محاكمة المحرر أحمد اليمني لرفعه علم اليمن بالمباراة

موقعة السعودية وفلسطين .. كرة قدم بأجندات سياسية

مشاركة
مباراة فلسطين والسعودية مباراة فلسطين والسعودية
القدس_الرياض_دار الحياة 11:13 م، 17 أكتوبر 2019

لم تكن مجرد لعبة كرة قدم بين فريقين، ضمن تصفيات إحدى البطولات الرياضية الدولية فحسب، بل أخذت أبعاداً أخرى على الصعيدين السياسي والديني، لإرتباطها الوثيق بوفدٍ من المملكة العربية السعودية باعتبارها الواجهة الدينية للعالمين العربي والإسلامي.

فقد طغى البعد السياسي على المشهد من الوهلة الأولى عندما سارع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الى إستغلال إجتماع للجنة المركزية لحركة فتح عقب عودته من اجتماعات الأمم المتحدة، ليفتتحه بتوجيه الدعوة على البث المباشر للمنتخب السعودي لقبول اللعب في فلسطين، شاكراً اياها على مواقفها الثابتة اتجاه القضية الفلسطينية.

ولم ينتظر السعوديون كثيراً، حتى بدأت قنواتهم الإعلامية تبث دعوة الرئيس عباس المتلفزة لهم، والاشارة الى أن مكان المباراة سيكون في رام الله، بالرغم من أن عباس اعلنها في القدس وتحديدا على ملعب (الشهيد فيصل الحسيني) الذي يسمونه الفلسطينيون "أمير القدس" نظير عمله المُخلص والصادق لقضية القدس طوال حياته.

" استجابة لطلب الاشقاء في الاتحاد الفلسطيني، وافق الاتحاد السعودي اللعب على ستاد الشهيد فيصل الحسيني بمدينة رام الله" جاء ذلك الحديث المُقتبس على لسان رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للرياضة السعودية، الأمير تركي الفيصل، في بيان صدر من الرياض.

واختزلت الأوساط الرسمية والرياضية والإعلامية السعودية الزيارة  بأنها قبول لدعوة فلسطينية، وخوفاً من ضياع حقهم بملعبهم البيتي، حيث عزز ذلك الصحفي الرياضي السعودي المعروف، محمد الشيخ، الذي يشغل منصب نائب رئيس الاتحاد الاسيوي للصحافة الرياضية، بقوله في تصريحات لبرنامج mbc في أسبوع، بأن " الموافقة السعودية جاءت بعد تعشم وتمني وطلب الفلسطينيين بقبول اللعب على أرضهم" بحسب وصفه.

فيما عبرت الأوساط الرسمية والإعلامية الإسرائيلية عن سعادتها بقبول السعودية ارسال وفد من المملكة للعب في الضفة الغربية، بحسب محلل قناة i42 الإسرائيلية الناطقة بالعربية، اوري ليفي.

وقال ليفي في حواره مع أحد المحللين السياسيين السعوديين عبر الأقمار الصناعية " أنا والكل الإسرائيلي سعيد بتلك الزيارة التاريخية، لأن قدوم السعودية يعني أن الجميع بعدها سوف لن يتردد في القدوم ابداً"

وفي إطار الحملات الترويجية الفلسطينية للمباراة، وما رافقها من مواقف فصائلية فلسطينية بين رفض وتأييد، فإن الرئاسة الفلسطينية أشرفت على حملة ترويج تضمنت اصدار أكثر من 3 أغاني فيديو كليب تُمجد الزيارة المرتقبة، الى جانب الحملات الترويجية من شركة الاتصالات الفلسطينية "جوال" باعتبارها راعية للمنتخب الفلسطيني .

وبرزت خلال فترة الترويج تلك مطامع ورسائل ورغبات سياسية واضحة بحسب مغردين ومتابعين فلسطينيين، فقد نشر الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم لتصميم ترحيبي باللقاء يحمل صورة للملك السعودي الى جانب رئيس الاتحاد الفلسطيني للعبة، بينما لم تستمر الصورة طويلاً على الصفحات الرسمية حتى يتم تبديلها بصورة للملك والرئيس محمود عباس، مما فتح الباب امام تعليقات متتالية على تويتر والفيس بوك وغيرها من الصفحات والمواقع الإخبارية واصفين إياها بالمراهقة والوقاحة السياسية.

واعتبر مغردون ومحللون أن الرياض ورام الله، وجدتا المباراة فرصة مثالية لتصحيح وتصويب ملفات عالقة تُهم مصلحة الاثنين، حيث عملت الاوساط الاعلام السعودية على استغلال المباراة لتبيض سمعة المملكة وتوجيه الأنظار الى دورها التاريخي في دعم القضية الفلسطينية، وحماية المقدسات الدينية في مدينة القدس، في الوقت الذي تعاني فيه السعودية لأشد موجات الإساءة والتنديد في العالم على خلفية مقتل الصحفي السعودي المعارض جمال خاشقجي واتهامات ولي العهد السعودي بالوقوف ورائه، الى جانب الحرب السعودية على الحوثيين في اليمن، إضافة الى تعاطف غالبية العرب مع قطر جراء الحصار السعودي الاماراتي عليها، بحسب عشرات المنشورات على تويتر والفيس بوك.

واعتبر مراقبون ايضا أن رفع صورة تحمل ولي العهد السعودي في القدس، هي أكبر تبيض وانتصار للرجل في ظل ما يتعرض له من هجمات إعلامية يومية عربية كانت او دولية، بحسب قولهم.

وفلسطينياً، فقد كانت المباراة بحسب متابعين، فرصة مناسبة للقيادة السياسية في رام الله، لسد الفجوة الكبيرة التي خلفها التعنت الفلسطيني لمطالب ولي العهد السعودي حول صفقة القرن، مما أوقف الدعم المالي والسياسي في ذلك الوقت عن القيادة الفلسطينية.

فقد بادر الرئيس عباس الى استغلال حادثة المباراة، وتشكيل لجنة باسم "لجنة العلاقات الفلسطينية السعودية" وأعلن نفسه رئيساً لها، ورئيس الوزراء محمد اشتية، نائباً له فيها، على أن تعمل على رأب الصدع مع المملكة وإيجاد حلول للهجمة الإعلامية المتبادلة على وسائل التواصل الاجتماعي بين مغردين فلسطينيين وسعوديين، دعمها ببيان رسمي على وكالة الانباء الفلسطينية "وفا" يمنع فيها أي مواطن فلسطيني التعرض للمملكة وقيادتها بأي تصريحات مسيئة.

وعلى الأرض دخل الفريق السعودي، الى الضفة الغربية عبر الحدود الأردنية، بباصات تحمل لوحة إسرائيلية، وبحراسة مدججة من قوات الأمن الفلسطينية، التي وصل عددها الى ما يقارب 4000 عسكري بين مسلح وغير مسلح، الى جانب الحاجة الماسة للتنسيق المباشر مع الإدارة المدنية الإسرائيلية المشرفة على المناطق في الضفة الغربية.

ولم يدخر الفلسطينيون جهداً، سواء أوساط رسمية او شعبية، في الابداع باستقبال لاعبي واداريي المنتخب السعودي، فقد كانت الورود والاغاني الفلسطينية والكوفية والشخصيات الرسمية حاضرة في الاستقبال، الى جانب حرص كبير من الرئيس الفلسطيني لاستقبال بعض الإداريين في مكتبه برام الله.

وحرص أيضا الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم، الى جانب اللجان المتعددة المعنية بإنجاح الزيارة، لحشد الجماهير من كافة المدن الفلسطينية وتوفير وسائل النقل، والتذاكر المجانية وغيرها، إضافة الى اصطحاب رئيس اتحاد الكرة الفلسطيني لنظيره السعودي لغرس زيتونة بإسم الملك سلمان بن عبد العزيز في أحد احياء مدينة البيرة، ما اعتبره الفلسطينيون مجاملة ونوايا مختلفة ومتداخلة بحسب مغردين.

وتساءل آخرون عن سبب ما وصفوه بالمحبة الكبيرة التي تأسست خلال فترة قصيرة بين المؤسستين الرياضيتين، بعد الشرخ الكبير الذي احدثته المباراة السابقة بين الفريقين في نوفمبر 2015 والتي تم نقلها الى العاصمة الأردنية عمان بقرار من الرئيس عباس بعد مكالمة هاتفية آنذاك من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.

على أرضية الملعب، وتحديداً على المنصة الرسمية، فقد كانت الوجوه جديدة، رئيس حكومة، وزراء، ووزراء سابقين، وقادة أجهزة أمن، ورجال دين، ورجال اعمال، وشخصيات إعلامية وغيرهم، فيما امتلأت مدرجات الملعب بالجماهير الزاحفة من كافة المدن الفلسطينية، الى جانب المئات منها التي لم تجد مكاناً لها مما حتم عليها متابعة اللقاء من وراء الاسلاك الشائكة حول الملعب.

وفي خانة الجماهير أيضاً، لم يتهاون المئات من عناصر الأمن من كلا الجنسين المنتشرين من معبر قلنديا حتى ملعب المباراة، في عمليات تفتيش دقيقة للجماهير، حيث صادرت اعلاماً لليمن، وصوراً لجمال خاشقجي، بل ومنعت أصحابها من الدخول، وبحسب وسائل إعلامية فلسطينية فإن المخابرات الفلسطينية اعتقلت الناشط أحمد اليمني (27) عاماً، أسير محرر، من مدينة الخليل لرفعه علم اليمن خلال المباراة مكتوب عليها " من فلسطين هنا اليمن" .

وبالرغم من عرض اليمني على محكمة فلسطينية في رام الله صباح الخميس، وقرارها بإخلاء سبيله، الا أن القرار لم يُنفذ بحسب تصريحات لشقيقه منجد لوكالة وطن للإنباء.

وفنياً، قدم الفلسطينيون أحد أقوى وأمتع مبارياتهم في التصفيات المُنطلقة مؤخراً، فقد قدموا كل شيء لأجل الفوز، واهدروا ثلاث نقاط كانت في متناول اليد، ربما سيجدون صعوبة كبيرة في تعويضها مستقبلا خلال رحلة التصفيات لكأس العالم 2022.

ولم ترحم أوساطاً مقدسية متعددة، خطوة الوفد الإداري السعودي، وعدد من اللاعبين لقرارهم بزيارة المسجد الأقصى، والتي شاهد الجميع معظم فصولها عبر الفضائيات، مصحوبين بعدد كبير من عناصر الأمن الفلسطيني بالزي المدني، الى جانب حماية واضحة من الشرطة الإسرائيلية، التي قال مقدسيون إنها اعتقلت عدد من الشبان الذين قدموا لرفض الزيارة.

ووجه مغردون تساؤلات كثيرة تتعلق بقرارات السلطات الإسرائيلية اغلاق المسجد أمام الفلسطينيين وفتحه أمام الزائرين العرب والأجانب.

واعتبرت صحيفة التايمز اوف إسرائيل، في عددها الصادر يوم المباراة، أن زيارة الحرم المقدس كانت تاريخية، وتحمل الكثير من الدلالات، على صعيد كسر الحاجز بقدوم الفرق والوفود ومن خلفها قدوم مواطنين سعوديين للصلاة في الحرم المقدسي، بالإشارة الى أن الحرم متاح دائما لكافة الطوائف الدينية لتأدية طقوسها دون أي مضايقات او صعوبات.

وعلى صعيد الحراسات الأمنية للوفد السعودي، فقد اشتكى الفلسطينيون على مدار ثلاث أيام من اغلاق الشوارع، جراء المواكب الرسمية، والانتشار المكثف لكافة الأجهزة الأمنية الفلسطينية، والتفتيش عشوائي للسيارات على مقربة من مكان إقامة المنتخب في فندق الملينيوم.

وانتقد رياضيون ومشجعون للفدائي الإهمال الواضح بحق لاعبي منتخبهم الذين تم وضعم في شقق فندقية، لم تحمل المواصفات الدولية المقررة من الاتحادين الدولي والقاري لكرة القدم بحسب تغريداتهم.

والجدير ذكره أن المغني الفلسطيني المعروف شادي البوريني، قد ظهر في حفل تكريم المنتخب السعودي مع رفيقه قاسم نجار، بعد ظهورهم بين شوطي اللقاء على أرضية الملعب للغناء للسعودية وقيادتها، علماً أن البوريني شارك في مناظرة زجلية مع أحد المطربين المحليين في حفلة بإحدى قرى مدينة جنين، تضمنت إساءة مباشرة لولي العهد السعودي خلال يونيو الماضي.