"بين الدين والسياسة".. من هم دروز سوريا؟ ولماذا تصَّعد إسرائيل لأجلهم؟

02:28 م ,16 يوليو 2025

"حكمت الهجري" اسم برز خلال العقد الأخير، كأحد أبرز الشخصيات الدينية والاجتماعية في محافظة السويداء جنوبي سوريا، إذ انتقل دوره من المرجعية الروحية للطائفة الدرزية إلى لاعب رئيسي في المشهد السياسي والاجتماعي المحلي. 

مسيرته شهدت تحولات بارزة، بدأت بالحياد، مرّت بالاصطفاف مع النظام بشار الأسد، ثم تحوّلات نحو انتقاد سياسات الحكومة الجديدة التي تشكلت بعد سقوط النظام في نهاية عام 2024.

اقرأ ايضا: "الشرع" داخل دائرة الاغتيالات.. إسرائيل تصَّعد ميدانيًا وتهدد سياسيًا

"الهجري" الذي ولد في فنزويلا عام 1965، كان والده يعمل في التجارة، قبل أن تعود العائلة إلى السويداء، تلقى تعليمه في مدارس المحافظة ثم انتقل إلى دمشق لدراسة الحقوق، وتخرج في عام 1990. 

بعد فترة من العمل في فنزويلا، استقر في بلدة قنوات بريف السويداء، وهي مركز الزعامة الروحية للطائفة الدرزية.

وفي عام 2012، تولى الهجري منصب شيخ العقل للطائفة الدرزية، خلفاً لشقيقه الذي توفي في حادث سير، لكن هذا المنصب، الذي يحمل رمزية دينية كبيرة، جاء في ظل انقسام بين ثلاث مرجعيات دينية في المحافظة، حيث تنافس الهجري مع شخصيات أخرى على النفوذ الروحي والاجتماعي.

مع اندلاع الثورة السورية عام 2011، تبنى الهجري في البداية موقفاً متحفظاً، لكنه سرعان ما أبدى دعماً لنظام الأسد، مؤكداً على وحدة الصف مع الجيش السوري في مواجهة المجموعات المسلحة. خلال تلك الفترة، عمل على تعزيز تحالفاته مع النظام، وشارك في جهود تسليح الطائفة الدرزية وتشكيل فصائل محلية بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية، وذلك في ظل تصاعد النزاعات المسلحة.

لكن مع مرور الوقت، بدأت مواقف الهجري تشهد تقلبات ملحوظة، خاصة بعد حادثة إهانة تعرض لها من قبل ضابط في الأمن العسكري للنظام عام 2021، نشأ توتر بينه وبين السلطات، ما أدى إلى موجة غضب محلية واعتذار رسمي. 

هذه الحادثة كانت نقطة تحول، إذ بدأ بعدها يعبر علناً عن انتقادات لسياسات النظام، داعياً إلى التغيير وإلى تحقيق مطالب المحتجين الذين نزلوا إلى الشوارع في السويداء مطالبين بالإصلاح السياسي والعدالة الاجتماعية.

في عامي 2023 و2024، ازدادت احتجاجات السويداء واتسعت رقعتها، وبرز الهجري كصوت داعم للحراك المدني، داعياً إلى التظاهر السلمي ورفض الدعوات للتهدئة التي صدرت من بعض المسؤولين. لم يقتصر دوره على التعبير عن المطالب، بل شارك في لقاءات واتصالات مع جهات دولية معنية، بحث خلالها دعم الاستقرار وحماية المدنيين ومكافحة الجريمة المنظمة في المنطقة.

وفي أعقاب سقوط النظام السابق في نهاية 2024، شهدت العلاقة بين الهجري والحكومة الجديدة توتراً متزايداً، خاصة مع محاولات الحكومة للحد من نفوذه وتقليل دوره في القرار المحلي. في حين تم التركيز على شخصيات أخرى في السويداء، شعر الهجري بالعزلة والتهميش السياسي، خصوصاً في ظل محاولات دمج الفصائل المحلية ضمن الأجهزة الأمنية والجيش، والتي شهدت دعمًا من الحكومة لمنافسين له.

وأعلن الهجري رفضه لمخرجات بعض المؤتمرات السياسية الحكومية، وناشد المجتمع الدولي للتدخل لضمان انتقال سياسي عادل، مبدياً استعداده للوقوف ضد أي إجراءات يراها تهدف إلى إضعاف حقوق أبناء الطائفة والمدينة.

مسار حكمت الهجري يعكس تعقيدات المشهد السياسي والديني في السويداء، حيث تتداخل الأدوار الدينية والاجتماعية مع تحولات السلطة وتوازنات النفوذ بين مختلف الأطراف المحلية والإقليمية. يظل الهجري شخصية محورية في فهم ديناميكيات هذه المحافظة، التي تواجه تحديات متصاعدة في ظل تغيرات سياسية وأمنية عميقة، وسط تساؤلات عن مستقبل دور المرجعيات الدينية وتأثيرها على السلم الأهلي والاستقرار في المنطقة.

(تصعيد إسرائيلي)

خلال الأيام الماضية، شهدت محافظة السويداء مواجهات دامية بين عشائر وفصائل محلية، أسفرت عن مقتل نحو 300 شخص، مما دفع الجيش السوري للتدخل، بهدف الإشراف على وقف لإطلاق النار تم الاتفاق عليه مع وجهاء وأعيان المدينة.

واليوم، شن الجيش الإسرائيلي، ضربات جديدة في دمشق، استهدفت القصر الرئاسي ومقر هيئة الأركان السورية، إلى جانب مواقع أخرى، وبرر رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، هذه الضربات بأن دولته ملزمة بـ"حماية الدروز".

وقال مسؤولون إسرائيليون إن الجيش السوري نسّق مع إسرائيل قبل دخول السويداء "لكن خالف التفاهم"، مشيرين إلى أن التنسيق كان يقضي بعدم إدخال الأسلحة الثقيلة.

وذكر مسؤول عسكري إسرائيلي أن بلاده "لن تسمح بحشد عسكري على حدودها مع جنوب سوريا".

(من هم الدروز؟)

الدروز طائفة عربية، يعود أصل ظهورها إلى القرن 11 ميلادي، ويبلغ عدد أفرادها في الوقت الحالي نحو مليون شخص يعيشون بشكل أساسي في سوريا ولبنان وإسرائيل.

وفي جنوب سوريا، يتركزون في ثلاث محافظات رئيسية قرب هضبة الجولان، ويعيش معظمهم في محافظة السويداء.

ويعيش أكثر من 20 ألف درزي في الجولان، التي سيطرت عليها إسرائيل خلال حرب 1967 وضمتها سنة 1981.

ووفقًا لشبكة "سي إن إن" الأمريكية، يعيش الدروز في الجولان جنبًا إلى جنب مع حوالي 25 ألف مستوطن يهودي موزعين على أكثر من 30 مستوطنة.

وأشارت إلى أن معظم الدروز في الجولان يعتبرون أنفسهم سوريين ورفضوا الجنسية الإسرائيلية عندما سيطرت إسرائيل على المنطقة، ومنحت لهم بطاقات إقامة إسرائيلية عوضا عن الجنسية.

وبعد الإطاحة بنظام بشار الأسد، تعهد الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع باحتواء وحماية جميع الطوائف المكونة للمجتمع السوري، لكن مواجهات وقعت في مناطق تواجد الدروز لا سيما في محافظة السويداء.

وبحسب "سي إن إن"، تعد قضية نزع سلاح الفصائل الدرزية ودمجها في الجيش الوطني أساسية في توتر العلاقة بينهم وبين الحكومة الجديدة.

وأوضح المصدر أن الشرع فشل في التوصل إلى اتفاق مع الدروز الذين يصرون على الاحتفاظ بأسلحتهم.

فيما قال مكتب نتنياهو، يوم الثلاثاء، إن إسرائيل ملزمة بمنع إيذاء الدروز في سوريا، حيث يعيش قرابة 130 ألف درزي إسرائيلي في منطقة الكرمل والجليل شمال إسرائيل.

وعكس الأقليات الأخرى داخل إسرائيل، يجند الرجال الدروز منذ عام 1957 في الجيش الإسرائيلي، وحصل الكثير منهم على رتب عليا في الجيش وأجهزة الأمن الأخرى.

وبعد تدخل قوات الجيش السوري في السويداء، قال الزعيم الروحي لطائفة الموحدين الدروز في سوريا، حكمت الهجري، في بيان مصور نشر يوم الثلاثاء: "نحن نتعرض لحرب إبادة شاملة".

في المقابل، وفي بيان سابق صدر صباح الثلاثاء، رحبت الرئاسة الروحية الدرزية بدخول القوات الحكومية إلى السويداء، داعية الفصائل المسلحة إلى التعاون معها "وعدم مقاومة دخولها، وتسليم سلاحها لوزارة الداخلية".

فرص السلام

سيطرت إسرائيل على المزيد من الأراضي السورية وواصلت تنفيذ ضربات متكررة داخل البلاد منذ سقوط نظام الأسد في ديسمبر 2024، بدعوى منع إعادة بناء القدرات العسكرية واجتثاث التهديدات الأمنية.

وذكرت "سي إن إن"، أن الولايات المتحدة تحاول توجيه منطقة الشرق الأوسط نحو مسار جديد، بتوقيع سوريا على اتفاقيات سلام مع إسرائيل.

وقال مسؤول رفيع بالإدارة الأميركية لشبكة "سي إن إن" الشهر الماضي إن" من مصلحة سوريا أن تميل نحو إسرائيل".

وفيما بعد، وبعد لقائه الأول مع الرئيس السوري، أعلن ترامب رفع العقوبات الأميركية على سوريا من أجل إعادة دمجها في المجتمع الدولي.

لكن نتنياهو وصف الحكومة السورية الجديدة بأنها "نظام إسلامي متطرف يهدد إسرائيل"، وقال مسؤول إسرائيلي لشبكة "سي إن إن" إن نتنياهو طلب من ترامب تجنب رفع العقوبات على سوريا خوفا من تكرار ما حدث في السابع من أكتوبر.

اقرأ ايضا: غزة بين "مفاوضات حبيسة الخلافات" و"تهديدات إسرائيلية" باجتياح جديد

وعلق الرئيس الروحي للطائفة الدرزية في إسرائيل الشيخ ​موفق طريف، الأربعاء، قائلا: "ما حدث في 7 أكتوبر يحدث الآن في السويداء".

جميع الحقوق محفوظة لـ الحياة واشنطن © 2025

هاتف: 00961-81771671

البريد الإلكتروني: info@darhaya.com