حذر وزير الخارجية الأمريكي الأسبق "هنري كيسنجر"، من تداعيات فيروس كورونا والذي سيؤدي إلى تغيير النظام العالمي للأبد .
وقال كيسنجر: أن الاضطرابات السياسية والاقتصادية الناجمة عن انتشار الوباء ستستمر لأجيال، داعيا إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للاستعداد إلي نظام ما بعد كورونا، واستخلاص الدروس من تطوير خطة مارشال ومشروع مانهاتن.
اقرأ ايضا: “في يومهم العالمي".. إسرائيل تواصل انتهاك حقوق 270 طفلاً فلسطينياً
وأشار كيسنجر في مقال نشر له أمس الجمعة في صحيفة "وول ستريت جورنال" ، إلى أن الأجواء العبثية التي يشهدها العالم الآن بسبب الوباء، أعادت إلى ذهنه المشاعر التي انتابته عندما كان جنديا في فرقة المشاة خلال معركة الثغرة أثناء الحرب العالمية الثانية أواخر عام 1944، حيث يسود الآن الشعور ذاته بالخطر المحدق الذي لا يستهدف أي شخص بعينه، وإنما يستهدف الكل بشكل عشوائي ومدمر.
ولفت كيسنجر إلى أن هناك فارقا كبيرا بين تلك الفترة و بين الوضع الراهن،مشيرا إلى أنه يتمثل في أن قدرة الأمريكيين كانت في سبيل تحقيق هدف وطني، لكن الآن الولايات المتحدة تعانى من الانقسام (..) فهناك حاجة إلى حكومة تتحلى بالكفاءة وبعد النظر للتغلب على العقبات غير المسبوقة من حيث الحجم والنطاق العالمي المترتبة على تفشي الوباء.
وشدد على أن الحفاظ على ثقة الجماهير أمر حاسم للتضامن الاجتماعي ، وللسلام والاستقرار الدوليين.
وأضاف: أن الأمم تزدهر وتتماسك باعتقادها أن مؤسساتها يمكن أن تتوقع الكارثة، وتوقف تأثيرها وتستعيد الاستقرار.
وأردف: عندما ينتهي الوباء سيتم النظر إلى مؤسسات العديد من البلدان على أنها فشلت، ولا يهم ما إذا كان هذا الحكم عادلاً و موضوعي ، لكن الحقيقة هي أن العالم بعد كورونا لن يعود كما كان.
وثمن كيسنجر آداء إدارة ترامب وقال: إن الإدارة الأمريكية قامت بعمل قوي في تجنب الكارثة الفورية، لكن الاختبار النهائي هو ما إذا كان من الممكن إيقاف انتشار الفيروس وعكس مساره والحفاظ على ثقة الجمهور(..) ومدى قدرة الأمريكيين في حكم أنفسهم، مشددا على ضرورة ألا تعطل جهود احتواء الأزمة، مهما كانت ضخمة ، المهمة العاجلة المتمثلة في إطلاق مشروع موازى للانتقال إلى نظام ما بعد كورونا.
وأشار كيسنجر إلي أن القادة يتعاملون مع الأزمة على أساس وطني إلى حد كبير، لكن تأثيرات الفيروس على تفكك المجتمع لا تعترف بالحدود، مرجحا أن تستمر الاضطرابات السياسية والاقتصادية التي سببها كورونا لأجيال، مشددا على أنه لا يمكن لأي دولة، ولا حتى الولايات المتحدة، أن تتغلب على الفيروس عبر جهد وطني فقط، بل يجب أن تقترن تلك الجهود بتعاون عالمي.
ورأى وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، أنه من خلال استخلاص الدروس، عبر تطوير خطة مارشال (المشروع الاقتصادي لإعادة تعمير أوروبا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية) ومشروع مانهاتن (مشروع للبحث والتطوير الذي أنتج أول قنبلة ذرية خلال الحرب العالمية الثانية)، فإنه يجب على الولايات المتحدة الإلتزام ببذل جهد كبير في ثلاثة مجالات، أولها دعم المرونة العالمية حيال الأمراض المعدية، موضحا أن انتصارات العلوم الطبية مثل لقاح شلل الأطفال والقضاء على الجدري والتشخيص الطبي من خلال الذكاء الاصطناعي، أوقعتنا في حالة من الرضا عن النفس.
وأكد كيسنجر الحاجة إلى تطوير تكنولوجيات وتقنيات جديدة لمكافحة العدوى ولقاحات مناسبة لمجموعات كبيرة من السكان، وأن تكون المدن والولايات والمناطق مستعدة باستمرار لحماية سكانها من الأوبئة.
أما النقطة الثانية، فتتمثل في السعي إلى تضميد جراح الاقتصاد العالمي، حيث أوضح أن زعماء العالم تعلموا دروساً مهمة من الأزمة المالية العالمية عام 2008. ولكن الأزمة الاقتصادية الراهنة أكثر تعقيداً، فالانكماش الذي أحدثه كورونا غير مسبوق في التاريخ من حيث سرعته ونطاقه العالمي، لذلك يجب وضع برامج لتخفيف آثار تلك الفوضى الوشيكة على أضعف السكان في العالم.
وفيما يخص النقطة الثالثة فهي تتعلق بحماية مبادئ النظام العالمي الليبرالي، مشيرا إلي أن الأسطورة التأسيسية للحكومة الحديثة تستند إلى مدينة مسوّرة يحميها حكام أقوياء، أحياناً مستبدون وأحياناً صالحون، لكنها دائماً قوية بما يكفي لحماية الناس من عدو خارجي.
واشار كيسنجر إلي أن مفكرو عصر التنوير أعادوا صياغة هذا المفهوم مجادلين بأن الغرض من الدولة الشرعية هو توفير الحاجات الأساسية للأفراد، وهي الأمن والنظام والرفاهية الاقتصادية والعدالة، إذ لا يمكن للأفراد تأمينها بأنفسهم.
ومضى قائلا : "لكن هذا الوباء أثار مفارقة تاريخية تكمن في إحياء المدينة المسورة في عصر يعتمد فيه الازدهار على التجارة العالمية وحركة الناس".
وشدد كيسنجر على أن ديمقراطيات العالم تحتاج إلى الدفاع عن قيم التنوير والحفاظ عليها، محذراً من أن التراجع العالمي عن موازنة السلطة مع الشرعية ، سيؤدي إلى تفكك العقد الاجتماعي محلياً ودولياً.
وقال إن الجهود المبذولة لمواجهة تفشي الوباء، رغم ضخامتها وإلحاحها، ينبغي أن لا تشغل قادة العالم عن مهمة أخرى ملحة تتمثل في إطلاق مشروع موازٍ للانتقال إلى نظام ما بعد كورونا.
الفشل قد يشعل العالم
وحث كيسنجر الإدارة الأميركية على التركيز على ثلاثة مجالات رئيسية لمواجهة تداعيات الوباء محليا وعالميا، أولها تعزيز قدرة العالم على مقاومة الأمراض المعدية، وذلك من خلال تطوير البحث العلمي.
أما المجال الثاني فهو السعي الحثيث لمعالجة الأضرار التي لحقت بالاقتصاد العالمي جراء تفشي الوباء والتي لم يسبق أن شهدت البشرية مثيلا لها من حيث السرعة وسعة النطاق، كما حث الإدارة الأميركية على حماية مبادئ النظام العالمي الليبرالي بصفتها المجال الثالث الذي ينبغي التركيز عليه.
وختم كيسنجر بالقول إن التحدي التاريخي الذي يواجه قادة العالم في الوقت الراهن هو إدارة الأزمة وبناء المستقبل في آن واحد، وإن الفشل في هذا التحدي قد يؤدي إلى إشعال العالم.
المصدر : وول ستريت جورنال
اقرأ ايضا: أستراليا ترفض استقبال وزيرة إسرائيلية بسبب موقفها المناهض لإقامة دولة فلسطينية