فلسطين محفورةٌ في ألمانيا.. كيف ذلك؟ كلمات ربما يتفاجأ بها كثيرون يجهلون التاريخ العربي الفلسطيني.. حقاً ما هذه الدولة التاريخية التي تسابق الغزاة على مر العصور على القدوم إليها واحتلالها؟!..
كانت مصادفةً للاجئ الفلسطيني، حسان صفوري، الذي يعيش في ألمانيا، في أن يكتشفَ دليلاً بسيطاً في شكله كبيراً في معناه لكل الذين يعتقدون بأن اليهود لهم الحق في فلسطين .
اقرأ ايضا: "تصاعد الإسلاموفوبيا في ألمانيا".. تهديد بالقتل يطال أم مسلمة ورضيعتها "لارتدائها الحجاب"
قصة حسان مع الحجارة المعدنية
بدأت قصة حسان عندما كان يتمشى في أحد الأيام في أحد شوارع برلين على أرصفتها الحجرية المبلطة، حيث وجد عدداً من حجارتها ذات اللون النحاسي البراق، متناثرةً هنا وهناك، محفور عليها كلمات ألمانية، كتب عليها اسم وتاريخ وأيضاً دولة، وتسمى هذه الحجارة بالألمانية( stolpersteine) مكتوب عليها ضحايا النازية أكثرهم من اليهود.
وجد حسان هذه الحجارة وطنه الذي لم يراه، بسبب الإحتلال الإسرائيلي لفلسطين، الذي بدأ بالإعلان المزعوم "قيام دولة إسرائيل" على أرض فلسطين في 15 مايو 1948 .
يقول حسان: " بدأت القصة عندما كنت أمشي في أحد شوارع المدينة التي أعيش فيها، فلفت نظري حجارة الأرض لونها مختلف تماماً عن باقي الحجارة، مع علمي مسبقاً أنه يوجد حجارة وضعت تكريماً لأشخاص عاشوا في هذا المكان، لكن لم يكن لدي فضول من قبل أن أقرأ ماذا كُتب على هذه الحجارة؟
وأضاف: " في لحظة من اللحظات قررت الاقتراب أكثر من هذه الحجارة لكي أعرف ماذا كتب عليها، وفعلاً قرأتها وكانت الصدمة.. وجدت كلمة فلسطين مكتوبة باللغة الألمانية وأيضاً كلام آخر " هنا سكن فلان الفلان من مواليد سنة 1880 ، وكلمة FLUCHT)) أي هرب أو لجأ، ورقم (1933) وكلمة (Palästina) أي تاريخ لجوئه لفلسطين .
شكل ارتباط حسان العاطفي بهذه الحجارة شيئاً جميلاً في حياته، فبدأ يزورها كل مرة يزور موقعها ويلتقط لها العديد من الصور التذكارية، وقال حسان:"بعد فترة وجدت نفسي كل يوم أمشي من هذا الشارع، وأجد نفسي مضطراً لكي أذهب لذلك المكان ( الحجارة الرمزية) لأشاهدها مرة أخرى وألتقط لها الصور التي وصل عددها حتى أكثر من 20 صورة" .
وأضاف حسان:" المفارقة أني وجدت نفسي أبحث على الفيسبوك على أسماء العائلات التي نقشت على الحجارة، وكانت المفاجأة أني وجدت أسماء من مدينة القدس المحتلة".
حوار حسان مع ألماني
وأكمل: في أحد الأيام سألت أحد المارة الألمان سؤالاً، هل من الممكن أن تشرح لي قصة الحجارة على الرصيف، والمكتوب عليها؟ .
فبدأ الرجل الألماني في عملية الشرح:"كان يسكن في هذا المكان ناس منهم يهود من عهد الاضطهاد النازي أيام الحرب الثانية، حتى وصل إلى ذكر كلمة فلسطين، عندها أوقفته وقلت له فلسطين أين هي؟ أين ذلك؟.
فرد الألماني: "صحيح فلسطين موجودة في منطقة الشرق الأوسط"، فقلت "ها حقا!! أين؟ ؟ فأنا أعرف كل الدول العربية لا يوجد فلسطين".. فأجاب الألماني: "نعم موجودة فلسطين والآن اسمها إسرائيل"، فبادرت بسؤاله مرة أخرى كأني أجهل ما أقول "لماذا الآن اسمها إسرائيل؟"..حينها تلعثم الألماني وكأنه يريد أن يقول شيئاً لا يستطيع قوله، حينها أخبرته أنني فلسطيني أسف أردت أن أعرف شيئاً وقد عرفته.."
استمر اللاجئ حسان في توجيه الأسئلة للرجل الألماني، وسأله " من المعلوم أن هذا الرجل "اسم الفلسطيني على الحجر" كان مضطهداً؟، أجاب الرجل "صحيح"، فرددت عليه " تعني أنه لجأ من الاضطهاد وذهب لمكان آمن لدى أجداده" ، قال الرجل "أجل"، قلت له "وكانوا آمنين هناك"، قال الرجل "أجل"، و قلت له، "ما شعورك أن هذا الإنسان لجأ إلى فلسطين وأجدادي أنا استقبلوه ووفروا له الحماية، وهذا الإنسان لا زال أحفاده موجودين في فلسطين، بل وغيروا اسم بلده لـ "إسرائيل"، بينما أحفاده الذين استقبلهم وآمنهم على حياتهم مثلي أنا . الأحفاد لم يروا فلسطين وليس لهم الحق في رؤية فلسطين؟". هز الألماني رأسه وقال: " هذا العالم ليس فيه عدل" .
وختم اللاجئ الفلسطيني حسان صفوري قصته الوطنية، قائلاً:" لدي اقتناع تام بأن الجميع يعرفون الحقيقة، فمثلاً الدول التي طبعت في الماضي مع إسرائيل مثل الأردن ومصر، لم أرَ الإفادة التي استفادوا منها من التطبيع، أتصور أني رأيت العكس، ولكن الإفادة الوحيدة هي بقاءهم في السلطة" .
الجدير ذكره، أن قصة الحجارة في ألمانيا التي تحدث عنها اللاجئ الفلسطيني حسان صفوري، بدأت عام 1992، عندما وضع الفنان غانتر ديمنيغ، بمدينة كولونيا الألمانية لوحات معدنية على الأحجار تخليداً لذكرى ضحايا النازية من أبناء قبيلتي السينتي والروما الرحل، الذين كان يشار إليهم آنذاك باسم "الغجر".