تنسف الأساطير الإسرائيلية من الألف إلى الياء

بالصور"موسوعة البالستينيكا".. أضخم عمل موثق عن فلسطين في مائة عام!

مشاركة
الدكتور محمد غوشة: اكتبوا على شاهد قبري "أظن أنني بررتُ وجودي هنا" الدكتور محمد غوشة: اكتبوا على شاهد قبري "أظن أنني بررتُ وجودي هنا"
دار الحياة - محمد السيقلي 10:45 م، 01 مارس 2020

"أرضٌ بلا شعب لشعبٍ بلا أرض" هي أسطورة من الأساطير المؤسِسة للسياسة الإسرائيلية التي وضعها مؤسس الصهيونية ثيودور هيرتزل، لكن صفحة واحدة من "موسوعة فلسطين" التي أعدَّها أستاذ العمارة الإسلامية د. محمد هشام غوشة كفيلة بأنْ تكشف زيف تلك الكذبة الكبيرة.

توثق "الموسوعة الفلسطينية" التي خطها د. غوشة لأكثر من 400 عامٍ من تاريخ فلسطين، إذ تبدأ بتوثيق تاريخ فلسطين مع بداية الحكم العثماني في المنطقة العربية وتُختتم مع نهاية الحرب العالمية الأولى (1914- 1918)، مروراً بأهم الأحداث والمحطّات التاريخية والمعلومات العلمية.

من برتقال يافا إلى سور عكا

وتشمل الموسوعة 24 مجلداً، وأكثر من 7000 صفحة، وحوالي 30000 ألف صورة ووثيقة ومقالة توثقُ تاريخ فلسطين ما بين 1516 – 1918، فلم تترك الموسوعة شيئاً إلا وذكرته، فوصفت الحرب والسلم، السياسة والاقتصاد، الجغرافية والأدب، حتى أنها وصفتْ رائحة برتقال يافا، وتفاصيل حجارة سور عكا الذي يلتفُ حول المدينة التي قهرت نابليون بونابرت.

وتضم موسوعة فلسطين وصفاً وثائقياً للمعالم الفلسطينية التاريخية المختلفة، إلى جانب استعراض أحداث تاريخية، تدعمها الوثائق المصورة والمكتوبة لكلّ حادثة بتفاصيل موثقة علمياً فعلى سبيل المثال: تحوي الموسوعة مادة وثائقية كاملة عن حملة نابليون بونابرت عام 1798، وذلك  بالرجوع إلى وثائق وخرائطَ ومستندات الأرشيف المصري وسجلات محاكم القدس، ليس هذا فحسب بل توثق كيف جرى التعامل مع الحملة، إلى جانب رسومات لمستشرقين رافقوها ورسموا نابليون بونابرت وأحمد باشا الجزار والأماكن التي رأوها في فلسطين.

لم يكن إعداد "موسوعة فلسطين" وجمعها وتدقيقها وتمحيصها بالأمر اليسير ، فلقد استغرق العمل  بها نحو اثني عشر عاماً، و هي تتضمّن ثلاث وثائق عثمانية تؤرخ لثلاثة آلاف عائلة فلسطينية عمل أفرادها في المحاكم الشرعية، والقضاء،  وفي مجال التجارة والتركات، و تضم الموسوعة أيضا وثائق للوقفيات (الأوقاف) والملكيات العائلية الفلسطينية ، وثمانية مجلدات تحتوي اثْنَتَيْ عَشْرَ ألف رسمةٍ للمستشرقين الأوروبيين خلال زيارتهم إلى فلسطين.

ويوجد في الموسوعة مجلداً خاصاً بالخرائط، يضم  جميع ما وضع من خرائط تحتوي إسم فلسطين بكل اللغات، منذ عام 1516 وحتى عام 1918، ومجلد "برية فلسطين" الذي لم يترك صفير بلبلٍ ولا سلسيل غزالة إلا وذكرها.

ويوجد في الموسوعة مجلدا خاصاً لـ"بوسطة فلسطين وبريدها ورسائلها" خلال الفترة 1834- 1918 تحتوي صوراً للرسائل والأختام والتلغراف في مدن القدس وطبريا ونابلس، وغزة.. الخ.

 الجدير بالذكر أن تلك الرسائل والأختام والصور تحمل أهمية كبيرة كونها توثق للحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية الفلسطينية في مراحلها  المختلفة.

عروس فلسطين

وفي نهاية الموسوعة، خصص د. غوشة مجلداً يتعلق بعنوان (فلسطين في الحرب العُظمى) مُنذُ 1914-1918، والذي عاد فيه إلى الأرشيف الحربي الأسترالي والعثماني والبريطاني، موثقاً فيه كيف هُزِمَ الجيش العثماني، والمعارك التي دارت رحاها في مُدن القُدس وغزة وغيرها من المُدن الفلسطينية، حيثُ خاض الجنود والقادة العثمانيون معركة طاحنة، واستقبلهم جمال باشا الشقيري الأنصاري (مقدسي) وجاءت المدفعية الهندية والبريطانية تباعاً، ثم سقطت مدينة القدس، وأعلن القائد العثماني عزت باشا استسلام العثمانيين.

 

عمل أكاديمي دقيق.. والهدف فلسطين

وتهدفُ موسوعة فلسطين الكبرى التي أعدها المؤرخ الفلسطيني الدكتور محمد غوشة  لنقل الماضي إلى الحاضر ثم إلى المستقبل، عملاً بالمقولة الشهيرة من "من ليس له ماضٍ ليس له حاضر ولا مستقبل".

وأوضح غوشة أنَّ الموسوعة تميزت بأسلوبها العلمي فهي  أول موسوعة علمية عن فلسطين استخدمت فيها الأكاديمية وليس الشعاراتية أو الأسلوب العاطفي، في محاولةٍ لتقديم فلسطين إلى العالم بأسلوبٍ حضاري، مشيراً إلى انَّ الموسوعة تميزت بغزارة الوثائق والشواهد، كون أنَّ العالم لا يفهم إلا لغة الوثائق والبيانات.

وقال :  إنَّ الموسوعة تبرهن كذب وزيف مقولة "أرض بلا شعب، لشعبٍ بلا أرض" من خلال التوثيق لحوالي 3000 عائلة فلسطينية من شمالها إلى جنوبها، إلى جانب توثيق ملكية الأراضي، إذ تحوي الموسوعة حوالي 1200 وقفية فلسطينية.

ولفت الكاتب إلى  أن الموسوعة تميزت باعتمادها على المصادر الأولية وليس الثانوية، إذ اعتمدت على السجلات الشرعية والارشيفات الأوروبية، فجاءت مخالفة لمعظم الدراسات التي صدرت عن فلسطين التي تميزت بالجانب الوجداني والعاطفي، مضيفا: "كي يكتب النجاح لتلك الموسوعة والانتشار ويتحقق الهدف من اعدادها كنتُ أكاديمي بامتياز، واستخدمت منهجيات علمية دقيقة في الكتابة".

فلسطين والقدس تستحقان

وأوضح المؤرخ غوشة أنَّ الهدف والدافع وراء هذا العمل الضخم والكبير والموسوعي، هو أنَّ فلسطين والقدس تستحق، وقال : "فلسطين والقدس تستحقان منا كل الدعم والعطاء، ومهما كتبتُ سأبقى مقصراً، وأتمنى أنْ أكون بهذا العمل الكبير قد تركتُ أثراً جيداً وعظيماً لفلسطين".

وشدَّد على أهمية استثمار الموسوعة في التأكيد على الحق الفلسطيني، قائلاً: "سأحاول أن أدخل القدس بكل قبابها وأسوارها وأهلها وأشجارها وحجارتها وفلسطين بكل مدنها وقراها وحاراتها إلى كل بيتٍ في العالم، وان أضعها على كلِ طاولة صانع قرار، وعلى أرفف المكتبات العامة، حتى يرى الجميع تلك الحضارة العظيمة المسماة فلسطين".

واختتم الدكتور غوشة حديثه بوصية مؤثرة وجهها لزوجته، قائلاً: "أبلغتُ زوجتي أن تكتب على شاهدِ قبري إن متُ، أظن أنني بررتُ وجودي على هذه الأرض".

يشار إلى أن غوشة حاز على العديد من الأوسمة والجوائز العربية والعالمية، ودخل موسوعة غينيس عام 1987 وكان عمره 15 سنة كأصغر مؤرخ في العالم، وقدم عدة محاضرات، وشارك في ورشات ومؤتمرات عديدة، وله عدة مؤلفات منشورة ركزت معظمها على الدراسات المعمقة عن فلسطين والقدس.