"شيل إيدك من جيابك".. ثلاث كلمات وجهها رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية للمتحدث باسم حكومته إبراهيم ملحم، كانت كافية لردودِ أفعال واسعة عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
ولم يتفاجأ فقط إبراهيم ملحم (الكاتب الصحفي وأستاذ الإعلام) من عبارة "شيل إيدك من جيابك" التي وجهها اشتية له، بل امتد وقعها على آلاف المشاهدين خلف الشاشات، الذين كانوا يتابعون المؤتمر الصحفي اليومي المنعقد بشأن تطورات فيروس كورونا في الأراضي الفلسطينية.
ولا يعرف مغزى العبارة الصادمة إالتي وجهها اشتيه ، إن كانت زلة لسان أم توبيخاً؟! أم متعمدة لإيصال رسائل مبطنة بين الطرفين؟! على كلٍ فإنَّ قابل الأيام قد يكشف عمَّا يجري بين نجمي أزمة كورونا؟ لكن لا شك بأن هذا المحرج الذي تعرض له ملحم على الملأ ، يعكس حجم التوتر ووطأة الضغوط التي تعكر مزاج اشتيه، نظرا للصراعات المحتدمة بينه وبين قيادات الصف الأول في السلطة الفلسطينية.
عشرات النشطاء من الفلسطينيين عبَّروا عن استيائهم من تصرف رئيس الوزراء، الذي اعتبره الكثيرون سقطة في حقه ، فلقد قطع كلمته المهمة حول التخفيف التدريجي للقيود المفروضة على محافظات الضفة المحتلة، ليتوجه بهذه العبارة الغير اللائقة للمتحدث باسم حكومته، الذي يبدو تماماً أنَّ العبارة وقعت عليه كالصاعقة.
كشف المستور
وفي السياق ذاته، لابد من الإشارة إلى أنَّ الخلافات لم تبدأ بحادثة اليوم التي توِجتْ بعبارة "شيل إيدك من جيابك"، إذ سبقها بأيام جدل واسع حول تداخل المهام بين ملحم ووزيرة الصحة الفلسطينية مي كيلة، وهو الأمر الذي أدى لاحتجاب ملحم عن الظهور في الإيجاز الصحفي الأحد الماضي، وذلك لأول مرة منذ بداية الأزمة.
ورصدت وسائل الإعلام عدة تصريحات وبيانات صحفية خلال الأسابيع الماضية للوزيرة كيلة قبل الإيجاز الصحفي بـ(وقت قصير)، حيث قامت بإعلان أعداد المصابين والمتعافين بفيروس كورونا، قبيل ظهور ملحم في المؤتمر الصحفي، مما نسف أسباب وجود المؤتمر، وتسبب بخلافٍ كبيرٍ بينهما.
لكن القشة التي قصمت ظهر الإيجاز الحكومي هي إعلان الوزيرة عن تعافي 11 من الفيروس، فور انتهاء المؤتمر الصحفي لملحم، وما زاد الطين بلة كذلك الظهور الإعلامي الشهير لها مع مراسل تلفزيون فلسطين الصحفي "علي دار علي" ، قبل الإيجاز الصحفي للحكومة بدقائق، وما تلا ذلك من أقاويل حول وقف "دار علي" عن العمل، وهو ما نفاه جملة وتفصيلاً.
وذكرت المصادر الصحفية أنَّ الخلاف بين ملحم وكيلة ، تم طيه شكلياً بقرار يرضي جميع الأطراف، وذلك بظهور أربعة من الوزراء يومياً -إلى جانب ملحم- موزعين على الإيجازين الصباحي والمسائي.
ورجحت مصادر خاصة لموقع "دار الحياة" أن خلافاً نشب بين عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" ورئيس الوزراء محمد اشتية، ورئيس جهاز المخابرات الفلسطينية ماجد فرج، كان ضحيته إبراهيم ملحم (المدعوم من قبل الأخير).
وأفادت المصادر أنَّ الخلاف الواقع بين فرج واشتية يتعلق بإدارة ملف فيروس كورونا في الضفة المحتلة، ومحاولةِ كلٍ منهما أنْ ينسب نجاح خطة محاصرة الفيروس لنفسه، وما زاد من توتر الأجواء المشحونة بالنسبة لمحمد اشتية سطوع نجم ملحم في الإعلام، حتى وصل الأمر أن يهاتفه الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ويثني على أدائه الصحفي والمهني في إدارة ازمة فيروس كورونا إعلامياً، مع الإشارة إلى انَّ ملحم محسوب على ماجد فرج، والذي علاقتة مع اشتية تشوبها خلافات حادة.
وفي محاولة لاحتواء الموقف، بعد الاستياء العام على مواقع التواصل جراء خروج اشتية عن النص وتوبيخه ل"ملحم" ، كتب اشتية على صفحته في "فيسبوك" : "العلاقة التي تربطني بالمتحدث باسم الحكومة علاقة قديمة وفيها الكثير من الود والاحترام والتلقائية، وما جرى اليوم كان مبنياً على هذه العلاقة المتينة، والملاحظة تعكس الاحترام والثقة المتبادلة داخل الفريق الواحد".
استياء
وانعكست التفاصيل المتسارعة بتأثيراتها على جمهور وسائل التواصل الاجتماعي، وخاصة الصحفيين والنشطاء، حيث كتب الصحفي أمير داوود عبر صفحته على موقع "فيسبوك" معلقاً على حادثة رئيس الوزراء والمتحدث باسم حكومته الليلة: "شيل أيديك من جيابك، حركة استعراضية أمام الإعلام والناس، فيها شيء من الأستذة، أحسها قادمة من مكان يستعلي على من حوله، يفرض سيطرته، حركة تهدم أكثر مما تبني، وتكشف عن هشاشة استعراضات التضامن والشفافية والانفتاح".
وكتبت انتصار حمدان على صحفتها في فيس بوك: "شيل ايديك من جيابك.. لمع نجمه فلازم نطسه شوي".
وقال الناشط أمجد أبوكوش: "ما بعرف د. ابراهيم إطلاقا.. بس من بداية الأزمة كان الأكثر تفانياً في إيصال المعلومة للمواطن .. لحد ما قلبوها ستار اكاديمي حكومي وبلش الاستعراض .. حركة د. محمد والأسلوب بايخ وسخيف، وكان ممكن يستدركها بشكل أكثر دبلوماسية".
أما الناشط محمود حريبات، فكتب: "المؤتمر بحاجة لكمان مؤتمر لشرحه، المطاعم بتسال عن وضعها واعرابها، وراس المال انتصر وفلسطين تنافس ع النهائي، ويبدو ان خطوط الدفاع عند اب بهاء تنهار (..)".
لكن التعليق الأغرب والأكثر حدة، كان لنائب محافظ أريحا جمال رجوب الذي كتب على فيسبوك: "أخي ابراهيم ملحم .. على الأقل ايدك في جيبك، مش في جيب غيرك".
وعلى كثرة من علقوا سراً وجهراً على حادثة "شيل إيدك من جيابك"، إلا أنَّ الأمر تم تجاوزه، وهو ما سيؤكده ظهور ملحم بعد ساعات، في إيجاز الحكومة، صباح غدٍ الثلاثاء كالمعتاد.