مما لا شك فيه أن إدارة الرئيس الأمريكي ترامب أجرت محادثات مع حلفاء عرب لتشكيل ما يسمى "حلف عسكري" يضمن إيجاد تعاون وثيق ومنظم يجري فيه تقاسم المعلومات الاستخبارية مع (إسرائيل) وذلك في سياق مواجهة "التهديدات" والتي تقف في مقدمتها إيران كعدو مشترك يهدد مصالحهم في المنطقة.
والحديث يدور عن تحالف يضم دولا عدة في المنطقة في إطار يشابه الى حد كبير التحالف الخاص بمنظمة حلف شمال الاطلنطي (nato) الامر الذي سيفتح الباب على مصراعيه للتدخل الإسرائيلي في كل الملفات العربية ويضمن تدفق كل أسرار الدفاع والمعلومات الخاصة لهذه الدول ويبقي الخطوط مفتوحة للمشاورات الساخنة وهذا بدوره سيعطي مساحة أكبر للتدخل الإسرائيلي.
وأكثر من ذلك هو إمعان في زيادة النفوذ والتأثير الأمريكي في أدق الملفات في الشرق الأوسط بما يضمن عدم إمكانية قيام نهضة عربية أو تحول نحو القرار المستقل ويشكل ضامنا لعدم بروز أي دعوات لتكوين إطار مواجهة ضد (إسرائيل) مستقبلا أو أي محاولة لمواجهة الوصاية الامريكية.
ويحمل هذا الحلف في أجندته العمل المشترك نحو مواجهة ما يزعمونه (التطرف الإسلامي) كأولوية إلى جانب الملف الإيراني وهذا يشي بأن بعض الأنظمة العربية التي ارتضت أن تصطف في هذا السياق قبلت وتحت هذا الإطار أن تحارب بوجهة معاكسة لا تستهدف الاخطار الحقيقية التي تهدد فعليا المصالح العربية، وإنما أن تباشر لتنفيذ حروب بالإنابة تستهدف فيها أي بروز حقيقي يهدد المصالح الامريكية والإسرائيلية على حد سواء.
ما يجعل النظام العربي يمثل إرادة مختلفة لرغبة الجماهير العربية التي تتقد شوقا لمقاتلة (إسرائيل)، وإن أظهر الاعلام الرسمي غير ذلك وهذا بدوره سيجعل المسافات كبيرة بين أنظمة الحكم القائمة وبين شعوبهم ما يفرض لجوء الزعماء للاحتماء بالحلفاء خشية الإطاحة بهم وهذا ما يفسر حالة القمع التي تشهدها الساحات العربية وتغييب الالاف في السجون والاعدامات المتواصلة.
فهذا الواقع نتيجة حتمية لفشل العرب وعلى مدار عقود في تدشين حلف حقيقي يمكن أن يشكل حاضنة للامة ويدفع عنها الاخطار ويحفظ مقدراتها ويستعيد مجدها السليب في بيئة تتسم بالاستقرار والتعاضد والالتئام على مصالح عربية عليا تجعل رأس أولوياتها تحرير فلسطين واستعادة الأراضي العربية.
لكن وعلى ما يبدو فإن هذا الحلم لا يزال بعيدا فهذه الأنظمة تعيش على جرعات من الدعم الأمريكي الإسرائيلي ولا يمكنها بحال القفز عن شرفة الوصاية الى حضن الجماهير العربية لأنها باتت غير مقبولة ورقبتها مطلوبة بسبب تنامي الطغيان والظلم والاستبداد لذلك نجدها متأهبة لمواجهة المصطلح المفبرك "التطرف الإسلامي" الذي لا يجد له متسعا في تعاليم ديننا الحنيف أو معاجم اللغة.
وهذا ما يفسر القيود على السفر وتجفيف منابع حركات المقاومة والملاحقات للمناضلين والاغتيالات الصامتة للنشطاء فكم من شرفاء غيبوا وفقدت آثارهم بعد أن نطق بشطر كلمة أو قدم دعما لفلسطين، لكن رياح التغيير إذا ما عصفت ربما تقلع الجبال الرواسي وحينها سيكون هذا الحال من الماضي فلتهبوا للتغيير لنخلص أمتنا من قيودها ونزحف جميعا نحو بوابات الأقصى.
* إعلامي وكاتب فلسطيني
** جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "دار الحياة"