وسط استمرار الأزمة في لبنان وفي ظل الانتفاضة أو الهبة اللبنانية طفت على السطح مجددا قضية اللاجئين الفلسطينيين الذين يعيشون في مخيمات اللجوء على الأراضي اللبنانية، والتي تفتقر لأدنى مستويات المعيشة، عدا عن القيود المفروضة عليهم.
وسط هذه الأزمة، وما بدأ من اطلاق تصريحات من بعض الزعامات في لبنان، وبعض التجمعات، بإلقاء اللوم في الأزمة التي يعيشها لبنان على وجود اللاجئين، لا بد هنا ان نضع النقاط على الحروف بشأن قضية اللاجئين الفلسطينيين في البلاد العربية المجاورة لفلسطين وخصوصا اللاجئين المقيمين في لبنان.
بداية لا بد من التأكيد ان اللاجئين الفلسطينيين لجأوا الى لبنان والدول العربية المحيطة بفلسطين بعد ان هُجِّروا من ديارهم قسرا على ايدي العصابات الصهيونية خلال نكبة عام ١٩٤٨، وليس رغبة منهم في مغادرة وطنهم او الاستقرار بشكل دائم في إي من الدول التي احتضنتهم مشكورة، بما فيها لبنان.
وفِي هذه الأيام العصيبة التي يعيشها لبنان الحبيب لا بد من التأكيد ان شعبنا الفلسطيني يكن كل التقدير والاحترام للشعب اللبناني الشقيق الذي لم يحتضن فقط اللاجئين، وانما احتضن ايضا الثورة الفلسطينية وناضل ابناؤه الى جانب ابناء شعبنا في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.
وفِي هذا المقام لا بد الا ان نذكر بعض الحقائق التاريخية بشأن الوجود الفلسطيني في هذه المخيمات منذ واحد وسبعين عاماً.
أولاً - ان وجود اللاجئين الفلسطينيين بمثابة وجود بين إخوتهم العرب ان كان في لبنان او باقي الدول المحيطة في فلسطين وهم فقط ضيوف ولا رغبة لهم في الإقامة الدائمة في هذه البلاد العربية، وقد اكدت القيادة الفلسطينية سواء في عهد الرئيس الراحل ياسر عرفات او الرئيس الحالي الأخ محمود عباس، وكذا كل الأطر والفعاليات الرسمية والشعبية الفلسطينية على رفض كل مشاريع التوطين التي طرحت على مدى العقود الماضية.
ثانيا- يجب ان يدرك هؤلاء المتذمرين من وجود اللاجئين الفلسطينيين في بلاد الغربة، ان السبب الرئيسي لاستمرار قضية اللاجئين دون حل يعود الى التحالف الأميركي الصهيوني الغربي الذي يرفض حلا عادلا للقضية الفلسطينية وفق قرارات الشرعية الدولية التي تضمن حق اللاجئين في العودة. والبداية كانت في الاستعمار البريطاني والغربي، وعدم معرفة حكام هذه البلاد العربية بما تخطط له الدول الاستعمارية الحاضنة للصهيونية ايام النكبة في العام ١٩٤٨م، عندما نصحت هذه الدول العربية الفلسطينيين باللجوء اليها تجنبا لبطش المنظمات الصهيونية التي ارتكبت بحق الشعب الفلسطيني المجازر في المدن والقرى الفلسطينية والتي بلغ عددها مايقرب من المائة وخمسين مجزرة موثقة في الامم المتحدة، ثم هزيمة جميع الدول العربية التي وعدت الفلسطينيين بان الجيوش العربية قادرة على هزيمة هذه العصابات الصهيونية والتي بلغ تعدادها ٦١ الف مقاتل اتوا من خارج فلسطين مدججين باحدث الاسلحة الفتاكة، مقابل عشرة الاف مقاتل من الجيوش العربية.
طبعا ً هذا ليس تقليلا من قدر الجيوش العربية، ولكن مع الاسف في تلك الحقبة من التاريخ كانت اغلب الدول العربية خارجة من الاستعمار البريطاني والفرنسي حديثا، ولم تكن جيوشها مسلحة تسليحا يجعلها قادرة على مواجهة هذه العصابات المدعومة من الاستعمار البريطاني وبعض القوى الغربية.
ثالثا- الشعب الفلسطيني ناضل وقدم التضحيات الجسام قبل النكبة دفاعا عن وطنه ووجوده ولكن مع الاسف لم يملك من السلاح والدعم ما يمكنه من هزيمة العصابات الصهيونية المدعومة. وللتذكير فقدكان الاستعمار البريطاني في فلسطين يعدم اي فلسطيني يجد معه اي قطعة سلاح.
رابعاً- على هؤلاء الزعماء او الجماعات الذين يلقون باللوم على اللاجئين في تردي وضع لبنان الاقتصادي ان يدركوا بان الفلسطينيين كانوا من اوائل من خدم الاقتصاد اللبناني ، وما عليهم الا قراءة ما كتبة الاخ طلال سلمان رئيس تحرير جريدة السفير اللبنانية، ودورهم في انشاء المصارف والبنوك. وبالطبع فان شعبنا الفلسطيني لا يمكن ان ينسى ما قدمه الشعب اللبناني من تضحيات باحتضانه الثورة الفلسطينية في الاراضي اللبنانية، وباحتضانه اللاجئين.
خامسا- من المهم ان نشير هنا الى ان جميع الدول المجاورة لفلسطين وقعت مع العدو الاسرائيلي في رودس وكريت اتفاقيات هدنة دائمة في العامين ١٩٤٩ و١٩٥٠م بدون مطالبتها بتضمين تلك الاتفاقيات شرط عودة اللاجئين الفلسطينيين الى بلادهم الأصلية فلسطين، حسب القرارالاممي رقم ١٩٤للعام ١٩٤٩م، مما كرس مأساة لاجئي العام ١٩٤٨م المتواصلة الى الان.
سادسا- الشعب الفلسطيني يسعى بكل الوسائل كي يعود الى بلاده فلسطين والتي كانت حاضنة لجميع شعوب المنطقة قبل العام ١٩٤٨م . وكما يرى الجميع فإن الفلسطينيين يقدمون منذ عقود قوافل الشهداء والجرحى والأسرى في نضالهم بصدور عارية في سبيل تحرير وطنهم وعودة اللاجئين الى ديارهم.
ورغم كل مؤامرات وخطط التوطين وتصفية القضية بقي شعبنا صامدا صابرا وبقي لاجئوه في مخيمات اللجوء القسرية البائسة ووسط القيود المفروضة عليهم يحملون مفاتيح بيوتهم التي هُجروا منها متطلعين لوطنهم فلسطين وللتحرير والعودة.
ونقول لكل الزعامات والتجمعات التي تشكو من وجود اللاجئين في بلادهاونطمئنها ان وجود اللاجئين مؤقت ، علما ان اللاجئين لا يكلفون هذه الحكومات اية مبالغ لان وكالة غوث وتشغيل الفلسطينيين تنفق على إقامتهم ، وايضا من التبرعات العربية والأممية... انها فقط اقامة مؤقتة وحتى يكون لهم وطن مستقل يستطيعون الإقامة فيه لانهم ببساطة يسعون الى الحرية والاستقلال كباقي شعوب العالم... والله المستعان.
* عضو المجلس الوطني الفلسطيني
** جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دار الحياة