"نقطة البداية لحل" التفاوض أم التناقض؟

مشاركة
ترامب/نتنياهو ترامب/نتنياهو
* منى جويد الغصين 12:28 ص، 06 فبراير 2020

وقفوا جنبًا إلى جنب في البيت الأبيض،  في ذات  اليوم  الذي اتهم فيه كلا من الرئيس  الأمريكي دونالد ترامب  ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتهمتي  الاحتيال والفساد ، كانت مهمتهم هي نشر "صفقة القرن" ،  فأخيرا تم حل هذا السلام البعيد المنال بين الإسرائيليين والفلسطينيين..

كانت "الصفقة" المقترحة منذ بداياتها  معيبة لعدة أسباب ، أساسًا لأنها لم تكن عملية سلام  بل كانت "صفقة"،

و أضف  إلى ذلك المحسوبية و عدم الكفاءة  التي تجسدت في صورة  جاريد كوشنر - صهر ومستشار ترامب الذي صاغ الصفقة-  والذي اعترف الأسبوع الماضي فقط بأنه "خبير" لأنه قرأ 25 كتابًا حول هذا الموضوع.

بغض النظر عن تضارب المصالح الواضح الذي دعمته أسرة كوشنر  بتبرعها للمستوطنات الإسرائيلية الغير القانونية ، فهل من الممكن  حقاً أن نتوقع نتائج عادلة ومنصفة؟ هل هؤلاء هم الأشخاص الذين يمكن أن نثق بهم لتسوية قضية هي واحدة من أشد الخلافات السياسية حساسية في جيلنا؟  كان من المسلم به أن هذه "الصفقة" ستكون بمثابة مسمار في نعش الحقوق الفلسطينية. ليس هناك مفاجآت في ذلك ، بل أزيد بأنه كان متوقعا .

لا ريب  أن هذه "الصفقة" هي  بمثابة مسمار في نعش الحقوق الفلسطينية، وهذا  أمر مسلم به لم  يفاجئنا ،  لكن الشيء الأكثر انحرافاً في كل هذه المهزلة ، هو حضور  سفراء  لدول عربية في العاصمة الأمريكية  واشنطن ( الإمارات العربية المتحدة، سلطنة عمان والبحرين ) الإعلان عن هذه الصفقة المريبة ،لقد كانوا هناك ، لإضفاء  شيئ من "الشرعية" العربية على هذه الصفقة المهينة  . 

حقا  هذا هو الانحراف الحقيقي  ، و الذي  عكسه تصريح  السفير الإماراتي  الذي  أيد  هذا العرض عبر إدعائه " بأن هذا كان "نقطة انطلاق للعودة إلى المفاوضات ضمن إطار دولي تقوده الولايات المتحدة" . هذا يدلل  على أن  موقف الإمارات العربية المتحدة  أصبح واضحا، في  أنه  لا يأخذ في الاعتبار الإجراءات العادية في حل النزاعات أو القانون الدولي بشكل عام. هل تعتقد الإمارات أن خيار المفاوضات يمكنه  بضربة واحدة  أن يتنكر للحقوق القانونية لطرف على حساب الطرف الآخر ، مدعيا  بأنها نقطة بداية ؟!

إن  ما يسمى ب "صفقة القرن" هو عرضا  معيبًا على  كافة المستويات -من الواضح - أنها مجرد "صفقة" ، وليست على الإطلاق  عملية سلام،  فلقد شطبت  المفاوضات بين طرفين متنازعين ،  فالإدارة الأمريكية  غيبت الفلسطينيين  تماما.

ترى  الإدارة الأمريكية الحالية أن جاريد كوشنر - العديم الخبرة سياسيا - وعازف الطبول المؤيد لإسرائيل ، هو  المناسب و الأمثل للتعامل مع هذا الصراع المستمر والممتد والذي  له  جذوره  منذ عقود طويلة .

 منذ البداية، كان هناك ظلم  كبير للسكان الأصليين لتلك الأراضي (الفلسطينية) . ربما  نقطة  الإنطلاق  كانت جيدة  ، وهي بمثابة بتلك  الحقيقة ؟( وهي أن هناك شعب لتلك الأرض) ،   لكن التحيز السافر للسفير الأمريكي في  إسرائيل "ديفيد فريدمان " خلق  المزيد من الظلم وإزدواج المعايير ،  فكما نعلم هو مؤيد لضم المستوطنات اليهودية غير الشرعية التي تم بنائها على أراضي الضفة الغربية المحتلة ،  وللعلم أن ذلك جرى بإتفاق ضمني مع  السعوديين والإماراتيين.

النتيجة التالية لهذه الصفقة كانت متوقعة. لم يكن هناك  شيئا مفاجئًا. ، فلقد بدأت هذه  العملية اللعينة لهذا المشروع  "صفقة القرن" في 25 يونيو 2019 بمؤتمر "السلام من أجل الرخاء" في البحرين.

هذه المبادرة التي تدعمها كل من  المملكة العربية السعودية، الإمارات العربية المتحدة والبحرين تم الترحيب بها دون أدن اعتبار لمبادئ القانون  الدولي ولقرارات الشرعية الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية  أو حتى  لموقف  الفلسطينيين أنفسهم تجاه هذه الصفقة المشبوهة .

الفرضية الأساسية لهذه العملية هو أن فلسطين وقضية الفلسطينيين مطروحة للبيع بمبلغ 50 مليار دولار ؟! 

باعتبار أنهم يقبلون المتاجرة  بحقوقهم القانونية و القبول بوطن  على شاكلة بنتوستانزات الصغيرة (Mini Bantustans).

أوضح كوشنر بدون خجل على الإطلاق،  أنه تم تخصيص المليارات من الدولارات لتوفير روابط المياه والنقل التي قطعها الإسرائيليون .

ومع ذلك ، فإن تلك الدول العربية تجادل ،  بأنه يجب إعطاء هذه المبادرة فرصة ! فرصة لما؟ لحرمان الفلسطينيين من الحقوق القانونية؟ فرصة للعيش في بقع مجزأة من الأرض؟ فرصة للحصول على العاصمة الفلسطينية على بعض الأراضي  في ضواحي القدس الشرقية؟

"نقطة الانطلاق" هنا  ليست مفاوضات ، ولكنها  تفرض  على  الفلسطينيين  قبول وإضفاء الشرعية على ضم إسرائيل  للمستوطنات الغير شرعية  - الغير معترف بها دولياً ،- وكذلك ضم  وادي الأردن.  إنها بذلك  تعطي كل القدس عاصمة موحدة  غير مقسمة لإسرائيل. و إعتراف الفلسطينيين المحتلين المحاصرين بإسرائيل كوطن لليهود.

وبالرغم من ذلك كله ، فإن الإمارات والسعودية  يعتبران ذلك خطوات إيجابية في الاتجاه الصحيح.

أما بالنسبة  للحق الأساسي ، حق العودة  فإنه خارج الطاولة ،  غير مطروح  ، إن  الحق في العودة هو مبدأ  أساسي في القانون الدولي، وقعت عليه  إسرائيل، ويضمن حق عودة اللاجئين إلى بلدهم الأصلي.

لكن مع غطرسة الأنفاس التي تأتي من عدم وجود المسائلة و الإعتقاد  بالقدرة على "شراء" معظم الأشياء ، كانت هذه الدول العربية مستعدة وراضية ليس فقط لبيع الفلسطينيين ولكن لدعم الصفقة التي في مستهلها ترفض مبادئ القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة،وهذ أمر شديد الخطورة .  بلاشك أن  هذا  الأمر سوف يعود ليطاردهم. 

كان هناك افتراض من قبل كوشنر بأن إلقاء بعض الأموال  سيجعل الفلسطينيين قابلين على العمل  قليلا  في تنفيذ الخطة،  من دون تقديم  أي تنازل لحقوقهم على الإطلاق!؟ ( رائع) . ثم  بعد ذلك يتم إلقاء اللوم على قيادة السلطة الفلسطينية لرفضها الانخراط  في هذه الصفقة  ، "لأنها لا تفوت فرصة لتفويت فرصة".

لا يمكن لأي زعيم فلسطيني أن  يتخلى عن الحقوق الفلسطينية،  وكذلك لايمكنه  الخوض في أية مفاوضات فيها هذا الحجم من  التحيز الصارخ للجانب الإسرائيلي والذي يهدد القضية الفلسطينية بأسرها  .

هناك العديد من الأسئلة التي  الملحة يجب  طرحها ، وهي وفق  أية  معايير أو قوانين  اعترفت الولايات المتحدة بالقدس عاصمة إسرائيل الأبدية؟ وعلاوة على ذلك،  فإن تغييرها  لمصطلحات وضع التسوية غير القانونية إلى "مناطق متنازع عليها" ، وليست أراضي محتلة ،  لا يعني أن الوضع القانوني قد تغير. الحقيقة أنها  مجرد دعاية وتزييف للحقائق ، وللأسف الشديد أن كل هذا يتم بدعم علني  من المملكة العربية السعودية وقادة دول الخليج العربية . 

 لاشك  أنه من حق السعودية و دول الخليج  من دعم  السياسة التي يختارونها - لكن في الشأن الفلسطيني- هناك تحول في مواقفهم السياسة ، فلقد تحولت مواقفهم إلى  تقليص دعمهم للحقوق الفلسطينية ، واتخاذ  مواقف منحازة  تجاه  إسرائيل والولايات المتحدة.. فلقد ملوا من هذا الصراع المستمر منذ عقود ، وهم يرون  ضرورة موائمة نهجهم السياسي مع متطلباتهم الأمنية في ضوء تهديدات الإخوان المسلمين لهم ، لذلك هذ النهج بات  هو  الأهم بالنسبة لهم  ، ولو على حساب نضال الشعب  الفلسطيني.

ومع ذلك ، فإن تلك الدول العربية التي تدعم كوشنر في صفقة القرن قد تترك نفسها عرضة للتدخل الخارجي  في المستقبل ، فالقرار التعسفي الذي اتخذته من جانبها بدعمها لقرار دولة أقوى -من الناحية النظرية -  يمكن لإيران في المستقبل  أن تقترح  عقد  "مؤتمر سلام" يضفي شرعية على احتلالها غير القانوني للجزر الإماراتية  الثلاث" أبو موسىى، الطنب الكبرى والطنب الصغرى " و المتنازع عليها - والتي تزعم الإمارات أنها تملكها - فلقد  إحتلت  إيران  هذه الجزر لعقود ،  ما يقرب من 50 عامًا أي  أقل قليلاً من إحتلال إسرائيل لفلسطين.، فيمكن لإيران القول :" أنه كما فعلت إسرائيل في تسويتها لمسألة  المستوطنات ، فإنه يحق لها (إيران) اعتبار  هذه الجزر تمثل أمر واقع على الأرض" ، ومع تحول التحالفات يمكنها الحصول على  دعم  الدول المجاورة.

ربما  لدى دول الخليج والسعودية نفوذها  الآن بسبب  إنتاجها النفطي،  وهناك قوة الإنفاق الضخمة في ظل  خوف الغرب من الأصولية الإسلامية ،  لكن  أعتقد أن الوقت والشعور العام   ليس في صالحهم. ، لأنه سيأتي وقت لن يكون فيه للدول الاستبدادية مكان في هذا العالم.

تكمن المأساة  في أن الدول الغنية بالنفط كان يمكن أن يكون لها تأثيرا  كبيرأ  على استقرار المنطقة ،  وكان بإمكانها أن تلعب دورًا حيويًا رئيسيًا في الصراع العربي  الإسرائيلي.، فلقد كان لديهم النفوذ السياسي في وقت أزمة النفط ، ولكنهم أصبحوا بدلاً من ذلك بيادق (أحجار شطرنج) لقد فشلوا في النضوج كي يصبحوا كيانات سياسية مستقلة قوية،  إن رمي ناشط سياسي في السجن، ومراقبة الصحافة أو قتل صحفي لن يساعد هذه الدول على النمو سياسياً بقوة ملموسة محترمة.

يواصل الشعب الفلسطيني دفع ثمن هذا الظلم الدولي الثمن يوميًا،  العيش تحت الاحتلال، وتدمير منازلهم وإعتقال أطفالهم وقصف غزة وو وإلخ .

هذه ليست  أبدا هي نقطة "البداية" بإعتبار أن سفير دولة الإمارات العربية المتحدة قد يجعلنا نعتقد أنها "مفاوضات"، بل إنها  "إنكار"للحقوق الفلسطينية بموجب إطار دولي تقوده الولايات المتحدة  ، لإعطاء الشرعية لمخالفات العدالة الطبيعية والقانون الدولي.

كـاتبة فلسطــينية

[email protected]

** جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دار الحياة