شهدت الأزمة التي أعقبت المخططات الإسرائيلية لطرد الفلسطينيين من منازلهم في القدس، في مايو المنصرم، والتي وقع خلالها إطلاق حركة "حماس" لصواريخ استهدفت إسرائيل وأيضًا الغارات التفجيرية الإسرائيلية على قطاع غزة ونتج عنها استشهاد أكثر من 230 مدنيًا فلسطينيًا، إلى جانب مقتل 12 إسرائيليًا، تأييدًا علنيًا وملحوظًا من الرئيس الأمريكي جو بايدن، لإسرائيل في مقابل الإلقاء باللائمة على حركة حماس.
إذ رفض بايدن أن ينتقد التحركات الإسرائيلية بشكل علني أو حتى الدفع بالإنهاء المبكر للأزمة، حتى وصل الأمر إلى درجة توجيه الانتقادات له ليس فقط من قبل الديمقراطيين التقدميين، بل حتى من الديمقراطيين المعروف عنهم إنحيازهم لإسرائيل داخل مجلس الشيوخ الأمريكي (الكونجرس).
وفرض هذا التصور رد فعل معاكس تمامًا من قبل الكونجرس تجاه السياسة الأمريكية حيال إسرائيل، إذ رأى بن رودس، وهو نائب مستشار الأمن القومي الأمريكي في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما، أن العمل داخل البيت الأبيض فيما يتعلق بإسرائيل كان مميزًا، معللًا بأن عدد الاجتماعات مع الجماعات الاستيطانية والمناصرة لإسرائيل كان متساويًا مع عدد كافة الاجتماعات التي عقدت لمناقشة قضايا السياسة الخارجية.
في حين أظهر استطلاع جديد للرأي حول القضايا الحاسمة، أجرته جامعة "ماريلاند"، خلال الفترة من 22 يونيو وحتى 21 يوليو الماضيين لمعرفة السبب وراء استعداد الديمقراطيين لانتقاد رئيس ديمقراطي جديد، أن شريحة كبيرة من جمهور الديمقراطيين يلقون باللائمة على إسرائيل أكثر من الفلسطينيين فيما يخص أزمة قطاع غزة، حتى حينما قرر بايدن بالميل لنغمة تأييد إسرائيل.
وبشكل أكثر تعمقًا، فقط أظهر الاستطلاع رفض الجمهور لتعامل بايدن مع الأزمة، ومن بينهم عدد كبير من الأقلية الديمقراطية، وهو شيء لم يسعف الرئيس، حيث انخفضت معدلات الرضا عن أدائه الكلي خلال الأسابيع الأخيرة.
ويبدو أن أزمة غزة أدت إلى زيادة أكبر في عدد من الديمقراطيين، وتحديدًا الشباب، الذين يريدون أن تميل الولايات المتحدة الأمريكية إلى جانب الفلسطينيين حتى الآن.
وهناك 7 نقاط أظهرها استطلاع الرأي، الذي جرى على عينة مكونة من 3 آلاف و379 مواطنًا من الأمريكيين البالغين (بهامش خطأ 1,69%).
أولًا: معظم الأمريكيين رفضوا جهود بايدن لإنهاء الحرب في غزة، وكان الرفض خاصة بين الأشخاص الذين قالوا إنهم يتابعون الحرب عن كثب، حيث بلغت النسبة الإجمالية 52,6% رافضون لسياسة بايدن، بينما كان 47.4% راضون عنها، وكان أيضًا تفاعل الشباب الديمقراطي الذين تتراوح أعمارهم ما بين 18 وحتى 34 عامًا أكثر أهمية، حيث رفض قرابة من نصفهم جهود بايدن في إنهاء الحرب.
من ناحية أخرى، تضمن رفض الجمهوريين لتعامل بايدن مع أزمة غزة العديد من المعتقدين بأن بايدن ليس مناصرًا لإسرائيل بالشكل الكافي، لكن لوحظ أن الجمهوريين الموافقين على سياسة بايدن مع حرب غزة، وهم يشكلون 20%، يفوقون عدد الجمهوريين الراضين عن عمله كرئيس بشكل عام بنسبة تتراوح ما بين 8% إلى 12%.
أيضًا لوحظ (كما هو موضح في النقطة الخامسة في الأسفل) أن 44.4% من الجمهوريين قالوا إن نوابهم المنتخبين في الكونجرس والمعروف موقفهم من الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي يميلون إلى جانب إسرائيل أكثر منهم.
ثانيًا: 8,1% فقط من الديمقراطيين ألقوا باللائمة على الفلسطينيين في أزمة إندلاع الحرب في غزة، بينما جاءت نسبة 34.8% على إسرائيل، و52.5% ألقوا باللائمة على كلا الجانبين.
على الجانب الأخر، 59,9% من الجمهوريين ألقوا باللائمة على الفلسطينيين في أزمة إندلاع الحرب، بينما أدان 3,7% إسرائيل، و31,1% أدان كلا الجانبين.
وبشكل عام، فإن الأمريكيين الذين تتراوح أعمارهم ما بين 18 وحتى 34 عامًا قالوا إن إسرائيل تتحمل مسئولية وقوع الحرب بنسبة 30,1%، بنسبة أكبر من توجيه اللوم للفلسطينيين 20,2%، بينما أدان الديمقراطيون الذين تراوحت أعمارهم ما بين 18 وحتى 34 عامًا إسرائيل بنسبة 45.1% أكثر مقابل 6,1% للفلسطينيين.
ثالثًا: أن عددًا كبيرًا من الديمقراطيين (43,7%) وأكثر من ربع الأمريكيين بوجه عام، يريدون تطبيق الولايات المتحدة الأمريكية "مزيدًا من الضغط على إسرائيل، ومن بين تلك الضغوطات منع المساعدات".
وفي المقابل، أظهرت نتائج الاستطلاع أن 49% من الجمهوريين و 8,5% من الديمقراطيين يريدون تطبيق ضغوط مماثلة على الفلسطينيين، وبشكل إجمالي، وافق 48.7% من المستجيبين للاستطلاع على تطبيق ضغوط إضافية على كلا الجانبين، بنسبة 44.7% من الجمهورين، و47.8% من الديمقراطيين.
رابعًا: تأييد ثلث المستجيبين للاستطلاع بربط الدعم العسكري لإسرائيل بتصرفاتها تجاه الفلسطينيين.
وبشكل لافت للنظر، أيد المستجيبون الديمقراطيون بنسبة 36,3% والجمهوريون 32,3% فكرة ربط الدعم التسليحي المقدم من الولايات المتحدة لإسرائيل بالممارسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين. فيما جاءت نسبة المعارضة بشكل إجمالي 46.6% من بينهم 50.3% من المستجيبين الجمهوريين و43,4% من الديمقراطيين.
خامسًا: ثلثا المستجيبين الديمقراطيين (67,7%) و44,4% من الجمهوريين قالوا إن نوابهم المنتخبين في الكونجرس الأمريكي يميلون تجاه إسرائيل فيما يخص الصراع الفلسطيني الإسرائيلي أكثر منهم.
سادسًا: استمرار حالة الاستقطاب على الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي:
يرغب أغلب الجمهوريين في أن تحذو الولايات المتحدة حذو إسرائيل بشكل مطلق، بينما يريد أغلبية ساحقة من الديمقراطيين والمستقلين ألا تميل بلادهم نحو جانب إسرائيل أو الفلسطينيين.
إلا أنه هناك أغلبية من بين الأقلية الديمقراطية التي ترغب في اتخاذ الولايات المتحدة جانبًا مناصرًا للفلسطينيين بنسبة 1: 2 (9,5% - 17,9%) – وهي النسبة الأعلى لصالح مناصرة الفلسطينيين في جميع استطلاعات الرأي التي أجرتها الجامعة.
وبشكل أكثر للملاحظة، أيد 34,5% من المستجيبين الديمقراطيين الذين تتراوح أعمارهم ما بين 18 وحتى 34 عامًا انحياز الولايات المتحدة الأمريكية إلى الفلسطينيين مقابل 9,1% لصالح الانحياز لإسرائيل – مما يمثل أيضًا أعلى نسبة تصويت مسجلة في استطلاعات الرأي التي أجرتها الجامعة حتى الآن.
سابعًا: أغلب الأمريكيين يعتقدون أن إيران لديها أسلحة نووية أكثر من إسرائيل
بينما تُعرف إسرائيل بامتلاكها للأسلحة النووية منذ عقود (بدون الاعتراف رسميًا بذلك) ، وأن من المعروف عن إيران أنها لم تمتلك يومًا أيًا منها، فإن تصور المجتمع الأمريكي يرجح حقيقة أخرى وهي أن 60,5% من المستجيبين، 70,6% من الجمهوريين و52,6 من الديمقراطيين صوتوا لصالح إمتلاك إيران للأسلحة النووية، مقارنة ب51,7% من الذين صوتوا لصالح إمتلاك إسرائيل للسلاح النووي ، حيث صوت 51,7% من الجمهوريين و51,9% لصالح ذلك.
وأظهرت النتيجة النهائية للاستطلاع أن قطاع غزة يمثل أهمية في تحول كبير في تصرفات الديمقراطيين تجاه إسرائيل، وخاصة بعد العدوان على قطاع غزة في مايو الماضي.
وأوضحت النتائج حالة التأييد القوية بين الجمهوريين لإسرائيل، والذي يقابلها تراجعًا في انخفاض تأييد إسرائيل بين الديمقراطيين، كما سلطت الضوء على الاختلاف بين الموقف الداعم لإدارة بايدن بالمؤيد لإسرائيل بشكل علني، والرأي العام الديمقراطي الذي يريد بشكل ساحق أن تمد الولايات المتحدة يد العون للمناحزين بشكل متزايد لدعم الفلسطينيين.
كما أظهرت نتائج الاستطلاع أن الفترة الزمنية التي تم إجراؤه خلالها كانت عقب تصويت الكنيست الإسرائيلي، في 13 يونيو الماضي، على الإطاحة برئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو، (الذي لا يحظى بتأييد بين الديمقراطيين)، واستبداله برئيس وزراء أكثر تماشيًا مع إدارة بايدن.
وأخيرًا، أكدت النتائج انخفاض معدلات الرضا عن أداء بايدن خلال الأسابيع الأخيرة ، ويبدو حدوث ذلك نتيجة انخفاض الرضا عن تصرفاته بين الديمقراطيين، وبينما أنه ليس هناك دليلًا مباشرًا يرجح أن الحرب على غزة كانت إحدى الأسباب وراء هذا الانخفاض، فإن هناك العديد من الدلائل التي تستنتج أن الحرب على غزة لم تساهم في ارتفاع شعبيته مطلقًا.
(تعاطف الشعب الأمريكي مع فلسطين في تزايد)
اُجْريَ في الولايات المتحدة استفتاءان جديران بالدراسة والمراجعة حول نظرة وتعاطف الأمريكيين للصراع العربي / الفلسطيني الإسرائيلي، خاصه بعد الحرب الأخيرة الجارفة على قطاع غزة وقرارات الحكومة الإسرائيلية لتهجير العديد من العائلات الفلسطينية في الشيخ جراح تلبية لرغبات المستوطنين الصهاينة.
الحرب على غزة استشهد فيها 230 فلسطينيًا منهم أكثر من 70 طفلًا، هذه الحرب التي أبرزت تضامنًا عالميًا مع الشعب الفلسطيني، كما أبرزت أصواتًا وبشكل عال في أمريكا تطالب بدور أكبر في هذا الصراع خاصة من قبل التقدميين في الحزب الديمقراطي الأمريكي بالكونجرس، والمخالف ولأول مرة سياسات البيت الأبيض المتضامنة ودون شروط أو تردد مع سياسات وممارسات الحكومة الإسرائيلية والتي تؤيد إسرائيل وترفض انتقاد ممارساتها.
وأفاد الناشط السياسي الأمريكي ذو الأصول الفلسطينية المهندس ماهر عبد القادر Maher Abdelqader – NY نيويورك، "أن الاستفتاء الأول أجرته "الاسوشييتد برس" وجامعة "شيكاغو" بين 6/10 - 6/14، والثاني أجرته جامعة "ميريلاند" بين 6/22 - 7/21 من هذا العام.
الدراستان بينتا أن غالبية الجمهوريين الأمريكيين يؤيدون إسرائيل بينما غالبية الديمقراطيين ينظرون إلى أن الفلسطينيين يجب أن ينظر لحقوقهم بشكل أكثر عدلًا ويطالبوا بتأييد أفضل اتجاه الفلسطينيين وغير راضين بسياسة الرئيس جو بايدن الشرق أوسطية.
ويبيَّن الاستفتاء أن 56% لا يوافقون على ما يجري في المنطقة وأن 39% قالوا إن ما يجري كان جيدًا وعاديًا وأن 29% قالوا إن أمريكا مساعد كبير لإسرائيل و30% قالوا إن أمريكا لم تساعد إسرائيل بشكل كاف.
إذ أظهر استفتاء جامعة ميريلاند ولأول مرة أن هناك استعدادًا ودون تردد من قبل نواب أعضاء الكونجرس الأمريكي، اتخاذ مواقف ناقدة ومضادة لسياسات الرئيس الأمريكي اتجاه الصراع العربي / الفلسطيني - الإسرائيلي، كما هم مستعدون ودون تردد أن ينتقدوا ممارسات إسرائيل.
بين رودس، مساعد مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض في عهد أوباما، قال إن عدد اللقاءات التي تجري في البيت الأبيض مع المنظمات والمؤسسات واللوبيات اليهودية والصهيونية يفوق عدد كل اللقاءات التي تجري مع كل المجموعات واللوبيات القومية الأخرى.
الاستفتاء أظهر أيضًا أن غالبية الأمريكيين يعرفون أن إسرائيل هي سبب الحروب في المنطقة وهذا تغير جديد في نظرة الأمريكيين للصراع الشرق أوسطي.
التغيرات في نظرة الأمريكيين في تعاطفهم الإيجابي مع قضية فلسطين خاصة بين جيل الشباب مردوده شبكات التواصل الاجتماعي والتي توفر معلومات سريعة وغير مبرمجة أو مدروسة بشكل مضلل أو مسُيس كما يفعل الإعلام الأمريكي الكلاسيكي والمسيطر عليه كليًا من الحركة الصهيونية أو المتعاطفين معها من الحركة المسيحية المتصهينة.
الاستفتاء أبرز سبعه نقاط مميزه هي:
١- 56% من الأمريكان ضد سياسة جو بايدن الشرق أوسطية.
٢-35% من الأمريكان مع سياسات إسرائيل بغض النظر عن طبيعة هذه السياسات مقابل 8% متعاطفين وبشكل متواصل مع الفلسطينيين.
٣- 30% من جيل الشباب يؤيد ويتعاطف مع الفلسطينيين.
٤- 43% من الديمقراطيين مع فرض ضغوط على إسرائيل.
٥- 67% من الجمهوريين يعرفوا أن ممثليهم في الكونجرس متساهلين جدًا بمواقفهم مع إسرائيل وسياساتها.
٦- غالبيه الجمهوريين يضغطون لمسانده إسرائيل، مقابل أن ثلثي الديمقراطيين الآن مع اتخاذ مواقف أكثر عدلًا بين الطرفين.
٧- الغريب أن الاستفتاء يظهر أن غالبية الأمريكيين يعتقدون أن إيران تمتلك سلاحًا نوويًا أكبر من الذي تمتلكه إسرائيل، الأمر المناقض للحقيقة ويظهر مدى تحيز الأمريكيين، ومدى جهلهم وتأثرهم بالإعلام الموجه المساند لإسرائيل.
الاستفتاء يظهر:
١- دور التقدميين في الحزب الديمقراطي بالكونغرس المتعاطف مع الفلسطينيين والمنتقد لسياسات إسرائيل العنصرية والمدمرة اتجاه الفلسطينيين والدول العربية.
٢- الحملة التضامنية العالمية غير المسبوقة والتي عمَت العالم ممثلة في مظاهرات مؤيدة لفلسطين وشاجبة لممارسات إسرائيل العنصرية العنيفة والمدمرة.
٣- رفض البيت الأبيض والرئيس بايدن انتقاد سياسات إسرائيل بغض النظر عن عنفها أو طبيعتها.
٤- بروز دور مميز وبارز وغير مسبوق لمشاهير في أوروبا وأمريكا متضامن ومؤيد وبشكل واضح للشعب الفلسطيني.
٥- شبكة التواصل الاجتماعي لفتت إلى الدور النضالي الصلب للشعب الفلسطيني في مواجهه العنف القاتل الذي تمارسه إسرائيل من خلال ترسانتها العسكرية المتقدمة والمقدمة من أمريكا.