أبو مازن في مجلس الأمن

الخطاب المعيب... ومسلسل التنازلات

مشاركة
الرئيس محمود عباس الرئيس محمود عباس
جيهان فاروق الحسيني 06:03 ص، 15 فبراير 2020

لم يكن الرئيس محمود عباس (أبو مازن) موفقاً في قراره بالتوجه إلى الأمم المتحدة لطرح موقفه الرافض لصفقة القرن في مجلس الأمن، فالقاصي قبل الداني يعلم كم حجم الضغوط والمساومات التي تتعرض لها مشاريع القوانين من حذف وتعديل، لتتلاءم ولو بالحد الأدنى مع مواقف الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن (الخمس الكبار).

فعوضاً عن قطعه لآلاف الأميال من أجل إلقاء خطاب مفعم بالخيبة والهوان، لا يعبر إطلاقاً عن آمال وطموحات 13 مليون فلسطيني، كان الأجدر به أن يذهب إلى غزة لمصالحة أبنائها الذين تجرعوا مرارة الانقسام الأسود، وما زالوا إلى يومنا هذا يدفعوا ضريبته، ناهيك عن معاناتهم جراء الحصار الخانق والغير إنساني، والتي تضاعفت بسبب العقوبات التي فرضها (أبو مازن) عليهم .  

يرى البعض أن ذهاب الرئيس الفلسطيني  إلى غزة خطوة محفوفة بالمخاطر لها تبعاتها ، لكن الزعيم الحقيقي هو الذي يصطف إلى جانب شعبه ويتخذ مواقفا حاسمة في الأوقات الصعبة  مهما كانت عواقبها ، ونحن في وقت حرج لايحتمل المواقف المائعة ، وذهابه إلى غزه ليست  خطوة عنترية على الإطلاق لكنها تتطلب فقط إرادة حقيقية ونوايا صادقة، فعلاقات الرجل مع السلطات الإسرائيلية وبالأخص مع رئيس الشاباك الذي يلتقي به دوريا ، و يتفق معه علي  99% من القضايا (كما ذكر أبومازن)  أما بالنسبة ل حماس  فهي لا  يمكنها أن تقف حائلا أمام قدومه  إلى غزه ، أو أن تمس سلامته بسوء . 

كنت أتوقع أن يكون خطابه قوياً مدوياً يزلزل أركان مجلس الأمن، لكن للأسف جاء خطابه متخاذلاً لا يرقى لمستوى الحدث.

فبالرغم من أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أطلق مبادرته (صفقة القرن) والتي جاءت لتعصف بحاضر ومستقبل القضية الفلسطينية، ضارباً بعرض الحائط كافة قرارات الشرعية الدولية، إلا أن أبو مازن (أثناء خطابه) كان يهادن الرئيس ترامب، وكأنه يستجديه، مبدياً استعداده لاستئناف المفاوضات مجددا، ومؤكداً على أن خيار المفاوضات مازال مطروحا، مستبعدا تماما حق الشعب الفلسطيني - الذي يتحدث باسمه - في المقاومة طالما أرضه محتلة.

لا شك أن جلسة الأمن الطارئة والتي عقدت من أجل اتخاذ موقف دولي رافضا لصفقة القرن، ولدعم حقوق الشعب الفلسطيني الغير قابلة للتصرف، كانت بحق لحظة تاريخية فارقة، لكن أبو مازن أفسدها بخطابة الذي انحرف عن البوصلة.

منذ الإعلان عن موعد انعقاد جلسة مجلس الأمن ، كنا في حالة ترقب، تابعنا الإعداد لمشروع القرار الذي صاغه الوفد الفلسطيني لدى الأمم المتحدة بمساهمة كل من تونس وإندونيسيا ، واستنكرنا بشدة عزل الحكومة التونسية لمندوبها في الأمم المتحدة المنصف البعتي بسبب مساعدته للفلسطينيين في صياغة مشروع القرار، بالرغم من أن فلسطين كانت هي الحاضر الأبرز في خطاب الرئيس التونسي ، قيس سعيد. 

كان من المتوقع أن يتم التصويت على مشروع القرار -الذي أدخلت عليه العديد من التعديلات- في مجلس الأمن أثناء وجود الرئيس الفلسطيني، لكن تم إرجاء طرح مشروع القرار إلى أجل غير مسمى وبموافقة فلسطينية، وذلك عقب وصول أبو مازن نيويورك بساعات قليلة، وعشية انعقاد جلسة مجلس الأمن. 

ليت أبو مازن لم يأت ولم يلق خطابه المهزوم هذا، والذي شكل صدمة لجموع الفلسطينيين. كان الأجدر بأبو مازن أن يترك الأمر للمندوب الفلسطيني في الأمم المتحدة، رياض منصور ، ليلقي خطابا يعلن فيه عن رفض القيادة الفلسطينية القاطع لصفقة القرن.

لم يكن المندوب الفلسطيني ليجرؤ على وصف الأراضي الفلسطينية المحتلة "بأنها أراضي مختلف عليها" ، ولم يكن ليجرؤ على أن يزيد ويعيد مرارا وتكرارا أنه "مهما حصل ومهما تم الاعتداء علينا فإننا لن نلجأ للعنف" ولم يكن المندوب الفلسطيني ليجرؤ على وصم المقاومة بالإرهاب، ولا يمكن له أن يفقد صوابه ويتجرأ  على وصف 300 ضابط إسرائيلي بأنهم قاتلوا من أجل بلادهم  !؟ ولم يكن ليجرؤ ليطرح قضية داخلية خاسرة بإقحام الفساد في خطابه، فالجميع يعلم جيدا أن المحسوبية هي الثقافة السائدة وأن الفساد منتشر وبلا حدود في مختلف دوائر السلطة التي يرأسها أبو مازن. 

لماذا يراهن الرئيس الفلسطيني دائما على القوى الخارجية، التي لم تجلب الدولة ولم تحقق السلام العادل ؟

يبدو أن الرئيس الفلسطيني يجيد فقط مخاطبة الآخرين ومهادنتهم، بينما يستأسد على أبناء شعبه الذين أصبحوا بمعزل عنه

لقد بات الشعب الفلسطيني بالنسبة له مجرد عنوان يتم استخدامه من أجل تبربر وجوده وشرعيته كرئيس. 

لاشك أن خطاب الرئيس محمود عباس في مجلس الأمن كان محبطا لكل فلسطيني كان يتوقع منه أن يعلو بصوت الحق وأن يطرح قضيته الوطنية العادلة بقوة وكرامة ، إلا أنه (وكما يقال) تمخض الجبل فولد فأرا . 

صحافية وكاتبة من أسرة دار الحياة