تتأهب العاصمة الأمريكية واشنطن سياسيا لاستقبال الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، في زيارة رسمية مهمة جاءت بدعوة من الرئيس دونالد ترامب.
تناقش الزيارة عددا من الملفات ذات الصلة بتوطيد العلاقات الثنائية، ودعم التنسيق والتعاون فيما بين البلدين في المجالات الاقتصادية والعسكرية ومكافحة الإرهاب، وهي بلا شك قضايا نتائجها لا تؤثر فقط على طبيعة العلاقات الأمريكية المصرية، وإنما يمتد أثرها إقليميا ودوليا، حيث الولايات المتحدة كقوى عظمى، ومصر كقوى إقليمية ذات ثقل واستقرارها، يعني استقرارا عالميا.
بيان البيت الأبيض
بقراءة جيدة للبيان، الذي أعلنه مكتب الرئيس الأمريكي في التاسع والعشرين من مارس الماضي، بدعوة الرئيس السيسي لزيارة واشنطن، نجد أن البيت الأبيض قال “إنه سيتم إجراء محادثات حول تعزيز شراكتهما الاستراتيجية، والعمل على أولويات مشتركة في الشرق الأوسط، وإن الزعيمين سيناقشان البناء على التعاون العسكري والاقتصادي ومكافحة الإرهاب، وكذلك التكامل الاقتصادي الإقليمي ودور مصر الطويل الأمد كمحور أساسي للاستقرار الإقليمي.
هذا البيان، وفقا لمصادر مؤكدة، كتبه الرئيس ترامب بنفسه، وقال مسؤول أمريكي بارز لمراسل الغد من واشنطن خالد خيري، إن ترامب عندما يدعو قائدا أو رئيسا لزيارته فهو عادة لا يكتب البيانات بنفسه، وإنما ينقل ما يريد أن يقوله، على أن يتولى مكتبه مراجعة النص وعرضه عليه لإقراره في نهاية المطاف.
ويقول هذا المسؤول، إن الأمر يختلف إذا ما تعلق الأمر بشخصية لها مكانة إقليمية ودولية رفيعة، فيقوم حينها الرئيس شخصيا بصياغة خطاب الدعوة، وهذ ما حدث عندما قرر دعوة الرئيس السيسي، وهنا في البيت الأبيض وفِي الأوساط السياسية الأمريكية يعلمون ماذا يعني ذلك، ويدركون الأهمية التي يوليها رئيسهم لمصر قيادة وحكومة وشعبا.
فلسطين قضية العرب الأولى.. والجولان سورية عربية
يأتي الرئيس المصري إلى واشنطن حاملا معه الرؤى العربية والإسلامية، ولن أكون متجاوزا إذا ما قلت والرؤى الدولية أيضا فيما يخص القضية الفلسطينية والجولان السورية، حيث إن الزيارة تأتي بعد قمتين مهمتين مؤثرتين، الأولى هي القمة العربية الأوروبية، التي عقدت في شرم الشيخ، والثانية هي القمة العربية التي عُقدت في تونس، وفيهما تم التأكيد والإجماع على الموقف العربي والدولي الثابت تجاه استعادة كل الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وعلى رأسها إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
واعتبرت القمتان، أن حل القضية الفلسطينية ضروري ومهم، ليس فقط من أجل استقرار الشرق الأوسط، وإنما للاستقرار الدولي والأوروبي، وأن أي حل أو خطة لا تحمل هذه المبادئ والأسس فهي مرفوضة ولن يتم تنفيذها ولن يقبلها أحد، كما لن يقبل المجتمع الدولي والعربي القرار الأمريكي الباطل غير الشرعي بضم مرتفعات الجولان السورية العربية لسيادة الاحتلال الإسرائيلي، ومن هذه الركائز القانونية والأخلاقية والتاريخية ينطلق الرئيس السيسي بخطى ثابتة وواثقة في حواره في القمة المرتقبة مع نظيره الأمريكي داخل البيت الأبيض في التاسع من أبريل.
مكافحة الاٍرهاب ودعم التعاون الاقتصادي والعسكري
الولايات المتحدة تعلم أن مصر في عهد الرئيس السيسي تختلف تماما عن مصر ما قبل توليه الحكم بإرادة شعبية وفي انتخابات حرة نزيهة بشهادة المجتمع الدولي.
هنا في واشنطن يعلمون أن القيادة السياسية المصرية تقوم ببناء دولة قوية راسخة وثابتة، وتعمل في صمت لبناء قدرات الجيش المصري وتنويع مصادر تسليحه بدلا من الاعتماد فقط على السلاح الأمريكي.
يراقبون أيضا ما يجري من عمليات تطوير لكافة منشآت الدولة ومرافقها وأجهزتها وقبل ذلك رفع الوعي الجماهيري لاستيعاب المتغيرات على الساحة الإقليمية والدولية، وفَهمِ محاولات قوى الشر في استغلال تداعيات الإصلاح الاقتصادي وتأثيراته السلبية على الأسر المصرية.
إن عددا ليس بالقليل من المشرعين الأمريكيين يعلمون أنه إذا كانت مصر تحتاج أمريكا من أجل المساعدة في مجال مكافحة الإرهاب والتعاون العسكري وزيادة الاستثمارات داخل المحروسة، فإن أمريكا أيضا وبلا شك تحتاج مصر.
هنا في الأروقة السياسية والتشريعية الأمريكية يدركون تماما أن واشنطن تحتاج القاهرة أكثر من احتياج الأخيرة لها، يقول مارك ميدوز، أحد أبرز أعضاء مجلس النواب الأمريكي، إن الجيش المصري يحارب الاٍرهاب نيابة عن العالم، وإن مصر تتحمل وتتضحي بالكثير من أجل القضاء على البؤر الإرهابية والمجموعات المتطرفة في سيناء، وتطهير الشرق الأوسط من أفعال هذه الجماعات المجرمة.
ويضيف أن الكونجرس يدرك هذه الحقيقة عندما يتم الحديث عن مصر في بعض الجلسات الرسمية، التي تعقدها لجنة الشؤون الخارجية في مجلسي الشيوخ والنواب.
إذا ما ترجمنا ما يجري من اتصالات وحوارات بين القاهرة وواشنطن في عهد الرئيس السيسي سنجد أن الشراكة وليس السمع والطاعة هي عنوان العلاقات بين الجانبين.