يمثل بحر الصين الجنوبي والشرقي وأواسط آسيا لُب الخلاف الأميركي الصيني، فمن يتحكم بهما يحكم العالم. الخلاف الأميركي الصيني اليوم بدأ يتخذ مناحي وأشكالاً عدة، ولم يقتصر على البعد الاقتصادي فقط بل تعداه إلى الصراع على مناطق النفوذ وتوريط الطرف الآخر بمشاكل لا حصر لها في حرب استنزاف طويلة الأجل. فبعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان، بدأت الصين تنظر بشكل أكبر إلى محور تايوان لتتمكن بذلك من السيطرة على الملاحة في بحر الصين الجنوبي والشرقي للتحكم أكثر بالسفن العسكرية الأميركية في المحيط الهادي.
يرى نيل فيرجسون، الاستراتيجي الأميركي أن الولايات المتحدة نهجت منذ العام ١٩٤٥ سياسة الثعلب ذي الأهداف الكثيرة بينما نهجت الصين سياسة القنفذ أحادي الأهداف بتركيزها على القوة الاقتصادية. وتُعد تايوان كقناة بنما أو كقناة السويس بالنسبة للولايات المتحدة لأن من يتحكم بتايوان يتحكم باليابان وكوريا الجنوبية حيث القواعد الأميركية المهمة في المحيط الهادي.
تايوان جزيرة صغيرة في المحيط الهادئ مساحتها ٣٦ ألف كلم مربع وعدد سكانها قرابة الـ ٢٤ مليون نسمة وحجم الناتج المحلي الإجمالي وصل في نهاية العام ٢٠٢٠ إلى ١.٤ تريليون دولار أميركي. ولما كانت الصين حليفاُ لروسيا الاتحادية وفق مبدأ المصالح وعدو عدوي صديقي فقد وجدت الولايات المتحدة نفسها أمام معضلة كبيرة للسيطرة على المحيط الهادي أو خسارته للصين وحلفها. وهذا ما دفع إلى انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان وفق لعبة الشطرنج في انسحاب تكتيكي، بعد عقدين من الزمن.
جاء توقيت الانسحاب من أفغانستان لإرسال الرسائل إلى الصين وحلفها بعدم اللعب في مياه المحيط الهادي أو التفكير في السيطرة على تايوان في نوع من ممارسة الضغط غير المباشر على بيجنج وموسكو للعودة إلى التفاوض مع واشنطن على الكثير من الملفات الدولية. الصين تدرك أن الولايات المتحدة تريد توريط الصينيين في مستنقعات طالبان كما أن موسكو لا تريد الرجوع الى عش الدبابير في جبال تورا بورا. ولما كانت واشنطن تدرك أن للصين مطامع في بحر الصين الجنوبي والشرقي للسيطرة على الملاحة في مضيف تايوان وخاصة أمام السفن الأميركية، سعت واش?طن إلى فتح أكثر من جبهة توتر للصين ما قد يضعف قدرتها التفاوضية بما يجبرها على التنازل عن أوراق سياسية ما هنا أو هناك لصالح واشنطن.
لتايوان أهمية استراتيجية للولايات المتحدة لأن السفن الأميركية تمر عبر مضيق تايوان إلى اليابان وكوريا الجنوبية، الحليفتين الرئيسيتين في المحيط الهادئ. فبحر الصين الجنوبي والشرقي تمر فيه معظم شحنات الطاقة إلى اليابان وكوريا الجنوبية. ففي حال سيطرت بيجينج عليه، فإن إمدادات الطاقة إلى كوريا الجنوبية واليابان ستقل ما يؤثر على القدرات العسكرية والاقتصادية لكلا البلدين. لذلك يمكن للصين أن تمارس ضغوطاً سياسية اقتصادية عسكرية على الولايات المتحدة وحلفائها في تلك المنطقة للحصول على تنازلات سياسية وعسكرية واقتصادية مهمة.
أكثر من ٨٠ بالمائة من التجارة العالمية من حيث الحجم و٧٠ بالمائة من حيث القيمة يتم نقلها عن طريق البحر. وتمر٦٠ بالمائة من التجارة البحرية العالمية عبر آسيا، عن طريق بحر الصين الجنوبي الذي تعتبر مياهه ذات أهمية خاصة بالنسبة للصين وتايوان واليابان وكوريا الجنوبية.
فهل تتمكن الصين من الخروج من المأزق أو الفخ الأميركي في أفغانستان بالسيطرة على تايوان؟ وهل سنرى من يتحكم بتايوان وأفغانستان يتحكم بالعالم فعلياً؟
* إعلامي وسياسي أردني
** جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "دار الحيـــــــــاة"