يسعى فريق الرئيس الأميركي دونالد ترامب للسياسة الخارجية، مع اقتراب الانتخابات الأميركية المزمعة يوم 3 نوفمبر (تشرين الثاني)2020، لاتخاذ الاحتياطات اللازمة لإقامة حقائق على الأرض بشأن مجموعة من قضايا السياسة الخارجية، بما يصعب التراجع عنها في حال فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن، وخسارة ترامب.
وتحاول إدارة ترامب تحطيم اتفاق إيران إلى أجزاء كثيرة للغاية حتى لا تتمكن إدارة بايدن أبداً من تجميعه من جديد. وعلى الرغم من أنهم لن يعترفوا بذلك علناً أبداً، فقد أقر العديد من مسؤولي الإدارة الأميركية سراً بأن الموجة الحالية من نشاط السياسة الخارجية تُعزَى جزئياً إلى إدراك الفريق أن الرئيس ترامب قد يخسر. ولذلك، فهم يحاولون الآن إتمام الأعمال غير المنجزة، ودفع بعض مبادراتهم بقوة كبيرة إلى الأمام حتى لا تتمكن الإدارة الجديدة من التراجع عنها.
اقرأ ايضا: "قبيل زيارة ترامب للمنطقة".. السيسي يلتقي أمير قطر لتنسيق المواقف تجاه فلسطين
يجدر بالذكر أن إدارة الرئيس ترامب ستتقدم هذا الأسبوع بمشروع قرار في مجلس الأمن الدولي لتمديد حظر الأسلحة التقليدية المفروض على إيران، الذي سينتهي في 18 (أكتوبر) تشرين الأول المقبل (وفقاً للاتفاق النووي لإدارة الرئيس السابق باراك أوباما، ونائبه عندئذ جو بايدن) إلى أجل غير مسمى.
وعلى الرغم من قيام برايان هوك، المبعوث الخاص لوزارة الخارجية الأميركية إلى إيران الذي استقال الأسبوع الماضي، بجولة إلى 11 دولة لحشد الدعم قبيل استقالته، من المتوقع أن يبوء القرار الأميركي بالفشل. وعندما يحدث ذلك، ستطلق إدارة ترامب آلية تجبر الأمم المتحدة على إعادة فرض جميع العقوبات الأصلية مرة واحدة على إيران.
وقال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في مؤتمر صحافي يوم الأربعاء الماضي: "بطريقة أو بأُخرى، سنفعل الشيء الصحيح، وسنضمن تمديد حظر الأسلحة". وبالتزامن مع مؤتمر بومبيو الصحافي (لأربعاء الماضي، وزعت الولايات المتحدة على أعضاء مجلس الأمن مشروع قرار معدل، وإن كان يشبه مسودة سابقة فشلت في مجلس الأمن، بغية تمديد حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على إيران منذ أكثر من 10 سنوات).
وترى واشنطن في عدم تسليح إيران مساهمة قوية في جلب الاستقرار إلى الشرق الأوسط، خاصة أن "إيران ترعى الإرهاب، وحاولت استهداف السعودية"، وأن منع تسلح إيران يحول دون مهاجمة جيرانها عبر وكلائها.
ويطلب مشروع القرار المعدل من الدول الأعضاء في المنظمة الدولية وقف كل مبيعات الأسلحة إلى إيران ومنها، والامتناع عن تقديم أي تدريب تقني أو موارد أو خدمات مالية أو مشورة أو خدمات أو مساعدة أخرى تتعلق بالتوريد أو البيع أو النقل أو التصنيع أو الصيانة أو استخدام الأسلحة للنظام الإيراني.
ويحتاج مشروع القرار الذي صاغته الولايات المتحدة تأييد تسعة أصوات على الأقل لإجبار روسيا والصين على استخدام حق النقض (الفيتو)، وهو ما أشارت كل من موسكو وبكين إلى أنها ستفعله.
لا شك في أن روسيا والصين ستجادلان بأن الولايات المتحدة ليست لديها صفة لتفعيل آلية إعادة فرض كل العقوبات، بالنظر إلى أن الاتفاق ينص على أن "المشاركين" وحدهم في الاتفاق النووي يمكنهم فعل ذلك، وأن ترامب أعلن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في شهر أيار من عام 2018، منهياً بذلك مشاركة الولايات المتحدة في الاتفاق. وبالرغم ذلك، يشعر أعضاء فريق ترامب القانوني بالثقة في قدرتهم على القيام بذلك.
وقد انتقد أنطوني بلينكين، كبير مستشاري حملة بايدن، خطط فريق ترامب يوم الأربعاء في تصريحات لمنتدى آسبن الأمني، قائلاً إنه "من الناحية القانونية، يبدو أن [إدارة ترامب] على أرض مهزوزة في قدرتها على استخدام شرط إعادة فرض كل العقوبات الذي تفاوضنا عليه".
وقال بلينكين الذي سيصبح إما وزيراً للخارجية الميركية أو مستشار الرئيس لشؤون الأمن القومي في حال فوز بايدن، إن إدارة ترامب خاطرت بإقحام مجلس الأمن في أزمة من خلال فرض القضية، وإنه إذا تم انتخاب جو بايدن، فسوف "يسعى للبناء على الاتفاق النووي" من أجل جعله "أطول وأقوى".
ويقول رموز اللوبي الإسرائيلي في واشنطن إن إدارة ترامب تقدم في الواقع معروفاً محتملاً لإدارة بايدن من خلال تدمير الاتفاق وإعادة فرض العقوبات لأنه بمجرد حدوث ذلك، "سيتعرض النظام الإيراني لضغوط شديدة للغاية بدرجة تضطره إلى التفاوض، سواء رغب في ذلك أم لا، ما سيجعل الأمر أكثر صعوبة بالنسبة إلى إدارة بايدن للعودة إلى الاتفاق النووي، وستعطي حجةً أقوى لأولئك في فريق بايدن الذين يبحثون عن بدائل للاتفاق" بحسب قول مارك دوبويتز، وهو المدير التنفيذي لمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، إحدى واجهات اللوبي الإسرائيلي في واشنطن، لصحيفة واشنطن بوست.
وبالنسبة للصراع الفلسطيني الإسرائيلي ، يقول مصدر مطلع لـ"القدس": "الرئيس ترامب وفريقه المختص بسلام الشرق الأوسط-صهره جاريد كوشنر وسفيره في إسرائيل ديفيد فريدمان يشعرون بأن قرارات الرئيس (ترامب) الحاسمة، سواء بنقل السفارة الأميركية للقدس، والاعتراف بهضبة الجولان كأرض إسرائيلية، وتغيير معادلة التفاوض، ووضع خطة السلام المعروفة بصفقة القرن، ما أحدثه الرئيس بهذه القرارات، هو حقيقة تغيير أساليب اللعبة في الشرق الأوسط بشكل دائم، فهم مطمئنون من هذه الناحية".
ولكن، يضيف المصدر: "بالنسبة لإغلاق مكتب بعثة منظمة التحرير في واشنطن، من المرجح أن يعيد الرئيس بايدن في حال انتخابه فتح المكتب، ويعيد فتح القنصلية الأميركية في القدس الشرقية لتكون بمثابة بعثة دبلوماسية للفلسطينيين، كما أنه سيعيد المساعدات المالية لوكالة الأونروا، ربما بأثر رجعي، وكذلك سيعيد مساعدة السلطة الفلسطينية ماليا، ويعيد فتح عمليات وكالة التنمية في الضفة الغربية، والقدس الشرقية وقطاع غزة".
إيران والقضية الفلسطينية ليستا الجبهة الوحيدة على صعيد السياسة الخارجية التي تضغط إدارة ترامب بشأنها بقوة في الأشهر الأخيرة (المحتملة) لها. فمن ناحية سوريا، على الأرجح أن تسحب إدارة بايدن في حال فوزه القوات الأميركية من سوريا، وتخفف من مساعدة الأكراد، وتدفع باتجاه حل سياسي أقل تهافتاً مع تركيا، رغم الخطاب المعاكس خلال السنوات الماضية.
أما في منطقة الخليج والعراق في حال فوز بايدن، على الأرجح أن تعود إلى المعطيات والمعايير القائمة إبان إدارة أوباما، لكنها بكل تأكيد ستنهي التناحر بين دول الخليج التي توفر الحماية لها، وتعيد علاقات قطر مع السعودية والإمارات والبحرين إلى ما كانت عليه في السابق.
كما أن الخبراء يتوقعون أن يحدث ذوبان في التوتر الأميركي الروسي، وتراجع الخطاب المعادي لروسيا خلال السنوات الأربع الماضية، بهدف إدخال الشك على شرعية ترامب، كون أنه في حال فوز بايدن لن يكون هناك اتهام لروسيا بأنها دعمت بايدن وزورت الانتخابات لصالحه.
وحول الصين، كشف فريق ترامب النقاب عن سيل من الإجراءات العقابية ضد بكين، التي سيكون من الصعب على إدارة بايدن التراجع عنها.
فمن غير المرجح أن يسارع بايدن إلى إعادة فتح القنصلية الصينية في هيوستن، التي اتهمها بأنها كانت معقلاً للتجسس، ولا أن يتراجع عن تحركات تقييد أنشطة الشركات الصينية داخل الولايات المتحدة، مثل تيك-توك TikTok؛ وسيكون حتى من الصعب عليه التخلي عن التعريفات الجمركية المتبقية بعد اتفاقية "المرحلة 1" التي وقّع عليها ترامب هذا العام.
وحول فنزويلا، فإن نقل غليوت آبرامز، أحد أهم شخصيات الصقور الجدد، من الملف الفنزولي إلى الملف الإيراني أكبر دليل على الاعتراف بهزيمة السياسة الأميركية في فنزويلا، وفشلها في قلب نيكولاس مادرو، ما يضع "إدارة بايدن" على سكة تستطيع عبرها العودة إلى سياسة أقل توتراً مع فنزويلا، وكذلك بالنسبة للعلاقة مع كوبا، كما كان عليه الحال أثناء رئاسة أوباما.
كما أن تركيز ترامب في الفترة الأخيرة على سحب القوات الأميركية من الخارج هو مجال آخر يعمل فيه فريقه على تقييد مساحة المناورة التي ستكون متاحة لإدارة بايدن القادمة. فإذا خفّض ترامب أعداد القوات الأميركية في أفغانستان بشكل كبير بحلول نهاية العام، كما وعد بأن يفعل، فسيكون من الصعب سياسياً على بايدن زيادتها مجدداً.
اقرأ ايضا: قادة مصر وفرنسا والأردن يشددون على وقف حرب غزة ويجرون اتصالاً مع ترامب
ويعتقد الخبراء أن هذه ليست الطريقة التي قد تتصرف بها إدارة تتوقع الفوز بولاية ثانية، فلو كان أعضاء فريق ترامب يعتقدون أنه سيفوز، لكانوا ينتظرون على الأرجح ثم يتفاوضون بشأن كل هذه القضايا من موقع قوة خلال العام المقبل. وبالطبع، يمكن أن يكون ذلك خطة احترازية من فريق ترامب تحسباً لاحتمال فوز بايدن. ولكن التحركات التي يتخذها مسؤولو ترامب الآن تبين أنهم يفكرون في إرثهم، وأنهم أدركوا أن أيامهم قد تكون معدودة.