"حرباء سياسية"..هكذا توصف ليز تراس رئيسة وزراء بريطانيا الجديدة؛ إذ لديها تاريخ من الآراء المتغيرة، مثلما تحولت من راديكالية تطالب بإلغاء الملكية إلى حاملة علم الجناح اليميني في حزب المحافظين المشكك في أوروبا.
ليز تراس (47 عامًا)، جاءت خلفًا لبوريس جونسون رئيس وزراء بريطانيا السابق، وكانت قد فازت بعضوية البرلمان عام 2010، وتمكنت خلال فترة زمنية قصيرة نسبيًا من إثبات نفسها كقوة سياسية تسعى إلى تحقيق أجندتها بحماس منقطع النظير.
(شخصية متلونة)
عقود من التحول في وجهات نظرها الشخصية، لدرجة دفعت الكثيرين للتساؤل عما إذا كان لديها أي معتقدات صادقة على الإطلاق أو أنها كانت تتبنى وجهات النظر السائدة الأكثر قبولاً لدى الشارع.
واستعرضت شبكة "سي إن إن" الأمريكية بعضًا من حياة تراس، قائلة إن رئيسة الحكومة البريطانية التي ولدت عام 1975 لعائلة وصفتها هي ذاتها بأنها تنتمي إلى اليسار، نشأت في مناطق من المملكة المتحدة معروفة بأنها لا تصوت لحزب المحافظين، وتنقلت بين اسكتلندا وشمال إنجلترا.
وعلى النقيض من أغلبية تيار اليسار داخل الحزب الذين تلقوا تعليمًا خاصًا، درست تراس في مدرسة حكومية بمدينة يوركشاير ليدز، وفازت لاحقًا بمنحة في جامعة أكسفورد، بحسب الشبكة التي أوضحت أنها كانت عضوًا نشطًا في حزب الديمقراطيين الليبراليين، وهو حزب معارض وسطي لطالما كان معارضًا للمحافظين في أجزاء كبيرة من إنجلترا.
وأشار الشبكة إلى أنها خلال عضويتها في حزب الديمقراطيين الليبراليين دعمت تراس إلغاء النظام الملكي، في موقف يتعارض بشكل كامل مع ما يعتبر الجميع المبادئ الأساسية لحزب المحافظين.
وانضمت تراس إلى حزب المحافظين في العام 1996، بعد عامين فقط من إلقاء خطاب في مؤتمر لحزب الديمقراطيين الليبراليين دعت فيه إلى إنهاء الملكية، لكن هذه الدعوة قوبلت بشكوك من أقرانها في الحزب.
(داعمة لإسرائيل)
وسائل إعلام عبرية عدة تغنت بفوز ليز تراس، بمنصب رئيس وزراء بريطانيا، واعتبرتها من أشد المؤيدين لإسرائيل وحليفة معلن عنها من قبل الجالية اليهودية في بريطانيا.
وبحسب وسائل الإعلام العبرية، ليس هناك شك بدعم "تراس" الكامل لإسرائيل وأن أي شخص يؤمن بتعزيز العلاقة بين بريطانيا وإسرائيل عليه أن يسعد بذلك.
وفي تعليقها على فوز تراس، أكدت صحيفة "واي نت العبرية" أنها صديقة كبيرة لإسرائيل وأن الشخصيات الإسرائيلية التي تعرفها تؤكد على تقدير تراس للقيم الإسرائيلية والقدرات التكنولوجية.
وأفادت الصحيفة بأن التفاؤل في إسرائيل ينبع من حقيقة أن "تراس" لا تتعامل في الجانب السياسي مع القضايا المعقدة في إسرائيل مثل مصير المستوطنات.
وأوضحت أن "تراس" صرحت بأنها ستفكر في نقل السفارة البريطانية إلى القدس إذا تم انتخابها رئيسة للوزراء، معتبرة ذلك التصريح رغبة في إظهار دعمها الكامل لإسرائيل.
وأضافت الصحيفة أن "تراس" وعدت بمحاربة حركة المقاطعة وأنها ستحارب التسلح النووي لإيران، كما أنها صوتت لصالح إسرائيل في مجلس حقوق الإنسان على الرغم من موقف المسؤولين في وزارة الخارجية في لندن، الذين حذروا من أن هذا يسئ لبريطانيا.
فيما ذكرت "تايمز أوف إسرائيل" أن "تراس" أكدت أوراق اعتمادها لإسرائيل في أول خطاب سنوي لها أمام حزب المحافظين بعد أن أصبحت وزيرة للخارجية، عندما قالت "بريطانيا ليس لديها صديق أو حليف أوثق وأرفع مكانة من إسرائيل".
وأفادت الصحيفة بأن "تراس" وقعت العام الماضي مع وزير الخارجية الإسرائيلي آنذاك يائير لابيد، مذكرة تعاون ألزمت فيها بريطانيا وإسرائيل على التعاون المشترك في الأمن السيبراني والتكنولوجيا والجيش والتجارة وتحدثت عن شراكة فريدة بين بريطانيا وإسرائيل.
وأشارت الصحيفة، إلى أن تراس، سافرت خلال زيارتها لإسرائيل العام الماضي، على متن يخت البحرية الملكية إلى حيفا حيث استضافت حدثًا للشركات البريطانية العاملة هناك، وقالت إنها تسعى إلى إزالة الحواجز التجارية بين إسرائيل وبريطانيا والعمل من أجل اتفاقية تجارة حرة بين البلدين.
كما أشارت الصحيفة، إلى أن "تراس" ستراجع ما إذا كانت بريطانيا ستحذو حذو الولايات المتحدة في نقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس، وأن إعلانها أثار انتقادات من دبلوماسيين بريطانيين سابقين كتبوا لصحيفة التايمز أنه ينبغي انتظار قيام دولة فلسطينية.
وأكدت الصحيفة، دعم تراس لهجمات لابيد على غزة وانتقادها للجنة الأمم المتحدة الخاصة "بالتحقيق في الهجوم على غزة" ووصفتها بأنها منحازة ومضيعة للمال، متهمةً ممثلي الأمم المتحدة بأن لديهم تاريخ طويل من معاداة السامية ولا ينبغي أن يكون لهم دور في مراجعة إسرائيل.
من جهتها، نقلت صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية، عن رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد قوله : "أهنئ صديقتي الجديدة الصديق الحقيقي لإسرائيل، (ليز تراس) رئيسة وزراء بريطانيا العظمى."
وأكدت الصحيفة، أن "تراس" تؤيد تحرك المملكة تصنيف حماس كمنظمة إرهابية، كما كتبت في رسالة إلى أصدقاء إسرائيل خلال حملتها الانتخابية، أنها ستفكر في نقل السفارة البريطانية إلى القدس.
ونقلت الصحيفة عن "تراس" قولها : "إنني أتفهم أهمية وحساسية موقع السفارة البريطانية في إسرائيل، لقد أجريت العديد من المحادثات مع صديقي العزيز لابيد حول هذا الموضوع، واعترافاً بذلك سأراجع خطوة للتأكد من أننا نعمل على أقوى أسس داخل إسرائيل."
وأكدت الصحيفة، أن تراس ولابيد أقاما علاقة عمل جيدة، مشيرة إلى أنه رغم سياسة بريطانيا في دعم المفاوضات مع إيران من أجل التوصل إلى اتفاق نووي، قالت مصادر مقربة من لابيد أن تراس أظهرت فهمًا للتهديد الذي تشكله إيران على الدولة اليهودية حيث أنها تتبنى وجهة النظر الإسرائيلية فيما يتعلق بالمحادثات الإيرانية.
وبدورها، علقت صحيفة "هآرتس العبرية" بأن قلة هم الذين توقعوا أن تكون ليز مرشحة لمنصب رئيس وزراء بريطانيا، عندما زارت إسرائيل للمرة الأولى والوحيدة العام الماضي.
ورأت الصحيفة أن "تراس" ستفكر في الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة إليها، لكن ربما لن يكون لديها الكثير من الوقت لإسرائيل في المستقبل القريب.
ويبقى السؤال هنا .. هل ستدعم "تراس" حقًا حليفتها إسرائيل أم أنها ستمارس هوايتها كـ"حرباء سياسية" وتتلون لتغازل المنطقة بقليل من التضامن مع القضية الفلسطينية؟