد وصف هذا الكتاب بأنه أهم عمل اكاديمي معماري وتاريخي وتوثيقي عن قبة الصخرة المشرفة، لأنه رفع مبنى القبة على الطبيعة معماريا وفوتوغرافيا وتوثيقيا، لافتا إلى أن حجم الصفحة في هذا الكتاب وصلت إلى نحو نصف متر تقريبا، حيث قمت بتوثيق كل الواجهات القاشانية والفسيفسائية والرخامية والأعمدة والنقوش والتيجان والزخارف الرخامية وبشكل غير مسبوق ولأول مرة بالتاريخ.
وفي عام 2014 تمكن غوشة من طباعة كتاب "المسجد الأقصى المبارك"، لافتا إلى أنه أضخم توثيق أكاديمي للحرم القدسي الشريف، يقع في حوالي تسعمائة صفحة من القطع الكبير، وقال: "قمت في هذا العمل بإعداد رفع معماري اكاديمي وتاريخي للمسجد الأقصى المسقوف أو المصلى القبلي، والمصلى المرواني، ولقبة الصخرة، والأروقة والأبواب والقباب والمحاريب، ولكل أثر وحجر في داخل المسجد الاقصى المبارك، فكان توثيقا مذهلا وكبيرا وشاملا، ولأول مرة في التاريخ يخرج توثيق للمسجد بهذا النمط".
وفي العام 2019، خرج إلى النور موسوعة "بلستينيكا"، التي يرى غوشة أنها كانت نقطة تحول في حياته، إذ وصفت بأنها أهم عمل عن فلسطين في القرن الأخير، ونالت تقديرا كبيرا من عدد كبير من القادة والسياسيين حول العالم، من اليابان وحتى الولايات المتحدة، واقتنتها أكبر وأهم المكتبات ومراكز صنع القرار في العالم.
وأوضح المؤرخ محمد غوشة، أن موسوعة "بالستينيكا"، التي كُتبت باللغة الانجليزية، ضمت حوالي 30 ألف صورة ورسمة سبقت القرن العشرين، كما تضمنت وثائق لثلاثة آلاف عائلة في فلسطين ووثائق أوقاف العائلات الفلسطينية، التي كُشف عنها لأول مرة من خلال الموسوعة.
وأضاف غوشة، أن الموسوعة تضمنت ثبتًا موثقًا في ثمانية مجلدات للرحلات الغربية التي جاءت إلى فلسطين من القرن السادس عشر الميلادي وحتى مطلع القرن العشرين، كما تضمنت مجلدًا لتوثيق المقدسات المسيحية والاسلامية في فلسطين، فضلا عن المكتبات بأرشيفاتها الوثائقية والكتب والمخطوطات وأسماء ملاكها وأصحابها على مدار 400 عام، بالإضافة إلى مجلد لأختام الأجداد، وآخر عن الحرب العالمية الآولى في خضم الحرب العظمى الأولى في فلسطين، ومجلد عن الحياة اليومية في فلسطين، وآخر عن الحياة الاجتماعية في فلسطين، ومجلد وصف المدن والقرى والريف في فلسطين، وآخر يوثق العمران فيها، وقال غوشة" "نحن نتحدث عن عمل متكامل مصور يحكي تاريخ فلسطين على مدار 400 عام".
وأوضح أنه قبل ستة أشهر قام بطباعة ثلاثة مجلدات وصفت بأنها الأجمل بين الكتب التي طبعت عن القدس، وهي كتب: "القدس"، "كنوز المسجد الأقصى" و " قبة الصخرة المشرفة"، لافتا إلى أن أهميتهما تنبع من كونها تُعد أعمال استراتيجية عن القدس، فعلى سبيل المثال كتاب "قبة الصحراء"، هو اول عمل استراتيجي موثق للقدس، لأنه قام من خلاله برفع كامل المساحة الفسيفسائية لقبة الصخرة المشرفة التي هي أجمل أثر في العمارة الإسلامية وأقدم أثر ما زال قائما في الحضارة الإسلامية إلى اليوم.
ختم عثماني من كتاب "كنوز المسجد الأقصى المبارك
وقال غوشة، إنه أسس قبل عامين مؤسسة سماها "مؤسسة التراث العربي"، بهدف نشر الأعمال الاكاديمية التاريخية التوثيقية الجغرافية المعمارية المتعلقة بالقدس وفلسطين، لافتا إلى أن المؤسسة نجحت في إصدار عدد مهم من أعماله ولزملاء آخرين، موضحا أن مثل هذا الأمر بحاجة إلى دعم مؤسسات وأفراد، وأنه انهمك في عمل كبير يتطلع لأن يخرج ليرى النور قريبا، لكنه لا يستطيع أن ينفذه منفردا، إذ سيحتاج إلى دعم ومساندة لطباعته، إذ يُفترض أن يكون عمل دولة ومؤسسات وليس مؤسسة واحدة.
وأوضح أن هذا العمل أصبح الآن جاهزا لكي يُطبع، لافتا إلى أنه بدأ مشوارا لنشر العمل، لكنه الآن يقف في منتصف الطريق، وأضاف: "من هنا أتت جولاتي وزياراتي لكل مكان، حتى أحاول أن أجد من يقف إلى جانبي في هذا العمل لكي يخرج عن فلسطين وعن القدس وباسم فلسطين، ولأجل فلسطين والقدس والشعب الفلسطيني".
وقال غوشة: "أنا أحاول أن أسوق لعمل اكاديمي تاريخي فكري ثقافي يدعو إلى المحبة وإلى احترام الآخر واكتشاف حقيقة أننا قادرون على أن نحفظ تاريخنا وتراثنا وإرثنا الحضاري لكي ننقله إلى الأجيال القادمة"، موضحا أن هذا العمل حضاري بامتياز، وبعيد عن أي أداء سياسي أو إلغاء للآخر، إذ يُقرب العربي المسيحي والمسلم من القدس وجدانيا وعاطفيا ومن فلسطين وجدانيا وعاطفيا وضميرياً، لافتا إلى أنه عمل هائل وكبير جدا يحتاج القاريء لأكثر من شهرين لتصفحه والاطلاع على مضامينه واليوم أعمل على وضع اللمسات الأخيرة للمشروع الأكبر والأكثر تفصيلاً والأهم لفلسطين، مضيفا: "العمل بعنوان (فلسطيننا Our Palestine)، وسيكون في مجلدات عديدة من الحجم الكبير وستُشكل مادته العلمية مفاجأة للدارسين والقراء لما تحتويه من مضمون استثنائي وغير مسبوق باللغتين الانجليزية والعربية"، معربا عن تطلعه لإخراجه إلى حيز النور في منتصف العام المقبل، لافتا إلى أنه في هذا السياق تأتي أهمية زيارته للولايات المتحدة من أجل التعريف بأهمية وفكرة المشروع الأهم في حياته العلمية.