منذ الثامن من يونيو/حزيران العام 1967، حين احتلت إسرائيل الضفة الغربية التي عُرفت فيما بعد "النكسة"، تجري عملية طمس واضح ومباشر للهوية الإسلامية والعربية الفلسطينية للحرم الإبراهيمي في البلدة القديمة من مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية.
بدأت عملية الطمس، برفع العلم الإسرائيلي، فوق مبنى الحرم، وتوالت الاعتداءات مروراً بالعام 1972 حين مُنعت صلاة الجنازة في الحرم، وصولاً للتقسيم بعد المجزرة، حين قام مستوطن إسرائيلي يدعى باروخ غولدشتاين، بقتل 29 مصلي، لتتشكل لجنة تعرف بـ لجنة شمغار، وقامت بالتقسيم لتحصل إسرائيل على 63% من الحرم ويبقى الجزء الآخر للمسلمين تحت الوصاية العسكرية الإسرائيلية
اقرأ ايضا: الاتفاق على 90% من تفاصيل اتفاق تبادل الأسرى بين إسرائيل وحماس
وقامت "دار الحياة" بالتركيز على الوضع الحالي في الحرم الشريف من أجل اتاحة الفرصة للقارئ الفلسطيني والعربي لمعرفة تفاصيل ما يتعرض له الحرم الشريف من إجراءات تهويد وطمس للثقافة الإسلامية فيه
وقال الباحث السياسي أشرف بدر، ل"دار الحياة"، إن نقطة التحول التاريخية بالحرم، كانت في السبعينيات من القرن الماضي، بأحداثٍ أطلقت عليها "أحداث الحرم"، تخللها مظاهرات ومواجهات واعتقالات، ولكن بقوة السلاح استطاعت إسرائيل تثبيت وجودها بالمنطقة والحرم منذ ذلك الوقت
وزير الأوقاف والشؤون الدينية الفلسطينية، الشيخ حاتم البكري، عقب على ما يجري في الحرم الشريف، بتأكيده على أن الشعب الفلسطيني يعيش مواجهة ومجابهة مع الاحتلال منذ عام 1967، وصولاً للعام 1977 حين قامت إسرائيل بإدخال المحتويات التوراتية للحرم، ليبدأ مشوار تهويد الحرم، وتحويله من معلم إسلامي إلى معلم توراتي، حتى وصلنا للعام 1994، وقامت لجنة شمغار بمعاقبة الضحية ومكافأة المجرم.
ويرى البكري أن ما تقوم به إسرائيل هو جريمة نكراء على صعيد الواقع الديني والسياسي والاجتماعي لمدينة الخليل.
ويشير أن وزارته في موقف صعب، لأن إسرائيل تمارس التهويد والتحويل الديني للحرم، وتعمل على طمس الهوية التاريخية للمكان بقوة السلاح، مستغلةً الوضع العالمي والأحداث في أوكرانيا وروسيا وتمارس الإجرام في الحرم الإبراهيمي والمسجد الأقصى، منذ الأول من رمضان والاعتداءات بوتيرة مُضاعفة وسريعة، بدأ العمل بالمصعد الكهربائي منذ عام، كانت تجري تحت الأرض، والآن فوق الأرض
الوضع الحالي، والاعتداء
يصف مدير الحرم الإبراهيمي، غسان الرجبي، الوضع الحالي بأنه الأخطر منذ احتلال الخليل عام 1967
"يجري الآن استكمال العمل بالمصعد الكهربائي والمسار السياحي، الذي يؤدي لتغيير البناء المعماري للحرم، بتدمير وهدم أجزاء من المبنى، تساعد بطمس الهوية الإسلامية للمكان"، بحسب الرجبي
مضيفاً أن إسرائيل تسارع الزمن لإكمال بناء المصعد والمسار السياحي بدون حدوث المشاكل، لتقديمه كخطة لجلب أكبر عدد من المستوطنين وتسهيل عمليات الاقتحام المتكرر للحرم، وممارسة كافة الطقوس الدينية بأريحية تامة.
ويرى الباحث السياسي، بدر، أن هناك ضعف عام، وقلة حيلة، في التعامل مع الإجراءات الإسرائيلية، ناتجة عن قوة السلاح، وهي نفسها القوة التي حولت المسجد الأقصى في زمن قديم لاسطبل للخيول
عن اليوم السبت، والذي يعتبر يوم ديني عند اليهود، يشير الرجبي إلى أنها أيام احتفالات ماجنة للمستوطنين، وتقييد وصول وتنكيل بالمصلين، ومنع للآذان طيلة اليوم حتى آذان العشاء، وهو ما يشعر الزائر أن الحرم تحت السيطرة الإسرائيلية بشكل كامل.
اتفاقية الخليل وتقسيم الحرم، الآثار المترتبة
اتفاقية الخليل (بروتوكول الخليل)، الذي تمت بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، بتقسيم الخليل إلى H1 (خاضعة للسيطرة الفلسطينية) و H2 (خاضعة للسيطرة الإسرائيلية)، على أن تقوم إسرائيل بحماية أمن الإسرائيليين بكافة المناطق
يعتبر بدر أن تلك الاتفاقيات هي شرعنة للوجود اليهودي بالخليل بعد لجنة شمغار التي قسمت الحرم.
ومن جانبه يرى عضو اللجنة الشبابية في لجنة حُماة الحرم الإبراهيمي، فوزي الجعبري، أن اتفاقية الخليل بالإضافة للأوضاع السياسية، ساعدت بفصل الناس عن البلدة القديمة والحرم الإبراهيمي
عمليات الإنعاش، هل فات الميعاد
لجنة حماة الحرم الإبراهيمي، التي تأسست إثر الزيارة التاريخية الأولى لرئيس الوزراء الإسرائيلي حينها بنيامين نتياهو، للحرم الإبراهيمي والإعلان عن المشاريع التهويدية، فوزي الجعبري عضو اللجنة يتحدث لدار الحياة، أن اللجنة تتكون من 250 شاب يجمعهم هم وهدف واحد، حماية الحرم الإبراهيمي من التهويد وإحياء البلدة القديمة، وهم من جميع المكونات المجتمع الفلسطيني
ويرى أشرف بدر أن "التخلص من الوجود اليهودي، مرتبط بإنهاء الاحتلال، لا سبيل آخر لاستعادة الحرم، المحاولات يجب أن تبقى مستمرة، ليبقى الحرم حي، بفعاليات شعبية ووطنية"
فيما يعتقد الجعبري، أن العمل مستمر لتنظيم فعاليات، ويتولى في كل أسبوع ثلاثة أشخاص مهمة الترتيب لفعالية "الفجر العظيم"، وهي حملة قامت بها عائلات مدينة الخليل، لإحياء البلدة القديمة والحرم الإبراهيمي تتمثل بالذهاب للحرم والتسوق من البلدة القديمة بعد صلاة الفجر
بالإضافة لإحياء "زفة العرسان"، وهو تقليد خليلي قديم، حيث كان قديماً يزف العريس من الحرم الإبراهيمي، بعد مجزرة الحرم لم يعد الناس يمارسوا هذا التقليد، تقوم لجنة حماة الحرم بالتنسيق مع الجهات المعنية لإعادة هذا التقليد التي ترى أن من شأنه إحياء الحرم والبلدة القديمة.
"هدفنا الرئيسي كسر حاجز الخوف لدى المواطن الفلسطيني من النزول للحرم، وتحدي الاحتلال، يحاول الاحتلال التنكيل بالمواطنين حين يكونوا بشكل فردي حيث يفتشهم ويوقفهم على الحواجز المنتشرة على طول الطريق، لكن التواجد الكثيف يرعب الاحتلال يجعله يتراجع عن التفتيش، ويخيف المستوطنين المنتشرين بمحيط الحرم". بحسب الجعبري
ويؤكد الباحث، أشرف بدر، في هذا السياق، أنه من المهم أن تكون حملة الفجر العظيم التي نظمتها عائلات الخليل لإحياء البلدة القديمة والحرم الإبراهيمي، غير مبنية على ردود أفعال بل خطط مدروسة.
أشار مدير الحرم الإبراهيمي، إلى أهمية التواجد والرباط والاعتكاف، بشكل يومي، أسبوعي أو شهري كأضعف الإيمان، للحفاظ على المعالم والتاريخ الإسلامي للمكان
الأمر نفسه طالب به وزير الأوقاف، "التواجد المستمر في البلدة القديمة والحرم الإبراهيمي، من شأنه أن يحد من التوغل والاعتداء والتغيير الحاصل، بذلنا الجهود ورفعنا عدد الموظفين في الحرم، لأربعين موظف منذ نهاية العام الماضي وبداية العام الحالي"
ويقترح الباحث السياسي بدر، أن يتم إرسال كل يوم صف مدرسي للحرم، هذا يضمن وجود كثيف ومستمر، رداً على سؤالنا أجاب وزير الأوقاف أنه يجري الترتيب بين وزارتي الأوقاف والتربية والتعليم العالي، لعمل برنامج لمدة عام كامل لتنظيم زيارات للحرم من المدارس والجامعات الفلسطينية
كما دعت وزارة الأوقاف، مجتمع ومؤسسات وعائلات الخليل، بالاستمرار بالفعاليات والنشاطات والتواجد الدائم بالبلدة القديمة والحرم الإبراهيمي، الذي من شأنه إحياء المنطقة وإيصال رسالة لإسرائيل بأننا متواجدون ونرفض الوضع الراهن.
المطالبات والرسائل، والتحرك الدولي
طالب مدير الحرم، أحرار العالم، بالاستمرار في فضح جرائم الاحتلال بكل الطرق والوسائل المُتاحة، واستغلال المنابر الدولية للحديث عن هذا التغيير وإحلال هوية يهودية بدل الإسلامية، وأن تكون القضية الفلسطينية والاعتداء على الحرم والمسجد الأقصى على سلم أولويات المسلمين حول العالم
من جانبه قال وزير الأوقاف إن وزارته، تتعاطى مع الحرم الإبراهيمي على أنه معلم ديني إسلامي، وإن لجنة التراث العالمي التابعة لمنظمة "اليونسكو"، قد أعلنت في يوليو/تموز 2017 أن الحرم الإبراهيمي موقعاً تراثياً فلسطينياً، إلا أن إسرائيل ضربت بعرض الحائط هذه القرارات هي تمارس التغيير التاريخي للمكان بهدم أجزاء منه لإحلال الهوية التوراتية اليهودية على المكان.
وتابع: "لذلك طالبنا المجتمع الدولي واللجان الدينية والتراثية السياحية المعنية، ومنظمة المؤتمر الاسلامي، بالتحرك لوقف هذا الإجرام"
وقال الوزير: "شكلنا لجنة لمتابعة الوضع الحالي بالحرم، وتستعد اللجنة لوضع اللمسات النهائية على التقرير، لعرضه بجلسة مجلس الوزراء القادمة، لتبحث الحكومة الفلسطينية الخطوة المقبلة"
وتابع: "يصعب استعادة الجزء المسلوب من الحرم الإبراهيمي، لكن من المهم الحفاظ على ما تبقى من الحرم بالوسائل الدبلوماسية المتاحة"
وأكد وزير الاوقاف الفلسطيني أنه من المهم أن تتغير الحالة الراهنة، وحالة عدم التواجد، لأنها يساعد إسرائيل على ممارسة الأفعال بوتيرة سريعة.
وقال: "جميع ما تقوم به إسرائيل اعمال اجرامية مخالفة لكل المعايير، وتعمل على تغيير معلم ديني إسلامي إلى معلم يهودي، والشعب الفلسطيني يعتبر الحرم الإبراهيمي مكان إسلامي خالص لا يمكن لأحد أن يتقاسمه معه".