بدأت بولندا اليوم عملية انتخابية مصيرية، حيث يتوجه الناخبون إلى صناديق الاقتراع في جولة ثانية من الانتخابات الرئاسية التي ستقرر بشكل حاسم مسار البلاد المستقبلي، ليس فقط على الصعيد الداخلي، بل وتأثيرها على الديناميكيات الجيوسياسية في قلب أوروبا.
و لا يقتصر هذا الاستحقاق على اختيار رئيس فحسب، بل يلامس عمق القضايا الاجتماعية الحساسة، وفي مقدمتها قضية حق الإجهاض التي تشغل الرأي العام البولندي.
اقرأ ايضا: صراع بالبنتاغون: هل تُدفن "الحقائق المرة" لإنقاذ "القبة الذهبية"؟
وانطلقت عملية التصويت في الخامسة صباحًا بتوقيت غرينتش، لتستمر حتى السابعة مساءً، في هذا البلد العضو في حلف الناتو، والذي برز كأحد أقوى الداعمين لأوكرانيا منذ بدء الأزمة الأوكرانية، مما يضيف بعدًا استراتيجيًا خاصًا لهذه الانتخابات.
وتتركز الأنظار على مرشحين يخوضان جولة الإعادة بحسابات دقيقة وتوقعات متقاربة:
رافال تشاسكوفسكي (53 عامًا)، رئيس بلدية وارسو الليبرالي والمؤيد بقوة للاندماج الأوروبي، الذي يمثل تيارًا يسعى لتعزيز العلاقات مع بروكسل والانفتاح على الحريات المدنية.
وكارول ناوروتسكي (42 عامًا)، المؤرخ القومي المدعوم من حزب "القانون والعدالة" (PiS) اليميني الشعبوي، والذي كان يمثله الرئيس المنتهية ولايته أندريه دودا. يركز ناوروتسكي على تعزيز السيادة الوطنية والقيم المحافظة.
وتعكس استطلاعات الرأي الأخيرة حجم المنافسة الشرسة، حيث يظهر ناوروتسكي متقدمًا بفارق طفيف للغاية بنسبة 50.1% من نوايا التصويت، مقابل 49.9% لـ تشاسكوفسكي.
هذا الفارق الضئيل يقع ضمن هامش الخطأ الإحصائي، مما يعني أن النتيجة النهائية قد تُحسم بفارق مئات أو حتى عشرات الأصوات، مؤكدة أن كل صوت يدلى به اليوم يحمل ثقلاً تاريخيًا.
ومن المتوقع أن تكشف استطلاعات الرأي الميدانية عن مؤشرات أولية للنتائج فور إغلاق صناديق الاقتراع، لكن الإعلان الرسمي عن النتائج النهائية لن يتم قبل يوم الاثنين، مما يبقي بولندا والعالم في حالة ترقب حتى الساعات الأخيرة.
ويحمل فوز أي من المرشحين تداعيات عميقة على المشهد السياسي والاجتماعي في بولندا، وعلى علاقتها بالاتحاد الأوروبي.
ففي حال فوز تشاسكوفسكي، سيشكل ذلك دفعة قوية للسياسات التي تتبناها حكومة رئيس الوزراء دونالد توسك، الرئيس السابق للمجلس الأوروبي.
هذا السيناريو قد يمهد الطريق لتغييرات اجتماعية جوهرية، مثل الاعتراف بالشراكات المدنية للأزواج المثليين، وتخفيف القيود المفروضة حاليًا على الإجهاض، والتي تعد من بين الأكثر صرامة في أوروبا، مما يعكس تحولًا محتملًا نحو ليبرالية اجتماعية أوسع.
أما إذا حسم ناوروتسكي السباق الرئاسي، فمن شأن ذلك أن يعزز موقف حزب "القانون والعدالة" الشعبوي، الذي حكم بولندا بين عامي 2015 و2023. هذا الفوز قد يدفع إلى إجراء انتخابات برلمانية مبكرة في محاولة لتغيير التوازن السياسي الحالي.
اقرأ ايضا: بين شروط كييف الحمراء ومطالب موسكو الحاسمة: مصير السلام يتحدد في إسطنبول
كما أن العديد من مؤيديه يدعمون تشريعات أكثر صرامة تجاه الهجرة، ويسعون بقوة لتعزيز سيادة بولندا داخل الاتحاد الأوروبي، ما قد يؤدي إلى توترات جديدة مع بروكسل.