نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقالا للخبيرة غير المقيمة في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، زينة آغا، أشارت إلى إدراج إسرائيل ستة من أبرز المؤسسات الفلسطينية "إرهابية"، بأدلة غير كافية.
وأشارت الصحيفة إلى موافقة إسرائيل على بناء أكثر من 3 آلاف وحدة استيطانية جديدة في الضفة الغربية المحتلة، والإعلان عن خطط لمضاعفة عدد السكان المستوطنين في وادي الأردن بحلول عام 2026.
وأضافت أن التجريم الفعلي للمؤسسات الفلسطينية وتوسيع المستوطنات وجهان لعملة واحدة، والهدف واضح وهو إسكات المراقبة المستقلة لانتهاكات إسرائيل لحقوق الإنسان التي تقف بين الضم الكامل للضفة الغربية المحتلة والمساءلة الدولية.
فقد توسع عمل منظمات العمل الفلسطيني منذ التسعينيات، ليتخذ دور فضح ومقاومة جرائم الاحتلال الإسرائيلي. ولقد أصبح خط الدفاع الأخير. وسيكون من الصعب محاسبة إسرائيل إذا تم إسكات أو إضعاف أو القضاء على بعض أهم منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية.
وتعتبر المنظمات المستهدفة، الحق والحركة الدولية للدفاع عن الأطفال في فلسطين واتحاد لجان العمل الزراعي والضمير ومركز بيسان للبحوث والتنمية واتحاد لجان المرأة الفلسطينية، أركان المجتمع المدني الفلسطيني. ويتنوع عملها على نطاق واسع - من بين أمور أخرى، تسلط الضوء عليها الحركة الدولية للدفاع عن الأطفال في فلسطين، احتجاز الأطفال وإساءة معاملتهم في نظام المحاكم العسكرية، وتقدم مؤسسة الحق أدلة مهمة للمحكمة الجنائية الدولية من أجل تحقيقها في جرائم الحرب المزعومة التي ارتكبت في الضفة الغربية المحتلة وغزة. وتشكل معا جزءا من مجتمع مدني تتمثل مهمته في تمثيل وتقديم الخدمات لخمسة ملايين فلسطيني أو أكثر يعيشون تحت الاحتلال العسكري الإسرائيلي.
فلأكثر من عقود كان التوثيق الدقيق ولأكثر من ثلاثة عقود والرصد وجمع البيانات وحشد التأييد الدولي أمرا حيويا للكشف عن الواقع على الأرض، وغالبا ما يكون عناصر منظمات العمل المدني أول مصدر للدبلوماسيين والأمم المتحدة والمجتمع الدولي الأوسع الذي يعتمد عليها لتقييم ما يحدث في الأراضي المحتلة.
ونتيجة لعمل هذه المنظمات، قامت السلطات الإسرائيلية بمداهمة مستمرة لمكاتبها ومضايقة موظفيها ولسنوات. وفي شهر تموز/ يوليو الماضي فقط، داهم جنود إسرائيليون مكتب الحركة الدولية للدفاع عن الطفل الفلسطيني في مدينة البيرة بالضفة الغربية، وصادروا أجهزة كمبيوتر وأقراصا صلبة وملفات موكلين تتعلق بالأطفال الفلسطينيين المعتقلين الذين يمثلونهم في المحاكم العسكرية الإسرائيلية.
ولم تسلم منظمات حقوق الإنسان الدولية المعروفة بتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان الإسرائيلية من ذلك. ففي عام 2019، قامت إسرائيل بترحيل مدير هيومان رايتس ووتش في فلسطين، عمر شاكر، بعد معركة قانونية طويلة، وفي نفس العام فرضت حظر السفر على الناشط في منظمة العفو الدولية في الضفة الغربية ليث أبو زياد.
وتبدو هذه التكتيكات على ما يبدو جزءا من حركة مستمرة أوسع لنزع الشرعية عن المنظمات غير الحكومية الفلسطينية وإلغاء تمويلها وتخريبها بشكل دائم.
لقد تم توثيق تقليص مساحة المجتمع المدني الفلسطيني بشكل كبير. إنها جزء من حملة، تقودها الحكومة الإسرائيلية، بدعم من مجموعات مثل "NGO Monitor" و "UK Lawyers for Israel"، لنشر معلومات مضللة وملاحقة هذه المنظمات في المحاكم، واستهداف منظمات المجتمع المدني التي تراقب وتقاوم انتهاكات حقوق الإنسان الإسرائيلية، بما في ذلك استمرار التوسع في المستوطنات غير الشرعية.
ولا تقتصر هذه الهجمات على المجتمع المدني على المنظمات العاملة في إسرائيل وغزة والضفة الغربية. لقد وصلت إلى قاعات المحاكم والجامعات والمكاتب الحكومية في جميع أنحاء أوروبا وأمريكا الشمالية من خلال حملات التشهير وانتشار القوانين غير الدستورية المناهضة للمقاطعة والدعاوى القضائية التي تهدف إلى تشتيت واستنزاف المنظمات غير الربحية التي تتضامن مع المجتمع المدني الفلسطيني.
وتساءلت الكاتبة عن السبب الذي يدعو لوصف هذه المنظمات بـ"الإرهابية" والآن؟ لا شك أن أمريكا وأوروبا هما الجمهور المستهدف لهذا التصنيف. يبدو أن هدف إسرائيل هو استخدام البنية التحتية المترامية الأطراف لقوانين مكافحة الإرهاب التي تم إنشاؤها في جميع أنحاء العالم بعد 11 أيلول/ سبتمبر كسلاح تستهدف به المدافعين الفلسطينيين عن حقوق الإنسان من خلال تصنيف عملهم المشروع بأنه "إرهاب"، وبالتالي جعل منظماتهم وجهودهم وأفرادهم سامة لا يمكن التعامل معها، والأهم من ذلك، جعل تمويلها أصعب بكثير.
ولم تتضح بعد الآثار الكاملة المترتبة على هذا التصنيف، ولكنه بالتأكيد يفتح الباب أمام المزيد من المضايقات لموظفي وموارد هذه المنظمات، ما يزيد من خطر الاعتقال والمحاكمة المحتملة. علاوة على ذلك، إذا وافق المجتمع الدولي على تصنيف إسرائيل، فقد ترى هذه المنظمات نهاية جهودها للحصول على تبرعات.
وتقول إن هذه اللحظة هي شهادة على روح هذه المنظمات والتقدم المستمر الذي أحرزته. ومع ذلك، فإن التداعيات مثل التهديد الذي يتعرض له المدافعون الفلسطينيون عن حقوق الإنسان، والافتقار المحتمل للتدقيق في الانتهاكات الإسرائيلية والتعدي المستمر دون رادع على الأراضي الفلسطينية، كلها تنذر بأوقات أكثر قتامة في المستقبل. علاوة على ذلك، فإن تصنيف المنظمات التي ترصد الانتهاكات في الضفة الغربية المحتلة هو صرف متعمد للأنظار عن مشروع الاستيطان في الضفة الغربية الذي بدأ منذ أكثر من 50 عاما.
وتختم بالقول إن جماعات حقوق الإنسان الدولية أصدرت تصريحات قوية حول الطبيعة الاستبدادية والقمعية لمثل هذا الإجراء، مع دعوات لإلغاء التصنيف على الفور. وهناك أيضا معارضة في شكل قرار للكونغرس في مجلس النواب الأمريكي. وهذا أمر جيد، فوجود مجتمع مدني قوي هو سمة أساسية للديمقراطية السليمة. إنها الأنظمة الاستبدادية التي تسكت وتقمع مؤسسات المجتمع المدني.
وقد طلبت وزارة الخارجية الأمريكية (التي قالت إنه لم يتم إخطارها مسبقا بالقرار) توضيحا، ودعا المكتب المحلي لمفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، إسرائيل إلى "الاحترام الكامل للحق في حرية تكوين الجمعيات والتعبير، دون أي تدخل أو مضايقة ضد المنظمات أو موظفيها".
وبالمثل، أصدرت منظمات المجتمع المدني الفلسطيني وهيئات حقوق الإنسان الدولية دعوات لإسرائيل إلى الإلغاء الفوري لهذه التصنيفات. ويجب على أي شخص مهتم بحماية المؤسسات الديمقراطية أن يقف إلى جانبهم.
اقرأ ايضا: لماذا تمنع إسرائيل إجراء اختبارات الحمض النووي؟
** جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "دار الحيـــــــــاة"