يبدو أن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، قد اختصر السياسة التي سيعتمدها في منطقة الشرق الأوسط من اختياره المبكر لسفير بلاده لدى إسرائيل حاكم أركنساس السابق مايك هاكابي.
"هاكابي" معروف بمواقفه اليمينية المتطرفة ضد الفلسطينيين وأراضيهم المحتلة، وجاء تعينه بعد 3 أيام فقط من إعلان نتائج الانتخابات الأميركية.
ترامب، عيّن سريعاً أيضاً كبير الموظفين لدى وزارة المالية الإسرائيلية يشيئيل لايتر، المولود في الولايات المتحدة والمعروف بنشاطاته الاستيطانية في الضفة الغربية المحتلة، التي يسميها "يهودا والسامرة" على غرار هاكابي، الذي يرفض أيضاً استخدام عبارة "مستوطنات" على ما يعده "مدناً وبلدات وقرى ومجتمعات إسرائيلية" في أرض "إسرائيل التاريخية".
ووفقًا لصحيفة "هآرتس" العبرية، كان هاكابي ناشطاً في "رابطة الدفاع اليهودية" التي أسسها الحاخام اليميني المتطرف مائير كاهانا، وتتخذ من الولايات المتحدة مقراً لها.
واستقبل هذا التعيين لبعض "أبطال إسرائيل" الأميركيين بفرح من وزيرين من أقصى اليمين في حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
إذ كتب وزير المالية المتطرف بتسلئيل سموتريتش - على منصة "إكس" - رسالة تهنئة إلى هاكابي بوصفه "صديقاً مخلصاً ومتفانياً".
بينما كتب وزير الأمن القومي المتطرف أيضاً إيتمار بن غفير اسم "مايك هاكابي" برموز تعبيرية على شكل قلب.
وخلال الفترة التي سبقت الانتخابات، لم يبذل نتنياهو أي جهد لإخفاء تفضيله مرشح الجمهوريين، لاعتقاده أن ترامب رئيساً سيمنح إسرائيل حرية التصرف في إدارة أمنها القومي ومواصلة حروبها ضد الميليشيات الموالية لإيران في المنطقة، وفقاً لمسؤولين أميركيين.
كان من المفارقة أن ترامب سمى هاكابي سفيراً في إسرائيل، والمستثمر العقاري ستيفن ويتكوف مبعوثاً خاصاً للشرق الأوسط قبل أن يرشح السيناتور ماركو روبيو وزيراً للخارجية.
وبينما يستعد ترامب لدخول المكتب البيضاوي مجدداً في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل ومواجهة الصراعات المستحكمة بالشرق الأوسط، توحي تعييناته لملف السياسة الخارجية أنه سيعتمد نهجاً راديكالياً في التعامل مع القضايا التي تهم إسرائيل ومصالحها الاستراتيجية.
"روبيو" هو الآخر أكد أنه يؤيد الحرب الإسرائيلية في غزة، ملقياً تبعات العدد الهائل للضحايا بين المدنيين الفلسطينيين على حركة "حماس" التي "تستخدمهم دروعاً بشرية".
لكنه أكد أنه "ليس هنا ليرسم سياسة، بل لتنفيذ أجندة الرئيس ترامب". وكذلك فعل هاكابي الذي قال: "لن أضع السياسة. سأنفذ سياسة الرئيس".
ومع ذلك، أعطى هاكابي إشارة إلى ما يتوقعه من هذه السياسة، مستشهداً بقرار إدارة ترامب الأولى بنقل السفارة الأميركية إلى القدس، والاعتراف بمرتفعات الجولان السورية المحتلة كأرض إسرائيلية، في قرارات رحب بها اليمين الإسرائيلي بحرارة.
فيما رفضها الفلسطينيون وبقية المجتمع الدولي بشكل قاطع، وقال للإذاعة الإسرائيلية: "لم يفعل أحد أكثر من ذلك. نتوقع أنا والرئيس ترمب أن يستمر ذلك".
ودعم هاكابي "اتفاقات الإبراهيمية"، التي توجت جهود ترامب لتطبيع العلاقات بين إسرائيل وعدد من الدول العربية.
أما الآن، فلا يزال النهج الذي سيتبعه ترامب في التعامل مع الحرب في غزة غير واضح، ولكن الجناح اليميني في السياسة الإسرائيلية رحب بتعيين هاكابي.
واعتبر ذلك "نبوءة" بفترة أخرى من السياسة الأميركية المؤيدة بشدة لأهدافهم القديمة المتمثلة في الاحتفاظ بالأراضي المحتلة في الضفة الغربية وتوسيع المستوطنات.
وقال سموتريتش إن عام 2025 سيكون "عام السيادة" الإسرائيلية على "يهودا والسامرة"، مضيفاً أنه أصدر تعليماته للسلطات الإسرائيلية بالبدء في العمل التحضيري لضم الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وهذه المحبة الإسرائيلية لهاكابي لم تأت من عدم؛ فالرجل قس معمداني لديه خبرة قليلة في سياسات الشرق الأوسط، ولكنه قام بعشرات الرحلات إلى إسرائيل، بما في ذلك استضافة جولات إلى الأماكن المقدسة في البلاد، بل من سلسلة مواقف أخذت تتضح أكثر فأكثر بعد وقت قصير من مشاركته في حفل وضع حجر الأساس لإحدى كبرى المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية عام 2017 حين قال إنه "لا يوجد شيء اسمه مستوطنة. إنها مجتمعات، إنها أحياء، إنها مدن"، كما أنه "لا يوجد شيء اسمه احتلال".
وقال هاكابي في العام التالي إن إسرائيل لديها "سند ملكية أعطاه الله لإبراهيم وورثته على يهودا والسامرة"، أي الضفة الغربية المحتلة عندما احتلتها إسرائيل في حرب الشرق الأوسط عام 1967.
وكانت إدارة ترامب الأولى أعلنت عام 2019 أنها لا تعد المستوطنات الإسرائيلية غير قانونية بموجب القانون الدولي، وهو ما يتناقض مع عقود من السياسة الأميركية.
وعُدّت قرارات أخرى، بما في ذلك خطة السلام لعام 2020 التي أعطت الضوء الأخضر لضم المستوطنات الإسرائيلية، أكثر ملاءمة للمستوطنين من أي إدارة سابقة.
ولعل حجة هاكابي لصالح ما يسمى "حل الدولة الواحدة" تتناقض مع الدعم الرسمي الأميركي الطويل الأمد لإنشاء دولة فلسطينية على أساس "حل الدولتين"، وهو لم يدعم قط "حل الدولتين" حتى عندما أيد نتنياهو الفكرة عام 2009.
ولم يكن هاكابي وحيداً في تعيينات ترامب المؤيدة لإسرائيلي، حيث سيشغل ويتكوف، وهو أيضاً صديق قديم لترامب في لعبة الغولف.
وكان معه خلال محاولة الاغتيال الثانية في سبتمبر (أيلول) الماضي، منصب المبعوث الأميركي الخاص إلى الشرق الأوسط.
وليس لويتكوف خبرة واضحة في السياسة الخارجية، لكنه أشاد دائماً بتعاملات ترامب مع إسرائيل، إذ قال خلال الصيف الماضي إن "قيادة ترامب كانت جيدة لإسرائيل والمنطقة بأكملها".
وأضاف أنه "مع الرئيس ترامب، شهد الشرق الأوسط مستويات تاريخية من السلام والاستقرار. القوة تمنع الحروب. تم قطع أموال إيران مما منع تمويلها للإرهاب العالمي".
وعندما يتعلق الأمر بإيران، فإن ولاية ترامب الأولى في منصبه كانت محددة بحملة "الضغط الأقصى"، إذ انسحب عام 2018 من الاتفاق النووي الذي أنجزه الرئيس السابق باراك أوباما عام 2015، وسعى إلى إضعاف النظام الإيراني من خلال تكثيف العقوبات واغتيال قائد فيلق القدس لدى الحرس الثوري الإيراني الفريق قاسم سليماني.
وهذه المرة، يبدو ترامب أكثر استعداداً للضغط على إيران بشكل أقسى، حيث يضم حكومته صقوراً من ذوي التفكير المماثل مثل روبيو، بالإضافة إلى مرشحه لمنصب مستشار الأمن القومي مايكل والتز.
وكان هاكابي قد شَبَّه في عام 2015 الاتفاق النووي الإيراني باقتياد الإسرائيليين إلى "باب المحرقة" النازية أثناء الهولوكوست.
وقال خلال مناسبة مع الزمالة الدولية للمسيحيين واليهود إنه "رغم فظاعة النازيين، فإنهم لم ينشروا فظائعهم على وسائل التواصل الاجتماعي، ويحاولوا الترويج لما كانوا يفعلونه للعالم".
وأضاف: "هذا ما يجعل هذا الشيء المروع الذي فعلته (حماس) عام 2023 أسوأ بكثير، بالنسبة لي، لأنهم يريدون من الجميع أن يرى ما فعلوه".
كما اختار ترامب بطلة أخرى لإسرائيل، وهي النائبة الجمهورية عن نيويورك أليز ستيفانيك، لتكون المندوبة الأميركية الدائمة لدى الأمم المتحدة.
وبعد هجوم "حماس" ضد المستوطنات والكيبوتزات الإسرائيلية المحيطة بغزة في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، ظلّت ستيفانيك منتقدة صريحة لتعامل الأمم المتحدة مع الحرب.
كما تصدرت عناوين الأخبار لمواجهتها رؤساء الجامعات الأميركية خلال تحقيقات الكونغرس حول معاداة السامية في الأحرام الجامعية عام 2023.