عفوا سيادة الرئيس..بل حكومتكم سبب أزماتنا

مشاركة
* جودة عبدالخالق 02:23 ص، 24 اغسطس 2023

تابعت تصريحات الرئيس خلال زيارته للأكاديمية العسكرية مؤخرًا. وتوقفت كثيرًا عند كلامه عن أحوال البلاد والعباد، وعن خطط الحكومة والسياسات العامة في الداخل والخارج. ويهمني هنا التركيز على ما يخص الوضع الاقتصادي، باعتباره الشغل الشاغل والهم الأكبر لسكان المحروسة. سيادته قال بصورة قاطعة: “إن الأزمة الاقتصادية التي نعانى منها لم نكن نحن السبب فيها”. وأنا أختلف مع سيادة الرئيس، وليعتبر مناقشتي لكلامه جزءًا من الحوار الوطني الذى دعا إليه. أقول للسيد الرئيس أن الأزمة الاقتصادية التي نعانى منها ليست كما تدعى الحكومة بسبب عوامل خارجية (كورونا أو الحرب في أوكرانيا)، بل هي الحصاد المر للسياسات التي طبقتها الحكومات المتعاقبة خلال السنوات العشر الماضية. هذه السياسات كان جوهرها إجمالا غياب الأولويات، مع التركيز على الحجر وإهمال البشر. وكان حاصلها التورط في مشروعات سُميت قومية دون دراسة كافية، والتمادي في الاستدانة، وإهمال الإنتاج الوطني في الزراعة والصناعة لصالح أنشطة التجارة والعقارات، وممالأة المحتكرين والاحتكارات. والأرقام تتحدث عن نفسها: الدين الخارجي ارتفع من43.2 مليار دولار عام 2013 الى 165 مليارا حاليا، والداخلي من 1.5 تريليون جنيه الى 6 تريليونات. وسعر صرف الجنيه هوى من حوالي 5 جنيهات الى أكثر من 30 جنيها للدولار. والتضخم زاد على 40%. والفقر أصبح أكثر اتساعًا وعمقًا. وللعلم، فإن الأزمة الأوكرانية كان تأثيرها على الدول الواقعة في بؤرة تلك الأزمة أقل بالمقارنة بحالتنا. فكيف يمكن القول أنها هي السبب في أزمتنا؟

 

الرئيس قال أيضًا … “عازمون على إيجاد حلول نهائية للأزمة الاقتصادية رغم الظروف الصعبة”. وأنا شخصيًّا أول من يتمنى هذا. ولكن المنطق علمنا أن النتائج تتبع المقدمات. ولحل الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي نعيشها، نحتاج إلى تغيير جذري في التوجهات والسياسات. مطلوب إستراتيجية للإصلاح وسياسات رشيدة وإجراءات ناجزة، والى مسئولين على مستوى الحدث. ونحتاج أيضًا إلى ألية للمحاسبة والمساءلة. فأين نحن من كل هذا؟ وأذكر الرئيس بتجربة المؤتمر الاقتصادى الذى عقدته الحكومة 23-25 أكتوبر من العام الماضى، بعد موجة من التهليل والتكبير. وأذكره أيضًا بالمؤتمر الاقتصادى الذى سبقه في شرم الشيخ عام 2015. فماذا كان الحصاد؟ تمخض الجبل فولد فأرًا، كما يقول المثل! وبهذه المناسبة أتساءل: هل يفتح لنا الحوار الوطنى الجارى الآن، والذى أشارك فيه بكل الصدق والحماس، طاقة أمل؟ أتمنى ذلك من كل قلبى، كمواطن غيور على هذا البلد الأمين يعيش هموم البسطاء ويكابد يوميًّا استشراء الغلاء فضلًا عن انقطاع الكهرباء.

عندما يتحدث رئيس الدولة في الشأن العام، فلا بد أن نتابع ما يقول، بكل ما يقتضيه الأمر من جدية. وعندما يتعلق الحديث برؤيته للوضع الاقتصادى الصعب للبلاد وتصوراته للتعامل مع هذا الوضع، فلا يمكن- بل لا يجوز – أن نتجاهل ما يقول الرئيس. بل إن من حقنا أن نناقش كلام سيادته، لأن الأمر هنا يتعلق بحياة الناس وحركة الاقتصاد ومركز مصر في محيطها الإقليمى وموقعها بين دول العالم. أشار الرئيس في تصريحاته إلى هم المصريين الأكبر وهو الغلاء. قال سيادته: “قد تكون الأسعار بتاعة السلع مرتفعة، وده أمر محل تقدير مننا …”. باسم الغلابة، أشكر للرئيس تقديره لخطورة مشكلة الغلاء. وننتظر منه التحرك الجاد لحل المشكلة. ولكن نذكر سيادته بتصريح تناقلته وسائل الإعلام عن وزير التموين نصه “لو الناس زعلانة من ارتفاع الأسعار أقول لهم وجود السلعة أهم من اختفائها”. فمن نصدق: رئيس الجمهورية أم وزير التموين؟ وإلى الرئيس والوزير رسالة من الفلابة: سعر زجاجة الزيت وصل 70 جنيها وسعر كيلو الأرز 30 جنيها وسعر كيلو السكر 30. فهل يكون هذا الجنون في الأسعار مقدمة لثورة جياع؟ أتمنى ألا يحدث ذلك، وأحذر منه.

 

* مفكر اقتصادي مصري - وزير التضامن الاجتماعي الأسبق

*المصدر: "الأهالي"4

** جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "حياة واشنطن"