في خطوة وصفت بـ"غير المسبوقة" وتشكّل منعطفاً تاريخياً في العلاقة بين المؤسسة العسكرية والمجتمع الحريدي، أعلن الجيش الإسرائيلي بدء تنفيذ خطة تجنيد موسعة تشمل إرسال 54 ألف أمر تجنيد إلى طلاب المعاهد الدينية من الجمهور الحريدي. يأتي ذلك في ظل تصاعد غير مسبوق في حالات التهرب من الخدمة، ومع انتهاء مفعول قانون الإعفاء من الخدمة العسكرية العام الماضي.
ويعيش الجيش الإسرائيلي، الذي يواجه تحديات أمنية متزايدة، أزمة عميقة بسبب تزايد أعداد المتخلفين عن التجنيد. حيث كشف مسؤول رفيع المستوى في الجيش عن أن عدد المتخلفين بلغ حالياً نحو 14 ألفاً، محذراً من أن هذا الرقم قد يقفز إلى 34 ألف متهرب خلال عام واحد إذا استمر التوجه الحالي.
اقرأ ايضا: إيلات تحت الحصار: ميناء إسرائيل الوحيد على البحر الأحمر يلفظ أنفاسه الأخيرة
وشدد المسؤول على أن الجيش سيتعامل مع هذا الملف "بصرامة ومسؤولية وبلا استثناءات"، في إشارة واضحة إلى عزم القيادة العسكرية على فرض التجنيد على الجميع، بمن فيهم طلاب المعاهد الدينية الذين طالما تمتعوا بإعفاءات وتأجيلات لعقود.
وتُشكل هذه الخطوة تتويجاً لسنوات من الجدل القانوني والسياسي حول قضية تجنيد الحريديم. فقد انتهت الإعفاءات فعلياً بقرار المحكمة العليا في يونيو 2023، الذي ألغى الصفة القانونية لـ"طلاب التوراة" كمبرر للإعفاء من الخدمة الإلزامية. هذا القرار فتح الباب أمام الجيش لفرض التجنيد على شريحة واسعة من المجتمع الإسرائيلي كانت بمنأى عنه تاريخياً.
ووفقاً لوزارة الدفاع، سيتم إرسال أوامر التجنيد على دفعات خلال شهر يوليو الجاري، على أن تستكمل بحلول نهاية الصيف. وستوزع مواعيد التجنيد الفعلي على مدار العام المقبل، حتى يونيو 2026، لإتاحة المجال للتحضير اللوجستي في مكاتب التجنيد.
أما بالنسبة للمتخلفين، فإن الجيش يعتزم اتخاذ إجراءات قانونية صارمة. سيتلقى الحريديم المطلوبون للتجنيد ثلاثة استدعاءات متتالية، وفي حال عدم الاستجابة، سيعتبرون متخلفين عن الخدمة وتُتخذ بحقهم إجراءات قانونية قد تصل إلى إصدار مذكرات توقيف واعتقال في المعابر والمطارات، لا سيما في مطار بن غوريون، الذي شهد منذ مطلع العام اعتقال 144 متخلفاً، ما يعكس جدية الجيش في تطبيق القانون.
بالتوازي مع حملة التجنيد القسرية، أطلقت شعبة الموارد البشرية في الجيش خطة طموحة لتعزيز اندماج الحريديم في المؤسسة العسكرية. تهدف هذه الخطة إلى الحفاظ على نمط حياتهم الديني، وتطوير مسارات خدمة مخصصة تلائم خصوصية المجتمع الحريدي. ومن المقرر إنشاء وحدات خاصة لهذا الغرض، في إطار ما يعرف بـ"الخط الحريدي الجديد"، الذي يهدف لتجنيد 4800 إلى 5760 شاباً حريدياً كمرحلة أولى، في محاولة لتلطيف حدة الصدام المحتمل.
كما أعلن الجيش مبادرة "البدء من جديد"، ستدخل حيز التنفيذ في سبتمبر المقبل، وتتيح للمتهربين العودة إلى الخدمة دون عقوبات، ضمن شروط محددة تشمل الالتزام بخدمة لمدة عام على الأقل، في محاولة أخيرة لتقديم حلول توافقية.
تأتي هذه الإجراءات في وقت تشهد فيه الساحة السياسية الإسرائيلية توترات حادة بشأن قانون التجنيد، لا سيما في ظل الضغط الذي تتعرض له الحكومة من قبل أحزاب الحريديم، والتي تعارض بشدة فرض الخدمة العسكرية على طلاب المعاهد الدينية. وقد طُلب من رئيس لجنة الخارجية والدفاع في الكنيست، يولي إدلشتاين، تقديم صيغة قانونية جديدة لتنظيم الإعفاءات بشكل لا يصطدم مع قرارات المحكمة العليا، مما يعكس حساسية الموقف السياسي.
ويعترف الجيش الإسرائيلي بوجود فجوات كبيرة في البنية التحتية، خاصة في ما يتعلق بمرافق السجون، إذ لا تتجاوز القدرة الاستيعابية الحالية 300 سجين، وهو عدد لا يتناسب مع حجم التوقعات بشأن عدد المتخلفين عن الخدمة. وأشار مسؤول في الجيش إلى أنه يجري العمل على توسيع السجن العسكري وفتح مراكز جديدة لاستيعاب المعتقلين، في حال تضاعف أعداد المتخلفين، مما يؤكد توقعات الجيش بارتفاع كبير في حالات الاعتقال.
اقرأ ايضا: تصعيد غير مسبوق: إسرائيل تزج بخطة تجنيد الحريديم في قلب العاصفة السياسية
على الرغم من هذه التحديات، تشير بيانات الجيش إلى ارتفاع بنسبة 44% في عدد المجندين من أبناء المجتمع الحريدي خلال العام الحالي مقارنة بالعام الماضي، حيث انضم نحو 2600 شاب حريدي إلى صفوف الجيش، مقابل 1800 في العام السابق. هذا الارتفاع، وإن كان لا يزال بعيداً عن الأهداف المطلوبة، إلا أنه يعطي مؤشراً على بداية تغير في توجهات بعض أفراد هذا المجتمع.
هاتف: 00961-81771671
البريد الإلكتروني: info@darhaya.com