يصل الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى بيروت اليوم الأربعاء، في زيارة رسمية تستمر ثلاثة أيام، يحمل خلالها ملفاً أمنياً بالغ الحساسية يتعلق بوجود السلاح الفلسطيني داخل المخيمات وخارجها.
يلتقي عباس خلال الزيارة بالرئيس اللبناني جوزيف عون، ورئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس الحكومة نواف سلام، في توقيت إقليمي دقيق يتزامن مع ضغط لبناني متزايد لضبط السلاح وحصره بيد الدولة اللبنانية.
اقرأ ايضا: في كلمته بالقمة العربية.. عباس يضع حمـ اس أمام خيار صعب
تأتي هذه الزيارة في أعقاب أحداث أمنية متكررة، كان آخرها إطلاق صواريخ من جنوب لبنان باتجاه المستعمرات الإسرائيلية، ما أعاد ملف السلاح الفلسطيني إلى صدارة الاهتمامات الأمنية اللبنانية.
ووجهت الحكومة اللبنانية تحذيراً صريحاً لحركة "حماس" من استخدام الأراضي اللبنانية في أي عمليات عسكرية ضد إسرائيل، وذلك بناءً على توصية من مجلس الدفاع الأعلى.
لم يقتصر الضغط اللبناني على الفصائل الفلسطينية، بل امتد ليشمل قراراً حكومياً حاسماً يقضي بتسليم سلاح "حزب الله" أو وضعه تحت إمرة الجيش اللبناني. هذا التطور فتح الباب واسعاً أمام معالجة شاملة لملف السلاح غير الشرعي في البلاد، وفي مقدمته السلاح الفلسطيني.
وأكد مصدر وزاري لبناني رفيع المستوى لـ"الشرق الأوسط" أن ملف السلاح الفلسطيني، سواء داخل المخيمات أو خارجها، أصبح من أبرز الملفات الأمنية التي تتطلب معالجة جدية وهادئة بعيداً عن أي تشنج.
وأشار المصدر إلى أن مرجعية الدولة اللبنانية في هذا الشأن واضحة ولا تقبل التأويل، وهناك التزام فلسطيني متكرر، سواء من الرئيس محمود عباس شخصياً أو من قيادات بارزة، بضبط السلاح واحترام السيادة اللبنانية.
لكن الإشكالية الكبرى، بحسب المصدر، تكمن في غياب آلية تنفيذية واضحة لهذا الالتزام، خاصة في ظل تعدد المرجعيات الفلسطينية داخل لبنان، ووجود فصائل لا تخضع مباشرة لسلطة الرئيس عباس، وبعضها مرتبط بأجندات إقليمية تثير قلق لبنان.
من جهته.. أكد سرحان سرحان، عضو القيادة السياسية ومنظمة التحرير الفلسطينية، أن ملف سلاح المخيمات لم يُطرح رسمياً بعد في اجتماعات لجنة الحوار اللبناني - الفلسطيني، لكنه سيكون جزءاً من حوار شامل إذا ما طُرح خلال لقاءات الرئيس عباس مع المسؤولين اللبنانيين.
وشدد سرحان على أن سلاح منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان منضبط بالكامل ويخدم أمن واستقرار المخيمات فقط، نافياً وصف المخيمات بأنها "جزر أمنية خارجة عن القانون".
وأكد رفض نزع السلاح بالقوة، محذراً من أنه قد يفتح باب مشاكل أمنية واجتماعية، ومؤيداً في الوقت نفسه ضبط السلاح بالتنسيق المستمر مع الدولة اللبنانية وأجهزتها الأمنية. واعتبر أن استقرار لبنان يمثل مصلحة فلسطينية بامتياز.
تجري حالياً اتصالات مغلقة بين الجانب اللبناني وقيادات فلسطينية مسؤولة، بهدف صياغة تفاهم لنزع السلاح من خارج المخيمات وضبطه داخلها، مع التشدد الكامل تجاه أي إطلاق صواريخ أو تحركات مسلحة خارجة عن السيطرة.
إلا أن هذه الجهود تواجه تعقيدات جمة. فبحسب مصادر فلسطينية مطلعة، تثير مشاركة السلطة الفلسطينية، وتحديداً حركة "فتح"، في صياغة هذه الخطة تحفظات من بعض الفصائل الفلسطينية التي تتبنى مواقف سياسية وأيديولوجية مختلفة، خاصة في ظل غياب مظلة وطنية فلسطينية موحدة داخل لبنان.
وتلفت المصادر إلى أن المفاوضات مع المجموعات الإسلامية الجهادية المنتشرة في بعض المخيمات تبدو محدودة التأثير، حيث ترفض هذه الفصائل تسليم سلاحها ما لم تُقدَّم لها ضمانات واضحة بشأن مصير أعضائها المطلوبين، معتبرة أن أي خطة لنزع السلاح دون تسوية شاملة هي محاولة لإضعافها وإقصائها قسراً.
اقرأ ايضا: نتنياهو يقلب الطاولة: لا هدنة شاملة بل "ممر آمن" للأسير ألكسندر
وتأتي هذه الزيارة في ظل تصاعد التوتر على الأرض، حيث اندلعت اشتباكات عنيفة مساء الاثنين داخل مخيم شاتيلا في بيروت بين مجموعات محلية مرتبطة بتجارة المخدرات، أسفرت عن سقوط قتيلين وجريحين، ما يؤكد حجم التحدي الأمني الذي يواجهه لبنان في مسعاه لضبط السلاح غير الشرعي.