الطَّواف العربي تحت ظِلالٍ إسرائيلية وضمن عودة فلسطينية مدوية

مشاركة
بقلم : د. لبيب قمحاوي بقلم : د. لبيب قمحاوي
10:26 ص، 07 فبراير 2024


[email protected]
 
الآن وبعد أن تنازلت معظم الانظمة العربية طَوْعاً عن القضية الفلسطينية، وإلى الحد الذي يسمح بل ويقبل بتسليم مقاليدها  لإسرائيل لتصبح هي صاحبة القول الفصل فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية والفلسطينيين، وإعتبار ذلك الموقف العربي ُمتَمِماً للموقف الاسرائيلي ضمن حالة متفاقمة من الضعف السياسي العربي َوَوهْن الارادة الوطنية الذي حَوَّل تلك الدول إلى ُمتَلقِّي للإشارات والتعليمات والسياسات بدلاً عن أن تكون صانعة لها، الأمر الذي أفقدها بالتالي القدرة على التصدي لأية تطورات أو قرارات قد لا تكون في مصلحتها الوطنية أو قد لا تنسجم مع مصالحها القومية .
من الصعب جداً إستعمال المنطق السائد وجدلية الخطأ والصواب وأولوية الحق المعمول بهم حالياً في العالم لتبرير أو تفسير ما جرى  ويجري في فلسطين و للفلسطينيين،  أو  في محاولة  فهم الموقف  الأمريكي والغربي منها  بما  في ذلك تبريرهم للدعم المطلق المتواصل للكيان الاسرائيلي ضمن تلك المفاهيم السائدة على حساب حقوق  أهل  الأرض الأصليين على الرغم مما يشكله ذلك الدعم من مخالفة للشرائع الدولية والقوانين الانسانية المعمول بها.
ينطلق الدعم الأمريكي  والغربي  المفتوح والمطلق للكيان الاسرائيلي من مفهوم غريب مستوحى من فظائع الحرب العالمية الثانية ومن انتصار أمريكا والغرب  في تلك الحرب وتفردهم بالتالي في ادارة  شؤون  العالم مما مَكَّنَهُم من فرض ذلك المفهوم الغريب الذي يؤكد "حق" اليهود  حصراً  في تعويضهم عن ما جرى لهم خلال الحرب العالمية الثانية متجاهلين ما أصاب الآخرين من فظائع خلال نفس الحرب،  ويُكَرَّس ذلك الحق بإعتباره  الاكثر اهمية على إطلاقه وأنه بذلك اكثر أهمية سواء من معاناة باقي  الشعوب أو من القانون الدولي نفسه أو من أن يتم  إختزاله حصراً  بإعتباره حالة من الصراع المتجدد مع الفلسطينيين أصحاب الأرض التي تم الاستيلاء عليها واستعمارها من قبل اليهود الصهيونيين، علماً  أن  ذلك الاحتلال يتنافى و منظومة القوانين والشرائع الدولية المعمول بها  والتي لا تجيز  احتلال  أراضي الغير بالقوة .
 إن حالة الصراع تلك قد  ابتدأت طبقاً للقوانين المرعية  كمحصلة وكنتيجة لتعارض هدف انشاء الدولة الصهيونية وهو الاساس والأهم بالنسبة لأمريكا والغرب مع الحقوق الوطنية والانسانية للشعب الفلسطيني . وفي هذا السياق، اختارت اسرائيل  أصلاً رفض وجود الشعب الفلسطيني جملة وتفصيلاً  كحل لهذه المعضلة،  في حين اختارت أمريكا والغرب تجاهل الحقوق  والمطالب  الوطنية الفلسطينية  المستندة  إلى  القوانين  والانظمة  المرعية بل واكثر من ذلك  أنها  اعتبرت  أن التجاوزات  الاسرائيلية على تلك الحقوق والمطالب الفلسطينية هي  أمراً يمكن الصمت عليه وقبوله والتعامل معه ومع حيثياته،  مما  فتح  الباب  أمام واقع جديد يعترف،  ولو ضمناً،  بأن اسرائيل فوق القانون الدولي .
إن تفاقم الوضع الاسرائيلي يعود بالإضافة إلى ما سبق إلى النمو المضطرد في القوة العسكرية الاسرائيلية الأمر الذي جعلها إحدى القوى الأقوى  إقليمياً والمحمية بستارٍ قويٍ من النفوذ العسكري والسياسي الأمريكي الذي سَمَحَ لإسرائيل بالتصرف فوق القانون الدولي والانساني بإعتبار ذلك حقاً من حقوقها، الأمر الذي جعل من قدرة معظم الأطراف والمؤسسات الدولية على التعامل مع اسرائيل خصوصاً عندما تقوم بمخالفة القانون  الدولي بشكل فاضح   أمراً  مُرْبكا  إن لم يكن مَدْخلاً  لأزمةٍ قانونية وأخلاقية لا يمكن تبريرها .
لقد رافق تنامي الدعم الأمريكي والغربي للكيان  الاسرائيلي  نمواً  ملحوظاً في الغرور الاسرائيلي وفي الصَلَف والعنصرية الملحوظة والمتعددة الجوانب في تعامل الاسرائيليين مع الفلسطينيين والاصرار على اعتبارهم  كماًّ  لا قيمة له من منطلق أن الفلسطينيين غير موجودين كشعب  وبالتالي لا حقوق مشروعة أو مطالب وطنية لهم . وهذا  الموقف العنصري بإمتياز  قد أدخل الاسرائيليين في خلاف واضح مع كافة الحكومات والشعوب التي تؤمن بأن للفلسطينيين حقوقاً وطنية وإنسانية يجب احترامها وتلبية مطالبها .
إن الاشتراك في التراث الاجرامي وفلسفة إبادة الشعوب الأصلية صاحبة الأرض هي ما يميز العلاقة التاريخية الوثيقة التي تجمع اسرائيل وحليفتها الاكبر أمريكا في جهود تعزيز استعمار فلسطين وفرض الوجود الاسرائيلي عليها وعلى العالم أجمع، ومن العبث محاولة تفسير تلك العلاقة بأي شئ آخر سوى تطابق المصالح المستند إلى إرث تاريخي دموي يجعل من اسرائيل نسخه جديدة من أمريكا القديمة .
لقد رافق كل ذلك الخضوع والخنوع العربي قبولاً صامتاً بعودة الاستعمار بأشكال وعناوين مختلفة تتراوح بين التبعية السياسية المطلقة أو من خلال قواعد عسكرية بسيادة أجنبية كاملة، أو من خلال ارتهان اقتصادي أو مالي شامل ومستمر، أو كل هذا وذاك وأكثر من الأنماط المختلفة للإستعمار الجديد التي أصبحت هي واقع الحال في معظم الدول العربية الغنى منها والفقير، مما يبعث على التساؤل، لماذا؟؟
من الخطأ الافتراض بأن عودة الاستعمار إلى المنطقة هو قرار يعكس الحق السيادي لأي دولة في اختيار المسار الذي تريده سياسياً أو إقتصادياً . فالقرار  بإختيار التبعية لدولة كبرى هو في العادة خيار نظام الحكم لبعض الدول المعنية، وليس بناء على  قرار أو رغبة  شعبية .
إن ما يجري الآن من مذابح في غزة وتدمير ممنهج لكل أسس الحياة فيها وكذلك الحال بالنسبة للضفة الفلسطينية المحتلة، ليس تطوراً مفصولاً أو منعزلاً عن سياق ما جرى ويجري في المنطقة بقدر ما هو استمراراً للمسيرة الدموية للكيان الاسرائيلي في علاقَتهِ مع الشعب الفلسطيني وفي نهج الابادة التي يتبعها تجاه عروبة فلسطين والفلسطينين . إن الدعم الأمريكي المفتوح  للكيان الصهيوني ومساره الاجرامي يأتي في جَوْهَرِهِ ترجمة للعلاقة الأثمة بين هذا الكيان وما يمثله مع أمريكا والغرب مجتمعين في علاقتهم مع الفلسطينيين ودول العالم العربي .