نهضة عمرانية ضخمة تشهدها دولة أذربيجان، الواقعة عند مفترق الطرق بين أوروبا الشرقية وآسيا الغربية، وهو الموقع الذي يؤهلها للعب دور حيوي اقتصاديا وسياسيا في منطقة القوقاز في أوراسيا.
"الحياة واشنطن" زارت أذربيجان، ضمن وفد صحافي التقى مسؤولين فيها، وتفقد عدة مشروعات قومية، تُظهر "شغف" المجتمع الآذاري وتطلعه إلى التطور والنهضة في المرحلة اللاحقة.
"الكوريدور" أو "الممر" هو واحد من أكبر مشروعات النقل في المنطقة، والذي ستلعب فيه أذربيجان الدور الأبرز، بحكم موقعها الذي يؤهلها للربط بين أوروبا وآسيا.
والمشروع عبارة عن خط سكة حديد مباشرة من أذربيجان لتركيا عبر أرمينيا، وسيربط الطريق مباشرة بين أذربيجان وتركيا، إضافة إلى "ممر النقل الشمالي الجنوبي" وهو مشروع سكة حديد، سيربط أوروبا بآسيا عبر آذربيجان، ووافق رؤساء أذربيجان وروسيا وإيران، في العام 2016 على المشروع، بحيث يتم ربط إيران بروسيا عبر هذا الخط، ما يعني تعزيز دور وحضور أذربيجان في المنطقة.
وإلى جانب "الممر" يبقى "الغاز" رهانا مهما لدى أذربيجان في مشروعها للنهضة الاقتصادية، خصوصا في ظل بروز الغاز الآذري كخيار مهم لحل أزمة الطاقة في أوروبا، التي خلفتها تطورات الحرب الروسية الأوكرانية.
ويقدر احتياطي الغاز في بحر قزوين بـ 12 تريليون متر مكعب، كثالث أكبر مصدر للطاقة في العالم بعد الخليج العربي وسيبيريا.
وقفزت إيرادات أذربيجان من الغاز في النصف الأول من العام الجاري، بفعل ارتفاع أسعاره عالميا وزيادة الطلب على الغاز الآذري في أوروبا.
ووقع رئيس جمهورية أذربيجان إلهام علييف، ورئيسة المفوضية الأوروبية اورسولا فون دير لياين، في يوليو الماضي، مذكرة تفاهم حول الشراكة الاستراتيجية في مجال الطاقة، بهدف مضاعفة واردات الغاز الآذري إلى دول الاتحاد، في إطار جهود أوروبا لتقليل الاعتماد على الطاقة الروسية.
وربما سيكون الغاز الآذري عاملا أساسيا في دفع الاتحاد الأوروبي والغرب، للاهتمام بالاستقرار في اذربيجان التي طوت صفحة الحرب مع جارتها أرمينيا، بعد احتلالها على مدى 30 عاما، مرتفعات قره باغ.
وتتجه أنظار أذربيجان الآن نحو الإعمار والتطور الاقتصادي، ولاحظت "الحياة واشنطن"، تطور نظام التعليم الحكومي المجاني، حتى أنه أكثر جودة من مثيله الخاص مدفوع الأجر، كما يهتم النظام الآذري بالصحة، في إطار رؤية التركيز على العنصر البشري كأساس للتطوير، إذ يُقدم النظام الصحي الحكومي مستوى خدمات متميزا.
ويعتمد النظام الآذري في مجال التنمية على شباب ذوي همم عالية، ومستوى تعليمي متميز للإشراف على المشروعات قيد التنفيذ.
وزارت "الحياة واشنطن" القرية الذكية ومنطقة صناعية ومطار "فضولي" والمركز التجاري لمدينة جانجي، وهي العاصمة الأولى للدولة وثالث أهم مدنها، ولم تكن محتلة، لكن رغم ذلك طال مركزها التجاري قصفا من أرمينيا، خلدته السلطات بنصب تذكاري حمل أسماء وصور ضحايا القصف.
وفي كل تلك المشروعات، تنتشر الكوادر والخبرات الوطنية كعنصر فعال فيها، إذ تمتلك قدرات نوعية وكفاءات عالية، وهم مخولون بالاتصال المباشر مع مراكز صنع القرار، لإنجاز المهام المطلوبة في تلك المشاريع، ويبدو أن النظام الآذري وضع نصب عينيه، استقطاب الكفاءات الشابة، كعنصر أساسي في التنمية.
وفي مقاطعة "أغدام" في اقليم "قره باغ" في غرب أذربيجان، زارت "الحياة واشنطن" المنطقة الصناعية، التي تسعى لجذب استثمارات دولية تساعد على دفع الاقتصاد.
وقال رئيس قسم الاستثمار والمسؤول عن تنمية المناطق الاقتصادية إميل حاجييف لـ "الحياة واشنطن" إن هناك اتفاقات وقعت مع عدة دول، بينها تركيا وإسرائيل، وأيضا مع "إكسبو دبي" للعمل في المنطقة.
حاجيف، الشاب الأنيق الذي ترك الترف في العاصمة، واختار العمل بجد في منطقة شبه قاحلة، يؤكد أن أذربيجان تسعى إلى توسيع التعاون مع أطراف اقليمية ودولية أخرى لدفع التنمية الصناعية وتحقيق طفرة نوعية في الاقتصاد.
وهو كغالبية المسؤولين الآذرين الذين التقتهم "الحياة واشنطن" يوضح أن اذربيجان معنية تماما بالتفاعل والاندماج مع الأسواق الدولية والاقليمية العملاقة، ولا تغيب عنه خطط تطوير حركة التجارة الدولية ودعم وتطوير الصناعة عبر تدشين خطوط النقل وطرق وسكك حديد.
تلك المشاريع ستخلق فرص عمل وستكون ركيزة لاقتصاد قوي متنوع اجتماعيا وفي علاقاته مع السوق الحر ويحقق التنمية الذاتية عبر إدماجه بالنظام الاقتصادي العالمي.
وضمن 3 مطارات في "قره باغ" المحررة، زارت "الحياة واشنطن" مطار "فضولي"، الذي يستقبل أي نوع من الطائرات، وصالته قدرتها الاستيعابية 200 راكب في الساعة.
وقال عضو طاقم التمثيل الخاص لرئيس الجمهورية الأذريبجانية في الجزء المحرر من منطقة "قره باغ" الاقتصادية، أراز إمانوف، إن المطار الذي افتتح في 26 أكتوبر من العام 2021 استغرق بناؤه 8 أشهر فقط ، وساهمت في بنائه شركات أذربيجانية و تركية، موضحاً أن بإمكانه استقبال أي نوع من الطائرات .
وأضاف: أن صالة المطار لديها القدرة على استيعاب 200 راكب في الساعة، مشيراً إلى أنه تم تحديد رمزاً له مكون من ثلاثة أحرف FZL.
وأكد إمانوف، أن من ضمن أولويات الدولة تطوير مرافق النقل الجوي لتتماشى مع متطلبات النمو المرتقبة في حركة السياحة والسفر، لافتا إلى أن العمل في اقليم "قره باغ" و المناطق المحررة، لايتوقف على مدار الساعة من أجل تحقيق طفرة ونقلة نوعية في مختلف المجالات.
وبدا الاهتمام بالتكنولوجيا والتطور في مجال الذكاء الاصطناعي، واضحا لدى المسؤولين عن "القرية الذكية" في منطقة زنغيلان، وقال المسؤول والمشرف عن القرية وحيد حاجييف، وهو الممثل الخاص لرئيس أذربيجان في منطقة زنغيلان والمشرف على تنمية المناطق الاقتصادية فيها، إن مشروع القرية يقوم على 5 عناصر، هي: المسكن، الإنتاج، الخدمات العامة، والزراعة الذكية والطاقة المتجددة والبديلة.
وأكد أنه يتم تطبيق أحدث التكنولوجيات الفائقة خلال إعادة إعمار المناطق المحررة من أرمينيا، في "قره باغ"، لافتا إلى أن "القرية الذكية" تعتبر منطقة "طاقة خضراء"، تعتمد على مصادر الطاقة المتجددة.
واستكملت الحكومة الأذربيجانية إعادة إعمار قرية "أغالي" في محافظة "زنغيلان" الواقعة على امتداد "ممر زنغازور"، وفق تقنيات القرية الذكية، ليعود إليها 41 عائلة من أهاليها كانوا نزحوا منذ سنوات عدة إلى مناطق أخرى.
تلك النهضة التي تنتظرها أذربيجان عبر الاستفادة من موقعها الجغرافي المميز في مشروع "الممر" وثروتها من "الغاز" الشحيح في أوروبا بفعل الحرب، وشبابها المؤهل الشغوف بالعمل وتنمية بلاده، يُمكن أن تتحقق، ويُعمم نموذج قرية "أغالي" في كل بقعة بالمناطق المحررة، التي بات لها نصيب من تلك التنمية.