قالت صحيفة "وول ستريت جونال"، إن مدينة رفح، الواقعة على الطرف الجنوبي من قطاع غزة، أصبحت اليوم، مركزًا لواحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية منذ سنوات.
ويحتشد في رفح أكثر من 1.3 مليون مدني، أي ما يعادل أكثر من نصف سكان قطاع؛ فرارًا من القتال في القطاع الفلسطيني، وسط معاناة حادة وظروف إنسانية قاسية، أدت إلى زيادة الضغوط الدولية على إسرائيل التي تخطط قواتها لتحرك بري محتمل في المدينة الحدودية مع مصر.
اقرأ ايضا: البيت الأبيض: وقف إطلاق النار بين إسرائيل و"حزب الله" بات "قريبًا"
ووفقًا للصحيفة الأمريكية، تقول سهى عرفات، والتي تعيش في غرفة تخزين في رفح مع زوجها وأطفالها الخمسة وثلاث عائلات أخرى: "علينا أن نشتري كل شيء. نحن ندفع الكثير من المال فقط مقابل الطعام كل يوم. ليس لدينا غاز الطبخ. عندما نجد الحطب، نشعل النار لطهي العدس أو المعكرونة".
عمليات نقل المساعدات إلى القطاع تواجه مجموعة من العراقيل بسبب اشتداد الحرب، وإغلاق حدود غزة من قبل إسرائيل ومصر، إضافة إلى عمليات التفتيش الصارمة والقيود التي تفرضها إسرائيل على البضائع المتجهة إلى القطاع المحاصر، بحسب الصحيفة.
ومع ازدياد أعداد النازحين، يتفاقم نقص المساعدات، نظرًا لعدم قدرة المنظمات المتحدة لتلبية كل الاحتياجات، إضافة إلى عوائق أخرى ترتبط بالفوضى وانتشار أعمال النهب في قطاع غزة، وفقًا للصحيفة.
وتتزايد المخاوف من قيام الجيش الإسرائيلي بشن هجوم بري داخل مدينة رفح، التي يقول المسؤولون الإسرائيليون، إنها المعقل الأخير لحماس في القطاع، حيث يحتمي مقاتلوها بين المدنيين هناك، بحسبهم.
بموازاة ذلك، تخشى الولايات المتحدة ودول أوروبية وعربية أخرى، من أن تؤدي مثل هذه العملية إلى سقوط أعداد كبيرة من القتلى، وتضغط على المساعدات الشحيحة بالفعل، وتترك النازحين الفلسطينيين بلا مكان يذهبون إليه.
إلا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يصر على استمرار العمليات العسكرية، وقال في بيان له أمس الاثنين، إن إسرائيل "لن تهدر أي فرصة لتحرير المزيد من الرهائن".
نتنياهو اعتبر أيضًا أن "الضغط العسكري المستمر حتى تحقيق النصر الكامل" على حركة حماس، أمر "ضروري لاستعادة جميع الرهائن".
وفي أولى الغارات على رفح، فجر الاثنين، استشهد عشرات الأشخاص، من بينهم أطفال، وفقا لمسؤولين محليين، وسط قلق متزايد بشأن الهجوم البري الإسرائيلي المخطط له في مدينة غزة.
فيما أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي، أنه نفذ "سلسلة غارات" في منطقة الشابورة برفح، مؤكدًا تحرير رهينتين إسرائيليتين في "عملية خاصة".
ويعاني سكان قطاع غزة مستويات "غير مسبوقة" من "ظروف تحاكي المجاعة" مع استمرار الحرب بين إسرائيل وحركة حماس، وفق ما أفاد برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، الاثنين.
ويواجه حوالى 550 ألف شخص مستويات كارثية من انعدام الأمن الغذائي، فيما تؤثر الأزمة على جميع سكان القطاع، وفق ما أوضحت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو).
وتصر إسرائيل على أنها تتخذ إجراءات واسعة النطاق لحماية المدنيين، لكنها تضطر إلى تنفيذ عمليات عسكرية في مناطق مدنية تنشط فيها حركة حماس التي شنت هجوم السابع من أكتوبر، متهمة حماس باستعمال المدنيين كأدرع بشرية، وهو ما تنفيه الحركة.
ونقلت الصحيفة الأمريكية شهادات وتقارير لبرنامج الأغذية العالمي، التي تؤكد أن العثور على الماء النظيف والغذاء يمثل صراعًا يوميًا للسكان، الذين يقضون معظم أيامهم دون تناول أي وجبة طعام.
إذ يقول سكان في رفح، إن سعر الدقيق يصل إلى عشرة أضعاف سعره قبل الحرب، ما يدفع الكثيرين لصنع الخبز من الحبوب المستخدمة لإطعام الحيوانات، فيما تحدد النساء كمية المياه التي يشربنها لتجنب الوقوف في طوابير طويلة في المراحيض العامة.
وبحسب "وول ستريت جونال"، يقول سام بلوخ، مدير الاستجابة للطوارئ في "World Central Kitchen"، وهي منظمة غير ربحية مقرها واشنطن تقدم وجبات الطعام في مناطق الأزمات: "لم أر قط شيئًا مماثلا في درجة اليأس والتعقيد والصعوبة".
وأضاف بلوخ، أنه عندما وصل إلى رفح في ديسمبر الماضي، كانت المدينة تضم أشجارا، غير أنه ومنذ ذلك الحين تم تقطيعها جميعها تقريبا لاستخدامها في طهي الطعام، قائلًا: "عندما غادرت، كان الناس يحفرون جذور تلك الأشجار ليطبخوا بها، ويصنعوا كوباً من الشاي".
ودعت إسرائيل، الاثنين، هيئات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة إلى المساعدة في عمليات إجلاء الفلسطينيين قبل التوغل البري الوشيك لمدينة رفح المكتظة بالنازحين.
وقال المتحدث باسم الحكومة، إيلون ليفي، في إفادة صحفية: "نحث وكالات الأمم المتحدة على التعاون... لا يمكن القول إنه لا يمكن القيام بذلك. اعملوا معنا لإيجاد طريقة".
انتقد مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، الأمر الذي أصدره رئيس الوزراء الإسرائيلي، متسائلًا: "سيتم إجلاؤهم (...) إلى أين؟ إلى القمر؟ إلى أين سيجلون هؤلاء الناس؟".
ويواصل جيش الاحتلال عدوانه على قطاع غزة برًا وجوًا وبحرًا، ما أسفر عن استشهاد أكثر من 28 ألف فلسطيني 70 % منهم من الأطفال والنساء، وفقًا لآخر حصيلة أعلنتها وزارة الصحة في غزة.
وتفرض إسرائيل حصارًا شاملاً على القطاع ومنعت إمدادات الغذاء والماء والوقود وغيرها من الاحتياجات الإنسانية عن أكثر من 2.3 مليون شخص هم إجمالي سكان القطاع.
اقرأ ايضا: "روشتة أمريكا لإنهاء الحرب".. هذه بنود مسودة الاتفاق بين إسرائيل ولبنان
وبفعل حربها البربرية على القطاع، تواجه إسرائيل ضغوطًا متزايدة من حلفائها الغربيين لوقف الهجوم العسكري في غزة الذي أدى إلى تدمير جزء كبير من القطاع الساحلي المكتظ بالسكان.