اغتيال سليماني … اغتيال الحلم الإيراني

مشاركة
* د. شهاب مكاحله 01:41 ص، 11 يناير 2020

بعد أن اغتالت واشنطن قائد فيلق القدس قاسم سليماني، باتت عملية الصراع الأميركي الإسرائيلي الإيراني مفتوحة على كافة الاحتمالات. ولكن المتتبع للاستراتيجية الإيرانية يرى أن إيران سترد بطريقتها ووفق ما يتناسب ومكانة سليماني.

أي الاكتفاء بالانتقام له باستهداف مجموعة أشخاص وهنا نعني الانتقام من مسؤولين عسكريين أميركيين رفيعي المستوى إضافة إلى مهاجمة قواعد عسكرية وتعطيل أنشطة عسكرية وملاحية في وقت ترى فيه طهران أنه يخدم مصلحتها رغم الضغوط الأميركية والمساعي الدولية لاحتواء الموقف. فالضربة جاءت ليعيد الرئيس الأميركي دونالد ترامب كسب المنصب الرئاسي.

ومع ذلك فإن من يقرأ عقل المفكرين السياسيين والعسكريين الإيرانيين يرى أن اغتيال سليماني لم يكن اغتيال شخص بل كان اغتيال حلم أو رمز للكثيرين منهم. فهو من وسع نفوذ إيران في العراق وسوريا ولبنان واليمن وغيرها حتى أفريقيا لأنه يرى أن الامن القومي الإيراني يمتد من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهندي.

خطورة سليماني الذي قُتل بعملية مباغتة الساعة ١١,٣٠ دقيقة مساء الخميس في مطار بغداد الدولي بعد تأخر إقلاع رحلته من دمشق عبر شركة طيران خاصة على متنها ٤٤ راكباً، لم تكن لأنه قائد فيلق أو قائد في الجيش الإيراني بل لأنه سياسي وعسكري يدير ملفات عديدة في الشرق الأوسط وهو من وضع إيران على خريطة الشرق الأوسط سياسياً وعسكرياً بلعبه أدواراً مهمة خارج حدود بلاده.

على الرغم من تخوف الكثيرين من ردة الفعل الإيرانية وعواقبها على المنطقة إلا أننا أمام مرحلة حرجة للجميع انعدمت خلالها الثقة بين إيران والمجتمع الدولي ما سيدفع طهران إلى اللجوء إلى مواجهة محدودة ومدروسة غير مباشرة.

في السابق اغتالت إسرائيل عملاء إيرانيين ولم يكن هناك ردة فعل إيرانية مباشرة ولكن استهداف شخصية بوزن سليماني، فلا بد من أخذ عدة معطيات بعين الاعتبار قبل الخوض في السيناريوهات.

لقد تم إبلاغ تل ابيب قبل بدء العملية بثلاثة ساعات، وكان الجيش الإسرائيلي ولا يزال في حالة طوارئ. كما أن الإعلان عن العملية كان عبر صحيفة نيويورك تايمز بليلة من العملية ما يعني أن واشنطن حذرت سليماني للمرة الأخيرة من هذا المصير. كما أن المعلومات الأولية تشير إلى أن من أبلغ عن سليماني كان على متن نفس الرحلة.

أما عن تداعيات الاغتيال فإنها مقلقة لكل دول الجوار العراقي والإيراني بدءاً من دول الخليج العربي إلى الأردن وسوريا ولبنان خوفاً من موجات اللجوء والنزوح وغيرها لأن تلك الدول ما عاد لديها طاقة تستطيع أن تستوعب حروباً جديدة.

لماذا سليماني ولماذا الآن؟ يبدو أن سليماني بات كابوساً للإسرائيليين والأميركيين وغيرهم من دول المنطقة. فهو أخطر شخصية عسكرية في تاريخ الشرق الأوسط الكبير بدءاً من أفغانستان إلى شمال افريقيا لأنه يتبع دولة ترعاه وتدعمه وتسانده ولها حلف يساندها ويدعهما من الناحية العسكرية والأيديولوجية والسياسية.

تعلم واشنطن أن مقتل زعماء التنظيمات الإرهابية مثل القاعدة وداعش لم يكن مهماً لأن تلك تنظيمات وليست دولاً أما مقتل سليماني فهو إيراني يعمل على أرض العراق وسوريا لمصالح عليا إيرانية. أي أن هناك دولة ترعاه.

وفي الختام، فإن المواجهة الحتمية ستكون مناوشات في العراق تستغرق أسابيع وفي سوريا سيتم استهداف مواقع عسكرية تخدم المصالح الأميركية. وهنا لا نستبعد الرد الإسرائيلي باستهداف مناطق في سوريا لم تكن على بنك أهداف الجيش الإسرائيلي. وبعد مضي أشهر على حادثة الاغتيال، لأن نفس الإيرانيين طويل للانتقام ولو بعد حين، فإن الصراع سيتخذ شكلاَ آخر

بالتعرض للملاحة في الخليج والبحر الأحمر والنشاط التجاري والاقتصادي في المنطقة واغتيال شخصيات أميركية لها وزنها على أراض عربية وغربية.

 

*  إعلامي وسياسي أردني

** جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دار الحياة