لا تقف معاناة المرأة الفلسطينية عند حد تكبد عناء الأوضاع الصعبة التي تفرضها طبيعة الاحتلال من حصار وتضييق على الأرزاق، فضلا عن خطر وقوعها أو رب العائلة في الأسر، بما يعنيه ذلك من مشقة مضاعفة، وصولا إلى الاستشهاد، الذي هو ضيف لا يبرح الأراضي الفلسطينية، فإضافة إلى كل تلك الظروف القاسية التي تشاركها المرأة الفلسطينية مع الرجل، تبقى معاناتها الذاتية النابعة من كونها امرأة، والمتمثلة في العنف الأسري والتمييز السلبي ضدها داخل مجتمعها ما ينعكس ارتفاعا في نسب البطالة بين النساء في فلسطين، واضطرار غالبيتهن إلى العمل في وظائف متدنية نزولا عند الأمر الواقع.
ورغم المعاناة الظاهرة للبيان، التي تكابدها المرأة الفلسطينية، إلا أن الدراسات المُحكمة عنها تظل شحيحة، ربما بفعل تكالب المآسي على الأراضي الفلسطينية وأهلها عموما، ما أحدث تراجعا للمشكلات الفئوية في سلم الأولويات.
والمرأة الفلسطينية كالرجل فيما يخص انتهاكات الاحتلال التي تطالها بشكل مباشر يوميا، فأمام قسوة المحتل وإجراءاته العقابية لا يُستثنى أحد، فعلى مدى عقود الصراع الطويلة، تعرضت ما يقارب من 17 ألف فلسطينية بين مسنة وقاصر للاعتقال في سجون الاحتلالز
لا يوجد فلسطيني يمكن أن ينسى إسم فاطمة برناوي، أول أسيرة في تاريخ الثورة الفلسطينية، والتي اعتقلت في العام 1967، وحُكمت بالمؤبّد، قبل إطلاقها بعد عشر سنوات.
وبلغ عدد الأسرى في سجون الاحتلال الاسرائيلي 4500 أسير بنهاية العام 2020، من بينهم 41 أسيرة من بينهن 12 أسيرة أمهات، أما عدد حالات الاعتقال فبلغت خلال العام 2020 حوالي 4634 حالة، من بينهم 543 طفلا و 128 امرأة.
وكثيرة هي التقارير الحقوقية عن الانتهاكات بحق الأسيرات الفلسطينيات في سجون الاحتلال، إذ يُحتجزن في ظروف صعبة، ويتعرضن للاعتداء الجسدي والإهمال الطبي، فضلا عن انتهاك خصوصيتهن بزرع الكاميرات في ساحات المعتقل، ما يضطر بعضهنّ إلى الالتزام باللباس الشرعي حتى أثناء ممارسة الرياضة.
وأظهر التقرير الإحصائي السنوي الصادر عن "التجمع الوطني لأسر شهداء فلسطين"، أن عدد الشهداء الذين ارتقوا خلال العام 2021 بلغ 357 شهيدا، وبلغت نسبة الشهيدات خلال هذا العام 19 بالمائة، بـ 69 شهيدة، وهي النسبة الأعلى منذ الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية في العام 1967.
وعن المعاناة المعيشية، فهي تتفاقم بشكل كبير في معسكرات اللجوء وفي قطاع غزة المحاصر خصوصا بالنسبة للأسر التي تعيلها نساء، علما بأن إحصاء رسميا كان أشار إلى أن 32 ألف أسرة فلسطينية لاجئة في سوريا و 17 ألف أسرة في قطاع غزة تعيلها نساء، وفي الغالب تفتقر تلك الأسر إلى الأمن الغذائي.
وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة، يصل مُعدل البطالة بين النساء إلى نحو 80 %، وفي مؤتمر نظمته اللجنة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف، التابعة للأمم المتحدة، في العام 2021، فعالية افتراضية بعنوان "النساء، السلام والأمن: التقدم والتحديات للنساء والفتيات في فلسطين"، قالت وكيلة وزارة الخارجية والمغتربين، أمل جادو، إن الفجوة بالنسبة للنساء في المناصب الوزارية 72%، ومن بين 16 محافظة، توجد سيّدة واحدة في منصب محافِظة، ومن بين 107 سفراء حول العالم، هناك 12 سفيرة سيّدة، وفي النظام القضائي تبلغ الفجوة 64 %.
وأضافت: "النساء في فلسطين تواجهن عنفا مزدوجا (...) نواجه عنف الاحتلال المباشر الذي يواجهه الرجال أيضا، ولكن أيضا العنف الذي يتعرّض له الرجال، يترجم على شكل عنف ضد النساء، ولذلك لدينا معدلات مرتفعة من العنف الأسري ونحتاج إلى التصدي له".