نسفت رئيسة صندوق النقد الدولي كريستالينا غورغييفا، ما قدمه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، الأسبوع الماضي، من تطمينات للمصريين بعدم تعويم العملة المحلية مجددًا، بل انتقدت تباطؤ حكومته في الإصلاح، وطالبتها بخطوات ثلاثة اعتبرتها حتمية.
وفي 15 حزيران/ يونيو الجاري، أكد الرئيس السيسي - خلال كلمته بمؤتمر عقد بمدينة "برج العرب"، (شمال غرب) - وقف تعويم الجنيه المصري إذا أثر على المواطنين، حتى لو تعارض ذلك مع مطالب صندوق النقد الدولي.
السيسي، الذي حرر سعر صرف الجنيه أمام العملات المحلية لأول مرة في تشرين الثاني/ نوفمبر 2016، وخفض قيمة عملة بلاده بأكثر من 100بالمئة منذ آذار/ مارس 2022، قال إن سعر الصرف في مصر قضية "أمن قومي"، ولا يمكن للحكومة الاقتراب منه إذا كان سيؤثر على حياة المصريين.
وشبهت مديرة الصندوق، استنزاف دعم الجنيه لاحتياطيات مصر من العملات الأجنبية بأنه "أشبه بسكب الماء في وعاء مثقوب"، معتبرة أن مسألة سعر صرف العملة المصرية ليست اقتصادية فحسب، وإنما "متصلة بالاقتصاد السياسي أيضًا".
وفي مقابلة مع "اقتصاد الشرق"، حددت غورغييفا 3 خطوات لمصر، تتمثل في انسحاب الدولة من الأنشطة، ودعم القطاع الخاص، وبذل المزيد من الجهود لتخصيص الدعم للفئات الأكثر هشاشة، وتعزيز احتياطياتها من العملات الأجنبية.
ودعت لاتخاذ الإجراءات الضرورية للحيلولة دون استنزاف الاحتياطيات من العملات الأجنبية، معلنة عن مراجعة للصندوق في أيلول/ سبتمبر المقبل للإجراءات الاقتصادية بمصر ، ثاني أكبر مقترض من الصندوق بعد الأرجنتين.
وقللت غورغييفا، من حدة انتقاداتها للحكومة المصرية، وقالت إنها "اتخذت عددًا من الخطوات المناسبة" في أجندة الإصلاح الاقتصادي، مضيفة أنها تكن "احترامًا كبيرًا للرئيس السيسي".
تصريحات غورغييفا، بحسب مراقبين، تأتي في توقيت غير مناسب، إذ تتزامن مع حملة دعاية إعلام الدولة المصرية لإنجازات السيسي، في 9 سنوات، استعدادًا لجولة انتخابات رئاسية محتملة نهاية العام الجاري، والتي بدأت خطواتها بتعيين السيسي، نائب رئيس محكمة النقض المستشار وليد حسن حمزة، رئيسًا للهيئة الوطنية للانتخابات.
بموازاة ذلك، انتقد الإعلامي المصري أحمد موسى، تصريحات غورغييفا، حيث قال إن الصندوق يحاول فرض ضغوط سياسية على مصر، مدافعًا عن السيسي، بقوله إنه يعلم حجم الضغوط على مصر، ومنذ 10 سنوات يؤكد أنه لن يسمح بتهديد المصريين وترويعهم.
ووفق تقديرات صندوق النقد الدولي، فإن انخفاض قيمة الجنيه المصري يضيف إلى عبء الدين الخارجي على البلاد، والذي بلغ 91.6 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في حزيران/ يونيو 2022.
وتعيش مصر على وقع أزمات اقتصادية كارثية، أخطرها ملف الديون الخارجية، وأزمة نقص العملات الأجنبية التي تهددها بالعجز عن تلبية احتياجات المصنعين والمواطنين، وتوفير العملة الصعبة لاستيراد السلع الاستراتيجية، كالقمح والزيت والذرة والأعلاف وقطع الغيار وخامات التصنيع.
وبحسب بيانات البنك المركزي المصري، فإن الديون الخارجية على مصر وصلت 162.9 مليار دولار بنهاية كانون الأول/ ديسمبر الماضي.
ومصر مطالبة بسداد ديون خارجية بنحو 9 مليارات دولار تستحق العام الجاري، بجانب الحاجة لتوفير نحو 41 مليار دولار لتغطية مدفوعات الديون وعجز الحساب الجاري حتى نهاية العام.
وفيما يخص ديونها لصندوق النقد الدولي، قال بنك "ستاندرد تشارترد"، في أيار/ مايو الماضي، إن مصر ملزمة بسداد نحو 16.5 مليار دولار مدفوعات مستحقة للصندوق ولسندات "اليوروبوندز" خلال العامين الماليين المقبلين، ودفع 27.1 مليار دولار بالسنوات الأربع المقبلة.
وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 2016، حصلت نظام السيسي، على قرض بقيمة 12 مليار دولار، من صندوق النقد الدولي، وهو ما تبعه تحرير سعر صرف العملة المحلية أو التعويم الأول للجنيه بعهد السيسي.
توالت اتفاقيات مصر وصندوق النقد الدولي، حيث حصلت الحكومة، على 8 مليارات دولار أخرى خلال عامي 2020 و2021، ثم اتفاق أخير في كانون الثاني/ ديسمبر الماضي، بقيمة 3 مليارات دولار.
وعلى وقع تلك القروض، فرض صندوق النقد على مصر بيع الأصول والممتلكات العامة وتخارج الدولة من أنشطتها، وخفض قيمة العملة المحلية التي تحركت منذ آذار/ مارس 2022، من نحو 15.6 جنيه إلى حوالي 40 جنيها في السوق السوداء اليوم.
وهي الإجراءات التي تبعها ضغوط اقتصادية كبيرة على نحو 105 ملايين مصري، يعيشون في الداخل، خاصة مع ارتفاع لمعدلات التضخم السنوي، لتصل حسب بيانات البنك المركزي إلى 40.3 بالمئة، ما يفاقم نسب الفقر في البلاد، وفق مراقبين.