تصعيد إثيوبي وخيارات مصر تجاه سد النهضة.. هل يشمرُ الجيش المصري عن ساعديه؟!

مشاركة
سد النهضة الإثيوبي سد النهضة الإثيوبي
دار الحياة - خاص 08:18 م، 03 ابريل 2020

على ما يبدو أن فيروس كورونا لم ينجح في تأجيل جميع الصراعات والخصومات السياسية القائمة في منطقة الشرق الأوسط، هذا ما يمكن فهمه بالنظر إلى ملف "سد النهضة"، الذي وصلت مفاوضاته إلى طريقٍ مسدود، بل اقتربت من مشارف انهيار تام، في أعقاب إعلان أديس أبابا عدم المشاركة في أي مفاوضات تخص السد من شأنها أن "تضر بالمصالح الوطنية للبلاد".

وعلى ما يبدو أن التوصل إلى اتفاق بين مصر وإثيوبيا بشأن مستقبل سد النهضة بات مستبعدا بشكل كبير، وذلك بعد إعلان أديس أبابا الانسحاب من المفاوضات التي ترعاها الولايات المتحدة، ورفضها التوقيع على مسودة صاغتها واشنطن والبنك الدولي لحل الأزمة.

سكب الزيت على النار

ما زاد الطين بلة في الآونة الأخيرة، تصريحات رئيس الوزراء الاثيوبي آبي أحمد الأربعاء الماضي، والتي تحدى فيها القاهرة ورعاة اتفاق سد النهضة، إذ قال بـ"الفم الملآن": إن ملء بحيرة سد النهضة سيبدأ في الخريف (موسم الأمطار) المقبل رغم تحديات وباء فيروس كورونا المستجد.

وأضاف آبي أحمد: "على الرغم من أنَّ وباء فيروس كورونا أصبح الآن تحديًا كبيراً، إلا أننا نتوقع أن نرى عملية بدء التخزين في سد النهضة لتخزين المياه بداية الخريف"، مضيفاً "إذا عمل الاثيوبيون بيد واحدة معا، فسوف يتصدون لفيروس كورونا وينهون بناء سد النهضة في وقت واحد".

سياسة حرق الوقت

وكانت القاهرة قد أعلنت فجر السبت توقيعها، منفردة، بالأحرف الأولى، على مسودة اتفاق ملء وتشغيل سد النهضة الاثيوبي في واشنطن، في ختام جولة المفاوضات التي عقدت برعاية وزير الخزانة الأمريكية وبحضور ممثلي البنك الدولي ووزراء الخارجية والري في مصر والسودان، في غياب الطرف الأصيل في هذه المفاوضات وهو الجانب الاثيوبي الذي قاطع الجولة احتجاجًا على صياغة المسودة وما جاء في بعض بنودها.

وبينما كانت القاهرة توقع على الصيغة النهائية للاتفاق، أكدت وزارتا الخارجية والطاقة الاثيوبيتان أن أديس أبابا ستبدأ الملء الأولي لخزان السد بالتوازي مع عمليات البناء.

ورجحت مصادر عدة أن قبول المفاوض الاثيوبي التماشي مع الطرح الأمريكي في الجلستين الأولى والثانية، كان الهدف منه كسب مزيد من الوقت لوضع مصر أمام الأمر الواقع وهو ما تلوح في الأفق إرهاصاته يومًا بعد يوم.

أديس أبابا وفرض الأمر الواقع

وأعلنت أديس أبابا رفضها الكامل لبيان وزارة الخزانة الأمريكية بعد الاجتماع الأخير الذي عقد في واشنطن بحضور ممثلي مصر والسودان والبنك الدولي، إذ ترى أديس أبابا أنها مالكة السد، وعليه فإنها ستبدأ في الملء الأولي لخزان السد بالتوازي مع البناء.

وترى أديس أبابا أنَّ ملء الخزان بالتوازي مع البناء ينسجم مع مبادئ الاستخدام المنصف والمعقول، وعدم التسبب في حدوث ضرر كبير على النحو المنصوص عليه في اتفاقية إعلان المبادئ الموقعة مع مصر والسودان في مارس 2015"، وفقًا لبيان الخارجية والطاقة.

وعبرت وزارتا الطاقة والخارجية في بيانهما المشترك أنهما يشعران بـ "خيبة الأمل" إزاء البيان الأمريكي، مضيفتين "اثيوبيا لا تقبل توصيف البنود التي تمت صياغتها باعتبارها المبادئ التوجيهية والقواعد بشأن الملء الأول والتشغيل السنوي".

ورأى خبراء متابعون لمفاوضات سد النهضة الاثيوبي أنَّ محاولة اديس أبابا تسويف وعرقلة المسار التفاوضي، يعكس عدم جدية الجانب الاثيوبي في عملية المفاوضات، وهو ما تم تفنيده بصورة كبيرة مع قبول الاثيوبيين الوساطة الأمريكية والجلوس مع إدارة الرئيس دونالد ترامب، وما أسفر عن ذلك من تصريحات إيجابية تشير إلى أن الحل مجرد مسألة وقت.

مثير للقلق

في السياق ذاته، أبدى رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية الأسبق محمد البرادعي، قلقه الشديد من بيان وزارة الخارجية الاثيوبية واصفاً إياه بأنه "مثير للقلق".

وأوضح البرادعي في تغريدة له على حسابه في موقع تويتر أن البدء في ملء السد مرتبط بعملية البناء وغير مرتبط بالتوصل إلى اتفاق بشأن الملء والتشغيل، وأن إجراءات الأمان كافة نوقشت مع الإثيوبيين، لافتاً إلى أنَّ الموقف الاثيوبي يتعارض مع البيان الأمريكي الذي ينص على ضرورة التوصل إلى اتفاق قبل الملء، وضرورة استكمال إجراءات الأمان.

وشدد البرادعي "على أهمية التركيز على بناء موقف دولي ضاغط مؤيد للموقفين المصري والسوداني، وكذلك موقف الوسيط الأميركي من ضرورة التوصل إلى اتفاق شامل قبل الملء".

القاهرة وحسن النية

على مدار السنوات الخمس الماضية اتسم الموقف المصري في مسار مفاوضاته مع الجانب الإثيوبي بحسن النية، كان هذا ملخص البيان الصادر عن الخارجية المصرية تعليقًا على الدعوة الأمريكية للمشاركة في اجتماع 27 و28 من فبراير الماضي.

وجاء في بيان الخارجية المصرية المتعلق بمفاوضات سد النهضة التي ترعاها واشنطن "أن تلبية الدعوة جاءت من أجل التوصل إلى اتفاق نهائي بشأن قواعد ملء وتشغيل سد النهضة، وتنفيذًا للالتزامات الواردة في اتفاق إعلان المبادئ المبرم بين مصر والسودان وإثيوبيا في 23 من مارس 2015".

كما، وثمنت الخارجية المصرية دور الولايات المتحدة والبنك الدولي في هذا المضمار، ورعايتهما لجولات المفاوضات المكثفة التي أجريت على مدار الأشهر الأربع الماضية في بلورة الصيغة النهائية للاتفاق، التي تشمل قواعد محددة لملء وتشغيل سد النهضة وإجراءات لمجابهة حالات الجفاف والجفاف الممتد والسنوات الشحيحة وآلية للتنسيق، والآليات الملزمة لفض النزاعات، وتناول معايير الأمان لسد النهضة، والانتهاء من الدراسات البيئية.

القاهرة بررت موافقتها على التوقيع بالأحرف الأولى على الاتفاق المطروح بصورة منفردة بعيدًا عن الجانب الاثيوبي (الذي هو طرف أساسي في العملية)، بأنه جاء تأكيدًا لجديتها في تحقيق أهداف هذا الاتفاق ومقاصده.

وأعربت القاهرة عن رغبتها في أن تحذو كل من السودان وإثيوبيا حذوها في إعلان قبولهما بهذا الاتفاق والإقدام على التوقيع عليه في أقرب وقت باعتباره اتفاقًا عادلًا ومتوازنًا ويحقق المصالح المشتركة للدول الثلاثة.

وفي نهاية البيان أعربت الخارجية المصرية عن أسفها لتغيب إثيوبيا غير المبرر عن هذا الاجتماع في هذه المرحلة الحاسمة من المفاوضات.

القاهرة وسياسة التكشير عن الأنياب

وأدى تدهور مفاوضات سد النهضة لتوتر كبير بين كلٍ من القاهرة وأديس أبابا، إذ أن مصر أعلنت في أكثر من مرة أنها لن تسمح لأديس أبابا بأن تحرمها من حصتها المائية، مشيرة في أكثر من تصريحٍ إلى أن حرمانها من حصتها المائية المطلوبة سيكون بمثابة إعلان حربٍ على القاهرة.

وبات على القاهرة دراسة خياراتها لضمان ما تعتبره "حقا أكيدا" لها بمياه النيل، وهو ما بدأ دبلوماسيا بطلب دعم الدول العربية التي أكد وزراء خارجيتها في ختام دورتهم العادية في مارس/آذار الماضي "رفض أي إجراءات أحادية قد تقوم بها إثيوبيا" بهذا الشأن.

وبعد التصعيد الاثيوبي، اجتمع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع كبار قيادات القوات المسلحة، وأكد ضرورة الاستمرار في التحلي بأعلى درجات الحيطة والحذر والاستعداد القتالي، وصولا إلى أعلى درجات الجاهزية لتنفيذ أي مهام توكل إليهم لحماية الأمن القومي، وذلك في ظل التحديات الراهنة التي تموج بها المنطقة.

واعتبر مراقبون أن اجتماع الرئيس السيسي مع كبار قيادات الجيش المصري رسالة إلى إثيوبيا (رغم عدم ذكرها في البيان) مفادها أن خيار القوة ربما يكون مطروحا ردا على التعنت الاثيوبي، لكنه خيار محفوف بالمخاطر، فثمة معطيات وحقائق ستؤثر بشكل كبير على أي قرار يتعلق باستخدام القوة العسكرية.

محاولة أمريكية لإنقاذ الموقف

في السياق ذاته، حاولت الولايات المتحدة الأمريكية إنقاذ ما يمكن إنقاذه فيما يتعلق بانهيار مفاوضات سد النهضة، إذ شددت وزارة الخزانة الأمريكية في بيانها على أهمية عدم البدء في ملء سد النهضة دون إبرام اتفاق بين مصر وإثيوبيا والسودان، لافتًة إلى أن الولايات المتحدة سهلت إعداد اتفاق بشأن ملء وتشغيل سد النهضة الاثيوبي، بناءً على الأحكام التي اقترحتها الفرق القانونية والتقنية في مصر وإثيوبيا والسودان وبمساهمة فنية من البنك الدولي.

وترى واشنطن أن العمل المنجز خلال الأشهر الأربع الماضية أسفر عن اتفاق يعالج جميع القضايا بطريقة متوازنة ومنصفة، مع مراعاة مصالح البلدان الثلاث، مشيرة إلى أنَّ "هذه العملية تعتمد على سبع سنوات سابقة من الدراسات والمشاورات الفنية بين الدول الثلاثة، والاتفاق الناتج، في رأينا، ينص على حل جميع القضايا المعلقة بشأن ملء وتشغيل السد".

السودان يتحفظ

وعلى الرغم من الضغوط المصرية بشأن تبني الدولتين (مصر والسودان) موقفًا واحدًا للتصدي للتعنت الاثيوبي الذي سيلقي بظلاله القاتمة على مستقبل الأمن المائي في دول المصب، إلا ان السودان التي تعتبر إحدى الاضلع الثلاث لأزمة سد النهضة الاثيوبي رفضت التوقيع على المسودة بالأحرف الأولى، الامر الذي يثير الارتياب.

وبحسب المصادر فإن المسؤولين السودانيين أبلغوا نظراءهم المصريين في واشنطن بأنهم يوافقون على أكثر من 90% من محتويات المسودة، لكنهم لن يوقّعوا إلا بعد التأكد من مصداقية الجانب الاثيوبي، وهو الشرط الذي يبدو أنه لن يتحقق بعد تغيب أديس أبابا، وإعلانها خطواتها التصعيدية بشأن ملء الخزان بالتوازي مع بناء السد.

نظرة استشرافية لمصير المفاوضات

ويرى خبراء أن العلاقات القوية التي تربط بين واشنطن من جانب والقاهرة وأديس أبابا من جانب آخر، كانت الدافع الأكبر لقيام الولايات المتحدة بدور الوساطة في هذا الملف الساخن، لا سيما بعد السجال الإعلامي والسياسي بين البلدين الذي وصل إلى حاجز التلويح باستخدام القوة العسكرية هنا وهناك.

التحرك الأمريكي للحيلولة دون تفاقم الوضع أضفى حالة من الطمأنينة على المفاوضات، لا سيما على الجانب المصري الذي تربطه علاقات قوية مع إدارة الرئيس دونالد ترامب، وهو ما دفع القاهرة لإلقاء الكرة في ملعب الأمريكان رغم الممارسات المثيرة للقلق من الجانب الاثيوبي التي تشير إلى مماطلة وتسويف أثناء عملية التفاوض.

البعض يرى أنه برفض أديس أبابا حضور الاجتماعات والتوقيع على المسودة الأولى للاتفاقية، فإن الوساطة الأمريكية بهذا تكون قد دخلت غرفة الإنعاش في انتظار إعلان الوفاة بشكل رسمي، فيما ذهب آخرون إلى أن واشنطن لن تترك هذا الملف بصورة كلية في الوقت الراهن، وأنها ستعمل على تقريب وجهات النظر عبر الدعوة لجولات تفاوضية أخرى خلال الفترة المقبلة.

يبدو أن الجانب الاثيوبي بمباركة أمريكية يعزف على وتر تبريد الأجواء في القاهرة عبر التصريحات الإيجابية بين الحين والآخر، ثم العدول عنها مرة أخرى، وهي السياسة التي تلقى قبولًا لدى الاثيوبيين خاصة أنها تكسبهم المزيد من الوقت لإكمال البناء في السد، وفي الجهة الأخرى فهي مستساغة لدى الجانب المصري الذي بات يعاني من ضعف موقفه منذ التوقيع على إعلان المبادئ مارس 2015.

وبالعودة للوراء قليلًا نجد أن أمريكا كانت أحد أبرز الداعمين لفكرة بناء سد النهضة من بدايتها عام 1953، عندما اعتزمت إثيوبيا إنشاء سد كبير على النيل لتوليد الكهرباء، لذا استعان الإمبراطور الاثيوبي هيلا سيلاسي بمكتب الاستصلاح الزراعي التابع لوزارة الخارجية الأمريكية، الذي قدّم دراسة مسحيةً على امتداد النيل الأزرق، تقترح 26 موقعًا صالحًا لإنشاء السدود، بينها الموقع الحاليّ لسد النهضة.

وعلى كلٍ فإذن أديس أبابا كسبت وقتًا إضافيًا بقبولها الوساطة الأمريكية، لتدخل المرحلة شبه النهائية من إتمام بناء السد، تزامنًا مع بدء ملء الخزان، وهي النقطة التي حصلت عليها عقب الدخول في ماراثون جديد من المفاوضات، هذا في مقابل حالة من الارتباك تخيم على المشهد المصري الذي يفقد يومًا تلو الآخر أوراق الضغط الخاصة به، والتي كان من الممكن استخدامها من اجل ان تحفظ للمصريين حصتهم المائية، والتي تم التنازل عنها على مدار السنوات الماضية.

ويبقى السؤال من كلِ ما تقدمْ، هل يمكن للولايات المتحدة الامريكية إنقاذ وساطتها التي دخلت غرفة الإنعاش؟ وفي حال فشلتْ هل ستنفذ القاهرة تهديداتها باستخدام كل خياراتها لحماية حصة مصر المائية، بما في ذلك خيار "العصا"؟!.

وعلى ما يبدو أنَّ الأيام المقبلة ستكون حبلى بالمفاجآت، كوننا اقتربنا من خريف أديس أبابا وتهديدات ملء الخزان!.