بالصورلتعزيز الهوية الفلسطينية.. بإبرة وخيطان تُحيك علا أثواب التراث الفلسطيني بلمسات عصرية

مشاركة
أمل الوادية: خاص دار الحياة  09:27 ص، 12 يونيو 2022

 عريقٌ كجذور شجرة الزيتون الراسخة في بطن الأرض، توراثته الأجيال جيل عن جيل، وامتدت مهنته كل قرى ومدن فلسطين، كشامةٌ بهيةٌ تحمل هوية كل فلسطيني، إنه الثوب الفلسطيني، إذ تُبدع علا في نسج خيوط المطرزات التراثية بأناملها الفنية، وتعكف داخل غرفة في بيتها ساعات طويلة، لتخرج بقطعة تراثية ممزوجة بين عراقة الماضي وأصالة الحاضر، لتحافظ على ديمومة الثوب التراثي الفلسطيني.

موهبة أحيتها الحرب التي شُنت على قطاع غزة عام 2014 وكان أشدها قسوة على حي الشجاعية حيث تقطن علا الضبة وعائلتها، فبعد قصف منزلها اضطرت للنزوح إلى مراكز الإيواء، ومن هنا بدأت حكايتها بين حماية التراث الفلسطيني وهزم محاولات الاحتلال الإسرائيلي في سرقته، وبين السعي لجلب مصدر رزق لعائلتها في ظل الوضع الاقتصادي الصعب.

بذور الحكاية داخل غرفة مركز الايواء للمتضررين من الحرب، ألهمتها موهبتها للشروع في التطريز الفلسطيني، تقول: "استغليت موهبتي التطريز الفلاحي بعد انتهاء حرب عام2014 حين ضاق علينا الحال، فبدأت أسال النسوة داخل مركز الايواء برغبتهن لشراء مثل هذه المشغولات، فوجدت ترحيب ودعم منهن، وهذا شجعني للتنفيذ والعمل لهن، لتلبية حاجة أطفالي دون أن أمد يدي لأحد، خاصةً بعد مرض زوجي وعدم قدرته على العمل."

ذات يوم بين ممرات مركز الايواء كانت علا جالسة تُحيك بيديها قطعة قماش، الأمر الذي أثار فضول الأجنبية الزائرة عن عملها ليُجيبها مرافقها قائلاً: "بتشتغل تراثهم، هذه هويتهم التي يُحيونها لجلب مصدر رزق"، أُعجبت الأجنبية بمشغولات علا، وقامت بعمل معرض لها على مستوى أربع مراكز إيواء، تخلله حضور العديد من الشخصيات. تضيف علا: "بعد عدة أشهر من انتهاء الحرب خرجت وأسرتي من مركز الايواء إلى بيت إيجار، راودني حينها اتصال من جمعية أهلية منحتني تدريب بمعرفة التطريز لمدة أسبوعين، ثم أرسلوا اسمي لمؤسسة فارس العرب لاجتاز تدريب كيفية ريادة مشروع صغير وتم اختياري لتمويل مشروعي والحمد لله رب العالمين."

أثناء التدريب كانت قد سجلت علا في مؤسسة سيدات لريادة الأعمال القائمة في الضفة الغربية، وتم قبولها لتخضع لتدريب مكثف لمدة ست أشهر للبدء بتنفيذ مشروعها بطريقة مدروسة، وفي سبتمبر عام 2016 طلبت المؤسسة منها المشاركة في معرض لإحياء الموروثات الفلسطينية بالضفة ووافقت. تُكمل حديثها: "كان أول معرض أشارك فيه ويرى العالم أعمالي التراثية، ومن خلاله تواصل معي الكثير من الشخصيات خاصةً من الجالية الفلسطينية بالخارج، وتعرفت على أشخاص أجانب من ألمانيا وتركيا، وبدأت أعمل طلبيات وأرسلها لهم لغاية الآن."

 منتجاتها التراثية أنتجت علا بأدواتها البسيطة "ابرة وخيط وقطعة قماش" محفظات تراثية مميزة، ومشغولات يدوية كالأثواب والشالات التراثية والخشبيات والحقائب والاكسسوارات المطرزة، لم تقف عند نمط أو شكل معين بل واكبت العصر بلمساتها الفنية، دفعها ذلك لتنشر منتجاتها عبر صفحتها على مواقع التواصل الاجتماعي. تصف شعورها بعينين مملؤتين بدموع فرح: "حين أنتجت أول مرة محفظة تراثية، شعرت بالفخر من نفسي لأنني لم أحتاج أحد، اشتغلت وحصدت ثمار تعبي ولبَّيتُ احتياجات أبنائي، فكان شعوري لا يوصف الحمدلله."

عوائق لطمس التراث لا تزال إسرائيل تحاول بكافة الطرق طمس التراث الفلسطيني والحد من انتشاره، لذلك تعمل على غلاء أسعار المواد الخام، وترفع سعر تكلفة شحن المطرزات التراثية للخارج، تقول علا: "إن أكبر عائق لا زلت أواجه حتى الآن هو التكلفة العالية التي تفرضها إسرائيل أثناء التصدير، لأن المنتجات جميعها تمر عبر معبر ايرز، فرغم ذلك صدرت بعضًا من منتجاتي لفنلندا وتركيا ودبي، وأعمل حالياً للتصدير إلى هولندا."

محاولة سرقة التراث ذات مرة كانت تتابع علا محطة الأخبار أثار غضبها مشاهد ارتداء مجندات الاحتلال الإسرائيلي للثوب الفلسطيني ونسبه لهم وكأنه تراثهم، هذا ما جعلها تهتم أكثر بالتراث الفلسطيني ومطرزاته، تقول: "الاحتلال الإسرائيلي لم يكتفي بسرقة أرضنا بل يحاول أيضًا سرقة تراثنا الفلسطيني، وتزويره وترويجه لهم، ليخدم مصالهم في الصراع عبر مشاركات صهيونية في مؤتمرات تراثية دولية."

هذا هو الدافع الأكبر الذي جعل علا تهتم أكثر بالتراث الفلسطيني، تضيف: "أرض فلسطين والتراث الفلسطيني لنا، ومهما فعل الاحتلال لن ينجح في سرقة ممتلكاتنا، وسنبقى موجودين على أرضنا لإحياء تراثنا بمشغولاتنا اليدوية وتعزيز هويتنا الفلسطينية."

إحياء التراث الفلسطيني شاركت علا في معارض تراثية محلية، وتلقت دعوات للمشاركة في المعارض الدولية لكن الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة حال دون تحقيق ما تتمنى، تُكمل: "في عام 2016 شاركت أول مرة في معرض لمركز شؤون المرأة بغزة، وسافرت 5مرات للقدس ورام الله للمشاركة في معارض تراثية، إلى جانب أنني تلقيت دعوات من الهند ومصر وغيرهما ولم أستطع السفر والمشاركة."

 وبعد عشر سنوات في مهنة التطريز الفلسطيني تهدف علا إلى أن يكون لها بصمة واضحة في المجتمع الفلسطيني، وتسعى لتطوير مشروعها "فلسطينيات" الذي يضم الآن 14 عاملة من ذوات الوضع الاجتماعي الصعب، ليحاول استيعاب أكبر قدر من الخريجين للحد من البطالة، ولتعزيز الهوية الفلسطينية والمحافظة عليها.