سخرت منها زميلاتها وعرقلتها العادات والتقاليد

هالة غنيم.. امرأة مصرية عصامية حديدية قهرت المستحيل وبدأت من الصفر إلى العالمية!

مشاركة
هالة غنيم هالة غنيم
09:52 م، 02 يونيو 2020

"إما أن أنجح، وإما أن أنجح".. لم يكن هناك خيار آخر غير النجاح بالنسبة للشابة المصرية الواعدة "هالة غنيم"  والتي تمردت على الواقع والظروف القاسية، لترسم قصة نجاحٍ فريدة من نوعها، متخطيةً العائق تلوا العائق منذ طفولتها، لتصبح تلك الطفلة فيما بعد الباحثة والأكاديمية هالة التي يشار لها بالبنانِ.

الباحثة هالة غنيم المحاضرة في جامعات أوروبا، والباحثة التي تسعى لنيل درجة الدكتوراه في ألمانيا، بدأت قصتها مع فقدانها والدها ووالدتها في سن السابعة، غير أنها استطاعت أن تحفظ بعض الكلمات والنصائح منهما، والتي كانت سبباً في نجاحها.

تقول غنيم عن بداية معاناتها مع فقد والديها: "ولدت لأب وأم من عائلتين على الرغم من اختلاف أيديولوجيتهم الفكرية والسياسية، فإنهم كانوا مؤمنين تمامًا أن المولود الذكر له كل الحقوق، لأنه سيحمل اسم الأب والعائلة. كنا ثلاث بنات وأخ وحيد، أبي خريج من جامعة الأزهر، وكان يعمل مدرساً للغة العربية وباحثاً في العلوم الدينية، وكان أخي الكبير ملازمًا لأبي حتى يعده ليصبح (راجل البيت).. كان يصطحبه في كل مكان، لكنه يختارني أنا لحضور مجالس العلم التي كان يتبادل فيها مع زملائه قراءة كتب دينية، ودواوين الشعر، والكتب الأدبية، لم أكن اتجاوز في حينها الخامسة أو السادسة من عمري، وقد كان أبي يشتري لي كتب ومجلات كثيرة، ونادرًا ما أهداني اللعب أو الحلوى.

وأضافت: كنت أحب سير مارجريت تاشر وإيفا بيرون، وكان مثلي الأعلى السيدة جيهان السادات، وقد تنبأ أبي لي أني سأصبح دكتورة، لكنني كنت أحب الرسم والنحت، وأخبرته برغبتي في أن أكون دكتورة في الفن أو الهندسة المعمارية، كان يضحك ويقول: "في لندن أو واشنطن.. حتى تصلي للعالمية".

وتشير غنيم إلى أنَّ والدها توفي وهي في سن السابعة، مستذكرة قول ابيها لها قبل وفاته بلحظات: "قال لي عبارة لن أنساها أبدًا ما حييت، (حياتك هتتحاسبي عليها لوحدك.. لو أنا مشيت أنا عارف إن ربنا راسم لك الطريق فما تختاريش شيء أقل من اللي تحسي إن ربنا خلقك عشانه.. اسمعي لقلبك بس"، وبعد وفاة والدها توفيت والدتها، التي كانت دائمًا تدعو لها "يا رب تحققي حلمنا فيكي."

وأشارت إلى أنها انتقلت مع اخوتها بعد وفاة والديها للعيش مع عائلة والدها (بيت جدها)، قائلة: "بالطبع كوني يتيمة الأبوين في قرية صغيرة، جعل مصيري معروفًا، (تكبر شوية ونجوزها حد يشيل همها)"، مشيرةً إلى أن زميلاتها كانوا يسخرون منها كلما أبدت تصميمها على الدراسة في إحدى جامعات أمريكا أو أوروبا، قائلة: "ضحكوا وسخروا مني، بل واتهموني بالشطط والجنون (مش معنى أنك الأولى علينا كل سنة أنك هتسافري بره)".

وتابعت غنيم: "كل شيء من حولي كان يقول إن هذه الفكرة مستحيلة، فتقاليد البلد لا تسمح، ولا أحوالنا المادية، ولا يمكن يوافق أهلي، الذين رفضوا أن ألتحق بمدرسة المتفوقين في القاهرة بعد ما صار اسمي ضمن قائمة أوائل الإدارة التعليمية."

وفي السنة الثانية من الثانوية العامة أتيحت لها فرصة السفر إلى فرنسا في منحة، لكنَّ عائلتها رفضت الأمر، مشيرةً إلى أن أكثر ما آلمها هو رفضهم لدخولها في كلية الفنون الجميلة "خيروني بين الالتحاق بكلية العلوم أو التربية بجامعة المنوفية، وبين المكوث في البيت وإنهاء رحلتي التعليمية".

وبعدها درست هالة غنيم فصل دراسي واحد في كلية العلوم، معلقة على تلك المرحلة "بكيت كثيرًا، كنت أتقدم لمسابقات الكلية الفنية وأحصد الجوائز، وأشاد بي أساتذتي في كلية علوم، ولاحظوا عدم رغبتي في الاستمرار بدراسة العلوم."

وتضيف: "بعد ذلك وبمساعدة خالتي باعتبارها وصية شرعية حاولت أن أنتقل لأقرب كلية لفنون جميلة، لكن الكلية رفضت قبولي لأني كنت محولة من كلية غير ذات صلة.. فالتحقت بكلية الآثار جامعة القاهرة فرع الفيوم، وبعد عام تسلمت خطاب ترشيح من شئون الطلاب لدخول اختبار وزارة الخارجية الأمريكية للحصول على منحة فولبرايت لنيل درجة البكالوريوس من أمريكا، لكني لم أتقدم بملء الاستمارة لمعرفتي بموقف أهلي ورفضهم.. لكن إحدى زميلاتي أحضرت لي نسخة من الاستمارة، وقالت لي: "إذا هالة لم تسافر.. من سيسافر إذًا؟!".

"بالفعل حصلت على المنحة، وكنت الوحيدة التي وقع الاختيار عليها من الفيوم ضمن أحد عشر مصريًا سافروا في هذا العام من أصل ٣٠٠٠ متقدم، شعرت بخوف شديد من السفر، وظلت الخطوة الأصعب إقناع أهلي لأبي، حتى يوافقوا اضطررت للجوء لحيلة السفر إلى دمشق أسبوع لعمل بحث عن المسجد الأموي في رحلة تنظمها الكلية، على الرغم من أننى كنت أدرس ترميم الآثار ولم أكن أدرس فى قسم الآثار الإسلامية. كانت خالتي وأختي على علم بحقيقة الأمر، وبالطبع لم أعد بعد أسبوع من سفري"، حديث هالة غنيم.

وسافرت هالة غنيم إلى الولايات المتحدة الأمريكية، والتحقت بجامعة روجر ويليامز، وتخصصت في تاريخ الفن وحفظ التراث: "في البداية كنت أشعر بخوف شديد بسبب عدم إتقاني للغة الإنجليزية، لكن مشرفي الأكاديمي للبكالوريوس نصحني بمواجهة خوفي، كذلك تنبأ لي بالتدريس في المستقبل إحدى جامعات أمريكا أو أوروبا، وكان أول تحدي لي في السنة الدراسية الثالثة، ونجحت أن أكون ضمن ثلاثة طلاب اختارتهم قناة سي سبان الإخبارية الأمريكية كي أقوم بعمل حوار مع السيناتور الأمريكي جاك ريد عن حرب العراق".

بعد التخرج حصلت هالة غنيم على منحة أخرى من جامعة هاواي لنيل درجة الماجستير في تاريخ الفن وحفظ التراث الثقافي، قائلة: "أخبرتني مشرفتي الأكاديمية في هاواي بأن سبب وقوع اختيارها عليَّ أن كل كلمة في سيرتي الذاتية توحي بأنني محاربة، حتى في اختيار موضوع البحث (التراث الثقافي لمسلمي الصين)، الذي تطلب مني أن أدرس اللغة الصينية".

وأشارت إلى أنه "منذ العام الأول بدأت باعتباري محاضرة في الجامعة، وفي السنة الأخيرة في الماجستير، قامت الجامعة بتعييني بشكل استثنائي مديرًا لبرنامج دبلومة الدراسات الدولية والثقافية العليا"، لافتةً إلى أنَّ هذا المنصب كان يحصل عليه فقط الحاصلين على درجة الدكتوراة، وتم تكريمي من قبل الجامعة أكثر من مرة، كما حصلت على العديد من الجوائز ورسالة الماجستير، وأخذت توصية بالنشر والترجمة، ونشرت مرتين في ٢٠١٥ باللغة الإنجليزية دوليًا، ومحليًا في معرض القاهرة الدولي للكتاب".

وفي خضم الحديث عن يوم التخرج من الماجستير، عبَّرت هالة غنيم عن تمنياتها بأن يكون والدها ووالدتها إلى جانبها يوم التخرج، مشيرةً إلى أن اساتذتها  في الجامعة غمروها بالحب وحاولوا تعويضها فقدان الأب والأم في ذلك اليوم، إذ قال لها رئيس القسم: "سأشعر بالفخر لأن تكوني ابنتي، أعرف أن أباكِ كان سيشعر بالفخر بك اليوم".

واستأنفت قولها: "الحمد لله أصبحت في السنة الأخيرة في الدكتوراة. في جامعة فيليبس - ماربرج بألمانيا، وأعمل محاضرة لتاريخ الفن السياسي، ولدي بعض الطلاب من مصر، وأعمل كذلك منسقة مشروع "التراث الثقافي في العالم الرقمي الذي ترعاه منظمة التبادل الأكاديمي الألمانية، وتدعمه قيادات وزارة الثقافة المصرية، وهذا المشروع كان مقترحي ومشرفي الأكاديمي آمن به، سفارتنا في برلين استضافت الحدث الختامي للجولة الأولى منه في ٢٠١٩، والجولة الثانية استضافتها وزارة الثقافة بدعم من المجلس الأعلى للثقافة في مصر في فبراير (شباط) الماضي.

واختتمت حديثها، قائلة "الطريق لا يزال طويلاً، وأنا على أعتاب حلمي".

* صفحة مبادرة سيدات مصر على فيس بوك