في أعقاب انسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي من مدينة خانيونس جنوبي قطاع غزة، بدأ عدد من سكان بالعودة إلى ديارهم، غير أن صدمتهم كانت كبيرة، بعد أن وجدوا أن المكان الذي وجدوه لا يشبه الذي تركوه، بعد أشهر من الحرب المدمرة.
اجتياح القوات الإسرائيلية دام لأكثر من أربعة أشهر، وكان كفيلًا بإحداث دمار هائل حل بالمنازل والطرق والبنية التحتية والمرافق والمباني العامة والخاصة.
المدينة الأكبر في القطاع، عاش فيها نحو 400 ألف شخص قبل السابع من أكتوبر، لكن أصبحت المدينة الآن في حالة من الدمار الهائل، بعد أشهر من القصف والقتال العنيف بفعل العدوان الإسرائيلي المتواصل على القطاع.
وفي حديثه لصحيفة "واشنطن بوست"، قال عامل إغاثة فلسطيني، بشرط عدم الكشف عن هويته لأنه غير مخول بالتحدث مع الصحفيين: "لم أتمكن من التعرف على المكان، حتى الشوارع لم تعد كما كانت".
ويضيف أن منزله "اختفى"، وحلت مكانه أكوام من الحديد والأسمنت، قائلًا: "لم يكن هناك أي شيء قابل للإنقاذ"، بعد أن تعرض المنزل، حسب تقديره، لضربة جوية ثم دُمر بالجرافات، وحرقت البيوت الأخرى.
وبعد مرور 6 أشهر على هجوم السابع من أكتوبر واندلاع الحرب المدمرة في غزة، أعلن الجيش الإسرائيلي - في بيان الأحد الماضي - عن سحب كل ألويته باستثناء لواء واحد من جنوب غزة، فيما يمثل نقطة تحول واضحة في الصراع.
ومع ذلك، فإن هذه العودة إلى الديار ليست بالنسبة لسكان خانيونس عودة إلى الحياة الطبيعية، بعد أن قتل أكثر من 33 ألف شخص في غزة حتى الآن، وفقًا لوزارة الصحة في غزة.
وأظهرت صور الأقمار الصناعية الصادرة عن الأمم المتحدة أن 12.710 مبنى في المدينة قد دمر.
رأفادت "واشنطن بوست"، بأن عامل الإغاثة الذي تحدثت إليه كان قد استعار سيارة "جيب" من صهره ليقودها إلى خانيونس من بلدة المواصي الساحلية، الأحد، حيث فر هو وزوجته وأطفاله الستة الشهر الماضي، خشية تعرض مكان لجوئهم السابق "رفح" لهجوم إسرائيلي جديد.
وقال إن حجم الأضرار جعل التنقل صعبًا، موضحًا أن "الطرق القديمة التي كان يعرفها جيدًا دمرتها الغارات الجوية أو أغلقتها الأنقاض"، بالتالي سلك طريقًا ملتويًا ووجد أحيانًا ما يشبه طرقًا جديدة شقتها الدبابات الإسرائيلية.
بموازاة ذلك، أفادت صحيفة "نيويورك تايمز"، بأن انسحاب القوات البرية الإسرائيلية من جنوب غزة، سمح لبعض الفلسطينيين بالعودة إلى المدينة وتفقد منازلهم، إلا أن بعضهم لم يجد سوى الدمار.
وقال الدكتور أحمد الفرا، الذي عاد يوم الأحد ليجد فيلا عائلته المكونة من ثلاثة طوابق قد تحولت إلى كومة من الأنقاض، وتحيط بها الأشجار القليلة المتبقية: "عندما رأيت المشهد لم أستطع التعامل معه".
وأضاف: "لقد انهرت تمامًا وكدت أفقد وعيي"، موضحًا أن زوجته وابنتيه المراهقتين انفجا بالبكاء، بعدما رأين ما تبقى من المنزل.
وتابع: "لقد تم تدمير خان يونس كما لو اندلعت فيها الحرب العالمية الثانية أو حتى أسوأ من ذلك"، مضيفا أن الكثير من الناس عادوا إلى خان يونس، الأحد، وسرعان ما أدركوا أن البقاء في منزلهم لم يكن ممكنا.
ولكن مثل العديد من سكان غزة الآخرين الذين لجأوا إلى رفح، قال إنه يخطط قريبًا لنقل خيمة عائلته إلى مكان ما في خانيونس، إذ يخشى هو وآخرون من تعهد إسرائيل باجتياح رفح.
من جهتها، تقول نعمة أبو عزوم، 45 عاما، إن عائلتها تخطط للعودة إلى خانيونس من رفح هذا الأسبوع، وهي رحلة يبلغ طولها حوالي ستة أميال يقوم بها الناس سيرًا على الأقدام، أو على عربات تجرها الحمير، أو في حالات نادرة، بالسيارة.
غير أنها أوضحت أن العودة إلى الديار التي طال انتظارها لن تكون ما حلموا به منذ الإخلاء إلى رفح، في وقت مبكر بعد اندلاع الحرب.
فيما قال أكرم السطري، 47 عاما، الذي تنقل من رفح لتفقد منزله، الاثنين، إن عددًا قليلًا جدًا من المنازل ما زالت سليمة في خانيونس، مشيرًا إلى أن التجول في المدينة كان "صعبا للغاية".
وأضاف السطري، أن بعض الأشخاص تمكنوا من انتشال رفات أحبائهم من المنازل المنهارة، لكنهم لم يتمكنوا من التعرف عليهم إلا من خلال ملابسهم، حيث كانت جثثهم متحللة.
وقال محللون في تقرير آخر لصحيفة "نيويورك تايمز"، إن انسحاب القوات الإسرائيلية يشير فقط إلى أن الحرب دخلت مرحلة جديدة، وهي مرحلة ستواصل فيها إسرائيل شن عمليات محدودة النطاق في أنحاء غزة لمنع عودة حماس.
واعتبروا أن هذه الاستراتيجية يمكن أن تشكل حلاً وسطاً بين التوصل إلى هدنة دائمة مع حماس والأمر بشن هجوم بري كبير على رفح، آخر معقل لحماس في جنوب غزة حيث لجأ أكثر من مليون فلسطيني.
وللشهر السادس على التوالي، يواصل جيش الاحتلال عدوانه على قطاع غزة برًا وجوًا وبحرًا، ما أسفر عن استشهاد أكثر من 32 ألف فلسطيني 70 % منهم من الأطفال والنساء، وفقًا لآخر حصيلة أعلنتها وزارة الصحة في غزة.
وتفرض إسرائيل حصارًا شاملاً على القطاع ومنعت إمدادات الغذاء والماء والوقود وغيرها من الاحتياجات الإنسانية عن أكثر من 2.3 مليون شخص هم إجمالي سكان القطاع.
وبفعل حربها البربرية على القطاع، تواجه إسرائيل ضغوطًا متزايدة من حلفائها الغربيين لوقف الهجوم العسكري في غزة الذي أدى إلى تدمير جزء كبير من القطاع الساحلي المكتظ بالسكان.