في أعقاب انسحاب جيش الاحتلال الإسرائيلي خلال الساعات الماضية، بدأ عشرات الفلسطينيين في العودة من رفح إلى مناطقهم في مدينة خانيونس جنوبي قطاع غزة المحاصر منذ ما يزيد عن ستة أشهر.
اجتياح دام لأكثر من أربعة أشهر، كان كفيلًا بإحداث دمار هائل حل بالمنازل والطرق والبنية التحتية والمرافق والمباني العامة والخاصة.
عاش نحو 400 ألف شخص في مدينة خانيونس وضواحيها قبل السابع من أكتوبر، لكن أصبحت المدينة الآن في حالة من الدمار الهائل، بعد أشهر من القصف والقتال العنيف بفعل العدوان الإسرائيلي المتواصل على القطاع.
وفي المشاهد الأولى الواردة من المدينية، تحرك الفلسطينيون، وفق ما أظهرت صور وكالة فرانس برس، سيرًا على الأقدام وبسيارات وعربات تجرها الحمير، ليصلوا إلى مدينتهم التي صارت "حقلًا من الخراب".
ونقلت وكالة فرانس برس عن مها ثائر، وهي من سكان غربي خانيونس: "أشعر بصدمة وحزن شديد"، مضيفة: "بيتي دمر جزئيًا.. لا يوجد جدران ولا نوافذ، أغلب الأبراج نُسفت بالكامل".
ثائر وهي أم لأربعة أطفال، مضت تقول إنها ستعود إلى شقتها المتضررة بشدة "رغم أنها لا تصلح للحياة، لكنها أفضل من الخيام".
ولفتت إلى أن بعض جيرانها يواجهون معاناة أكبر، حيث "وجدوا منازلهم مدمرة ولا يعرفون إلى أين سيذهبون"، واصفة ما وجدته لدى عودتها إلى مدينتها بأن "رائحة الموت منتشرة.. لم تعد هناك مدينة، بل مجرد أنقاض. لم أستطع منع نفسي من البكاء وأنا أسير في الشوارع.. الجثث كانت متناثرة.. شاهدت الناس يحفرون ويخرجون الجثث".
وعلى الرغم من الواقع المرير كان أهالي خانيونس يأملون في عودة مؤقتة لقضاء عيد الفطر، ولو بين حطام منازلهم، لكن الانسحاب، الذي أعلنه الجيش الإسرائيلي، لم يشمل سماحه بعودة الفلسطينيين للمدينة التي أجبرهم على النزوح منها، مطلع ديسمبر (كانون الأول) الماضي.
عبد الله عمر، النازح من شمال المدينة، تسائل: "ما قيمة الانسحاب إن لم نعد إلى منازلنا بسلام؟ ومن يضمن عدم تكرار الاجتياح وحصارنا داخل مناطقنا السكنية، كما يحدث في شمال القطاع؟".
يبدو أن الرجل الذي وصل إلى منطقة سكنه بشِق الأنفس سيرًا على الأقدام، جراء تجريف الطرق، كان يُمني النفس بإمكانية قضاء بقية أيام رمضان وعيد الفطر مستظلاً بما تبقى من منزله المدمر الذي كان ينوي نصب خيمة إلى جواره.
ومضى يقول، إنه لن يضحي بعائلته المكونة من سبعة أفراد ويمكث بجوار ما كان منزله ذات يوم بسبب عدم إعلان الجيش الإسرائيلي السماح بعودة النازحين، ويقول إن الخراب الذي حلّ بخان يونس جسّد لأهاليها أهوال الحرب، وكأنهم يعيشونها من جديد.
وحول الانسحاب الإسرائيلي من خانيونس، نقلت صحيفة هآرتس عن مسؤول عسكري، قوله: "لا حاجة لبقائنا هنا.. فعلنا كل شيء يمكننا فعله".
وفي تصريحات لقناة "إيه بي سي"، أعرب مستشار اتصالات الأمن القومي في البيت الأبيض، جون كيربي، الأحد، عن اعتقاده بأن إعلان الجيش الإسرائيلي الانسحاب من جنوبي قطاع غزة، هو "استراحة" على الأرجح لقواته.
وردًا على سؤال عن مغزى هذا الانسحاب، أوضح كيربي: "من الصعب معرفة ما يعنيه الآن، وحسب ما فهمنا، واستنادًا إلى ما أعلنوه، إنها في الواقع فترة استراحة واستعادة لياقة لقواته (الجيش الإسرائيلي) الموجودة على الأرض منذ 4 أشهر".
وللشهر السادس على التوالي، يواصل جيش الاحتلال عدوانه على قطاع غزة برًا وجوًا وبحرًا، ما أسفر عن استشهاد أكثر من 32 ألف فلسطيني 70 % منهم من الأطفال والنساء، وفقًا لآخر حصيلة أعلنتها وزارة الصحة في غزة.
وتفرض إسرائيل حصارًا شاملاً على القطاع ومنعت إمدادات الغذاء والماء والوقود وغيرها من الاحتياجات الإنسانية عن أكثر من 2.3 مليون شخص هم إجمالي سكان القطاع.
وبفعل حربها البربرية على القطاع، تواجه إسرائيل ضغوطًا متزايدة من حلفائها الغربيين لوقف الهجوم العسكري في غزة الذي أدى إلى تدمير جزء كبير من القطاع الساحلي المكتظ بالسكان.